الرئيسة \  مشاركات  \  تداعياتُ أَحداثِ الغوطة على الإسلاميين في الثورة السورية

تداعياتُ أَحداثِ الغوطة على الإسلاميين في الثورة السورية

28.05.2016
د. محمد عادل شوك




بتوقيعهما يوم الثلاثاء (24/5/ 2016م) على اتفاق إعلان المبادئ، المُمَهِّد لوقف الاقتتال بينهما، بدعوة من دولة قطر، و رعاية من المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات الدكتور رياض حجاب، يكون قائدا جيش الإسلام، و فيلق الرحمن: ( عصام البويضاني )، و ( عبد الناصر شمير ) قد وضعا حدًّا لأحدث مشهد في الاقتتال الفصائلي، تشهده الثورة السورية.
و بذلك يكون قد تمّ تبريد الأمر بانتظار فرصة أخرى؛ ليعود على صفيح أكثر سخونة، و هو ما عوّدتنا عليه الفصائل الجهاديّة عمومًا؛ لأنها لا تؤمن بأنصاف الحلول في صدامها مع الآخرين.
تأتي هذه التوقعات من خلال جملة من الأمور رافقت هذا الصدام البينيّ، الذي عاشته الغوطة على مدى شهر كامل، منها ما هو مرحليّ، على المستوى القصير، متمثِّلاً بـ:
ـ البُعدِ الثأريّ، حيث اصطفّ كلّ من تأذّى من مسعى ( جيش الإسلام )، لجعل الغوطة خاضعة لقوة مركزية ذات مرجعية واحدة؛ فشهد الأمر تحالفًا غير متجانس من: خلايا نائمة لداعش، و جبهة النصرة ممثلة بجيش الفسطاط، و التيار المشيخي ممثلاً بفيلق الرحمن، و فصائل الجيش الحر ممثلة بجيش الأمة، و غض طرف من أحرار الشام، في مقابل جيش الإسلام؛ فقام هذا التكتّل بعملية مباغتة، بالهجوم في وقت واحد على أكثر من ( 70 ) مقرًا أمنيًا له في القطاع الأوسط، الذي يشمل مناطق عدة من بينها: سقبا، و بيت سوى، و جسرين، و زملكا، و مسرابا، فتمّ أسرُ أكثر من ( 900 ) عنصرٍ له، و مصادرةُ جلّ أرشيفه الأمنيّ، و الاستيلاءُ على معامل تسليحه بشكل شبه كامل، و يرفض فيلق الرحمن إعادة ذلك له مهما كلّف الأمر.
ـ شعورِ جيش الإسلام بوقوعه في شرك خديعة كبرى، نصبها له فيلق الرحمن، حيث قام بنفسه، بناء على رغبة أبداها الفيلق بالانضمام إليه، قبل ثلاثة أشهر من اغتيال قائده زهران علوش، بفتح معامله أمام قادته، و اطلاعهم على حجم ترسانته العسكرية، و أماكنها؛ ما سهل لهم الانقضاض عليها.
ـ شعورِ فيلق الرحمن بفائض القوة، بعد انضمامه إلى غرفة عمليات ( موك ) في الأردن؛ الأمرُ الذي جعله يرغب في كسر احتكار تمثيل الغوطة في ( جيش الإسلام )، أمام الدول صاحبة النفوذ في الملف السوريّ.
و منها ما هو مُستقبليّ، مرتبط بمشروع الإسلام السياسيّ في الثورة السورية على المدى البعيد، متمثِّلاً بـ:
1ـ بروزِ حالة الاستقطاب بين أتباع التيار الدينيّ، حيث اصطف التيار المشيخي التقليدي خلف فيلق الرحمن، في حين اصطفّ التيار السلفيّ خلف جيش الإسلام، و قد ظهر الأمر ببعديه: الفقهيّ، و العقديّ.
2ـ تنامي حالة التنافر الفكريّ بين أتباع السلفية الجهادية، من خلال التيار العالميّ ممثلاً بجبهة النصرة و ملحقاتها، ( و حتى داعش: تجاوزًا )، و الآخر المحليّ ممثلاً بجيش الإسلام، و بأحرار الشام، و ملحقاتهما.
حيث رأت النصرة في هذا الاقتتال الفصائليّ، فرصة لإضعاف ( جيش الإسلام )، الذي بدا حجر عثرة أمام نفوذها في منطقة دمشق، و في عموم الجنوب من خلال التناغم بينه، و بين فصائل الحر في الجبهة الجنوبية.
 و قد تسارعت رغبتها في ذلك بعد اقترابه الواضح من الحالة المحلّية للثورة، من خلال انخراطه بعمق في مؤتمر الرياض، ثم في اختيار عضو مكتبه السياسيّ ( محمد علوش ) كبيرًا للمفاوضين في جنيف، و ارتدائه علم الثورة، في وقت كانت النصرة مع حليفتها ( جند الأقصى ) تخوضان صراعًا مع الفرقة ( 13 ) في معرة النعمان، بسبب وقوفها إلى جانب رافعيه في مظاهرة جمعة ( 11/ 3/ 2016م ).     
و اللافت للنظر في هذا الاقتتال هو:
ـ سرعةُ استجابة الفصائل لدواعي الصدام فيما بينها.
ـ الجرأةُ في إصدار الفتاوى من شرعييّ النصرة باستباحة دماء المخالفين من رفاق السلاح،  لدرجة أن يصبح قتال ( جيش الإسلام ) أولى من قتال النظام.
ـ فتحُها مخازن السلاح على مصراعيها؛ على الرغم من الشكوى المريرة من شُحِّه في معاركها مع النظام.
لذلك يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ هذا قد أعطى انطباعًا، بأنّه إذا كان الإسلاميون يقتتلون فيما بينهم قبل إسقاط النظام، فكيف ستكون الحال معهم بعد ذلك، و هل سيكونون بمنأى عن تجربة المجاهدين الأفغان، التي مهَّدت لمجيء كرزاي؟!