الرئيسة \  تقارير  \  ترحيب وآمال في سوريا بعد تشكيل الشرع هيئتين للعدالة الانتقالية وللمفقودين

ترحيب وآمال في سوريا بعد تشكيل الشرع هيئتين للعدالة الانتقالية وللمفقودين

20.05.2025
جانبلات شكاي



ترحيب وآمال في سوريا بعد تشكيل الشرع هيئتين للعدالة الانتقالية وللمفقودين
جانبلات شكاي
القدس العربي 19/5/2025
دمشق ـ “القدس العربي”: قوبل تشكيل الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع هيئتين واحدة لـ”العدالة الانتقالية” والثانية لـ”المفقودين” بترحيب واسع في الشارع السوري بعد طول انتظار، مع أصوات منتقدة لحصر الهيئة الأولى بانتهاكات النظام السابق فقط.
مرسومان
وأصدر الشرع مساء أول أمس مرسوما بتشكيل هيئة مستقلة تحمل اسم “الهيئة الوطنية للمفقودين” تتمتع بشخصية اعتبارية، واستقلال إداري ومالي، وتمارس عملها في جميع أنحاء البلاد.
ووفق المرسوم رقم 19 فإن الهيئة تعمل على البحث والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً، وتوثيق الحالات وإنشاء قاعدة بيانات وطنية وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلاتهم.
وعيّن المرسوم محمد رضا جلخي رئيساً للهيئة، وكلفه بتشكيل فريق عمل ووضع النظام الداخلي للهيئة خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ الإعلان.
كما أصدر الشرع المرسوم رقم 20 لتشكيل هيئة مستقلة باسم الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وذلك إيمانا بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية كركيزة أساسية لبناء دولة القانون، وضمانا لحقوق الضحايا، وتحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة.
وحسب المرسوم فإن مهمة هذه الهيئة ستكون كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية.
كما نص المرسوم على تعيين عبد الباسط عبد اللطيف رئيسا للهيئة، وتكليفه بتشكيل فريق العمل، ووضع النظام الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من تاريخ الإعلان عن تشكيل الهيئة، مبيناً أن الهيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية.
خطوة إيجابية
وفي تصريح خاص لـ”القدس العربي” اعتبر الحقوقي والخبير في القانون الدولي الإنساني محمد نعيم آقبيق مرسوم العدالة الانتقالية “خطوة إيجابية وكبيرة جدا، وجاء في الوقت المناسب وإن تأخر قليلا، وهو يُجبّ المراسيم السابقة، ولجان التحقيق التي أنشئت ستنضوي تحت لواء هيئة العدالة الانتقالية”.
وزاد: “لا يمكن الحكم بشكل مسبق على الهيئة، إن ستنجح في تحقيق العدالة الانتقالية أم ستنحو نحو العدالة الانتقائية، فالمرسوم صدر الآن وسنشاهد نتائجه على واقع التنفيذ لاحقا، ونرجو أن يقوم الأشخاص الذين تم اختيارهم بتحقيق عدالة انتقالية حقيقية لنصل إلى إعادة التماسك والترابط الاجتماعي عند جميع الذين فقدوا أبناءهم وآباءهم، حتى يسود الهدوء ونواصل العمل بإعادة إنشاء الدولة”.
واعتبر أنها “ستكون بديلا عن النيابة العامة في المحاكم المقبلة بعد أن تجمع الأدلة والبراهين والقرائن القانونية ثم تحيلهم إلى القضاء المختص المستقل عن السلطة التنفيذية”.
وعلق آقبيق على المرسوم الآخر الخاص بالمفقودين، وقال إن “من مهام هذه الهيئة أن تحقق الراحة لذويهم بعد تحديد مصير المغيبين، وهناك إعلان صادر بهذا الخصوص عام 1992 واتفاقية دولية صدرت عام 2007 حول المفقودين وتحظر التغييب القسري وتطالب بالكشف عن مصيرهم، وسوريا لم تنضم إليها، ولكن أعتقد أن دمشق ستراعي هذه الاتفاقية وربما تنضم إليها” موضحاً أن “كلمة “الهيئة” تشير إلى أنها أكبر من وزارة واحدة بل ربما يمتد نشاطها لتعاون وزارات عدة وهي تابعة لرئاسة الجمهورية وستعمل على تحقيق المصالحة والسلم الأهلي ويعول عليها لشفاء المجتمع من جراحه” مشدداً على أن “كل من تلوثت يداه بالدماء يجب أن يحاسب بأي خندق كان، والمحاسبة يجب أن تطال كل من ساهم في عملية الإخفاء القسري”.
أدلة بديلة
وحول الأدلة التي دار حديث حول تخريبها إن بعد دخول الأهالي إلى المعتقلات وخصوصا إلى سجن صيدنايا والعبث بالوثائق هناك، أو قيام البعض بطلاء بعض الجدران، وحتى في عبث آخرين ببعض المقابر الجماعية، قال آقبيق: “إن قانون البينات حدد طرق عدة، وإن كانت بعض الأدلة قد فقدت أو تم تخريبها فيمكن الاستعانة بطرق أخرى مثل الشهادة والقرائن والصور الإعلامية التي وثقت الكثير من الجرائم”.
وتابع: “كانت هناك لجنة شكلها مجلس حقوق الإنسان للتحقيق بالجرائم التي ارتكبت في سوريا، ومارست اللجنة نشاطها من خارج البلاد وقابلتها مرات عدة وأنهت عملها بشكل كامل ولديها ملفات من الممكن الاستعانة بها”.
وعن تقييمه للأحداث المأساوية التي شهدها العديد من مدن الساحل السوري وراح ضحيتها الكثير من المدنيين، وحتى أن الرئيس الشرع شكل لجنة خاصة للتحقيق بها ما زالت تمارس عملها، إضافة إلى ظهور حالات تصفية قال منفذوها إنها كانت بحق شبيحة أو عناصر للنظام تورطوا في جرائم حرب، قال آقبيق: “إن الأعمال الانتقامية التي شاهدناها في الأشهر الماضية القريبة ستنتهي، لأنه ومع تحقيق العدالة الحقيقية والتعويض العادل وجبر الضرر، فلن يضطر أهالي الضحايا إلى الانتقام، بل سيتم التركيز على بناء الدولة والنظر إلى المستقبل، وهذا الفعل ما تقوم به الثورة منذ عام 2011 حيث عملت على تغيير القيم والمفاهيم والمبادئ والأهداف، على خلاف عملية الانقلاب التي يتطلع منفذوها إلى وقت وصول العسكر إلى السلطة”
وتابع: “إذا كنا نعمل اليوم وفق الشرعية الثورية، علينا أن ننتقل إلى الشرعية القانونية قريباً وتشكيل حكومة شرعية بدل الانتقالية، والسلم الأهلي لن يتحقق ما لم تتحقق العدالة وننصف المظلومين والأمهات الثكالى اللواتي فقدن أبناءهن”.
لا للتدخل الدولي
وبين آقبيق أن تشكيل هيئة العدالة الانتقالية يقطع الطريق على التدخل الدولي في الشؤون السورية الداخلية، وقال: “نحترم جميع الدول الصديقة لكننا سنحقق العدالة بأيدينا ولسنا مضطرين إلى محاكم خارجية سواء بغرف دولية خالصة كما في حالات يوغسلافيا أو رواندا أو سيراليون، أو بمحاكم الغرف المشتركة بقضاتها المختلطين كمحكمة كمبوديا أو محكمة الحريري” مشددا على أن مرسوم تأسيس هيئة العدالة الانتقالية هو “تصرف قانوني سليم يُجبّ أي مطالبات دولية بتحقيق العدالة عن طري المجتمع الدولية” موضحاً أن يوغسلافيا لم تشكل هيئة للعدالة الانتقالية ما دفع مجلس الامن إلى تشكيل محكمة دولية خاصة بها عام 1993، وكذلك الحال بالنسبة لسيراليون”
وقال: “إن قانون قيصر أو قانون محاسبة سوريا قاما على انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبها النظام البائد، وكذلك الحال بالنسبة العقوبات الأوروبية، ولكن اليوم لم يعد مبررا استمرار هذه العقوبات مع وجود هيئة العدالة الانتقالية”.
انتقادات لحصر الأولى بانتهاكات الأسد فقط… وحقوقي: خطوة تقطع الطريق أمام التدخل الدولي
في حين أكد عضو المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، حازم النهار، في تصريحه الخاص لـ”القدس العربي” أن “إنشاء هيئة المفقودين يشكل استجابة إيجابية طال انتظارها لعائلات المفقودين وذويهم، واعترافًا بمعاناتهم الطويلة، وخطوة أولى لطي هذا الملف المؤلم الذي يرخي بظلاله على الحياة العامة السورية برمتها” مطالباً بضرورة “إشراك الناجين وعائلات الضحايا في مراحل العمل كلها، والتنسيق الحقيقي مع المؤسسات المستقلة المعنية بالمفقودين، إضافة إلى ضرورة أن يتكامل عمل هذه الهيئة مع مسار العدالة الانتقالية”.
وتابع “أما مرسوم العدالة الانتقالية فهو أيضاً خطوة طال انتظارها نحو تضميد الجراح وتحقيق العدالة والمصالحة، إيماناً بأن العدالة الانتقالية هي حجر الأساس في بناء دولة القانون، وضمانة لعدم تكرار المأساة، وحفظ لكرامة الضحايا وحقوقهم”.
وقال: “ينبغي لنا انتظار تفاصيل المرسوم وإجراءاته التنفيذية لتكوين إحاطة شاملة، لكن يمكن إدراج الملاحظات الأولية، فالمرسوم في البداية كان لا بد أن ينأى بالعدالة الانتقالية من احتمال أن تتحول إلى عدالة انتقائية، ولا سيَّما أن المرسوم لم يذكر سوى جرائم نظام الأسد، وتغافل عن ذكر جرائم الجهات العسكرية الأخرى، إضافة إلى مرتكبي المجازر التي ارتُكبت بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، إذ إن تحقيق عدالة شاملة ودائمة يتطلب محاسبة جميع الأطراف المتورطة في الانتهاكات، بغض النظر عن انتماءاتهم أو حجم الجرائم المرتكبة”.
وتابع أن “العدالة الانتقالية تكتسب مشروعيتها من قدرتها على تفكيك خطاب الإفلات من العقاب، ومواجهة الحقيقة كاملة بلا انتقائية، وأن الأساس في العدالة الانتقالية هو الجريمة لا الجاني، وهذا يتوافق مع تثبيت فكرة أن الكرامة المتساوية لجميع الضحايا بلا استثناء هي أساس العدالة، أي لا بدَّ من معالجة جميع مظالم الماضي بغض النظر عن الجهات المنتهكة، وبناء مسار العدالة على مركزية الضحايا”.
وقال: “يُخشى أن تتحول العدالة الانتقالية، عندما تغض البصر عن محاسبة جميع الجناة إلى عدالة على مقاس المنتصِر، ما يجعلها عاجزة عن أداء دورها في المصالحة الوطنية وضمان عدم تكرار الانتهاكات، ما يمنع في الحصيلة تأسيس عقد اجتماعي جديد يقوم على المساواة وسيادة القانون”.
وشدد نهار على أنه “لا يمكن الاطمئنان جيداً إلى مسار العدالة الانتقالية في ظل استبعاد مشاركة المنظمات الحقوقية والمدنية التي عملت طويلاعلى هذه الملفات وباتت لديها خبرة متراكمة، ولدينا في سوريا كثير من المتخصصين بالعدالة الانتقالية الذين راكموا خبرات كبيرة خلال السنوات الماضية، أذكر منهم على سبيل المثال: فضل عبد الغني، أنور البني، ميشيل شماس، مازن درويش، وغيرهم كثر. وهؤلاء جميعاً لا بدَّ من إشراكهم”.
وعلق على الشخصية التي تم تكليفها لرئاسة هيئة العدالة الانتقالية وقال: “ليس لدي اطلاع على خبرة عبد الباسط عبد اللطيف بالعدالة الانتقالية، لكن بعضهم أشار إلى أنه كان مسؤولافي تنظيم عسكري يُحتمل أنه ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ومن ثم لا بدَّ من التأكد من هذه النقطة” مشيراً إلى أن “التحدي الأكبر يبقى هو إمكان الموازنة بين مسار العدالة الانتقالية، بما تتضمنه من محاسبة الجناة وضمان حقوق الضحايا وتعويضهم وتحقيق مصالحة وطنية… إلخ، ومسار بناء الدولة السورية الجديدة، أي لا بدَّ من بذل جهد كبير، واستناداً إلى أرضية إنسانية وطنية، وسياسة عقلانية، لضمان عدم حدوث تصادم بين المسارين”.
عدالة من الجميع
وشهدت صفحات التواصل الاجتماعي نشاطا واسعا وجدالا حول تشكيل الهيئتين، ولخصت لينا غوتوق رؤيتها بالقول إنها “عدالة المنتصر وليست عدالة انتقالية” أما فرح يوسف فقالت إنها “تريد عدالة انتقالية من النظام السابق، على جميع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعدالة انتقالية من جميع قوى الأمر الواقع والفصائل الأخرى، جيش الإسلام، جبهة النصرة، هيئة تحرير الشام، قسد، والكل من دون مقارنات فاسدة مع الأسد” مشددة على أنه “لا يحق للسلطة الحالية حصر ملف العدالة الانتقالية بنظام الأسد”.
تعريف المفقود
الناشط في مجال المفقودين والمغيبين قسريا خليل الحاج صالح فاعتبر أن “ثمة تحديين سيواجهان مصداقية الهيئة في عيون أصحاب المصلحة في مجتمع الفقدان الغامض قريباً” موضحاً أن الأول هو “تحدي التعريف، أي أن تستخدم تعريف “المفقود” كما تورده النصوص الدولية، لا أن تعيد تعريفه بما يوافق السلطة القائمة وحدها، والتحدي الثاني هو تحدي الأولويات وهو شبيه أو مشتق من التحدي الأول ويتمثل في أن تلجأ إلى خلق تراتبية بين فئات المفقودين حسب المنتهكين فتعطي أولوية زمنية أو رمزية أو كليهما لفئة على أخريات”.
وقال: “لعبة الأولويات بدأتها المؤسسة الدولية المستقلة من خلال خطتها المقدمة إلى الحكومة السورية المؤقتة، وأخشى أن المؤسسة ستجد قريباً لاعبا يشاركها الأولويات ذاتها”.