تحدّيات ما بعد رفع العقوبات عن سورية
22.05.2025
مروان قبلان
تحدّيات ما بعد رفع العقوبات عن سورية
مروان قبلان
العربي الجديد
الاربعاء 21/5/2025
حققت سورية الأسبوع الماضي إنجازاً كبيراً، عندما أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أثناء زيارته السعودية، عن رفع العقوبات المفروضة على دمشق، وبعضها يعود إلى عام 1979. ولن تكون هذه العملية سهلة، وسوف تأخذ وقتاً بسبب التعقيدات القانونية، والبيروقراطية المرتبطة بها أميركيّاً، خاصة وأن سورية من بين أكثر الدول معاقبة في العالم (إلى جانب روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وكوبا، وفنزويلا). كما يرجّح أن تنتظر واشنطن تنفيذ بعض شروطها السياسية والأمنية قبل أن تطلق جدّياً عملية رفع العقوبات. لكن هذا كله لا يقلل من أهمية الإنجاز، خاصة وأن دولاً أخرى، مثل العراق، ما زالت تعاني من استمرار بعض العقوبات المالية عليها رغم مرور 22 عاماً على الغزو الأميركي، وإسقاط نظام الرئيس صدّام حسين، وتحوّل العراق، نظريّاً على الأقل، إلى حليف للولايات المتحدة. بارتفاع العقوبات الأميركية، يؤمل أن تكون سورية قد خطت خطوة أخرى نحو القطيعة الكاملة مع كل "الحقبة الأسدية"، سواء في ممارساتها الداخلية، أو في علاقتها مع الخارج. يعطي رفع العقوبات مؤشّراً أيضاً على رغبة عربية ودولية لتجاوز الشكوك والتخوّفات ومساعدة سورية على النهوض وتجنب الفوضى. ورغم أنه مازال من المبكر الوصول إلى استنتاجات بشأن الموقف الأميركي، لكن الواضح أن واشنطن، التي ما زالت لا ترى مصلحة مباشرة لها في سورية، قد أوكلت لحلفائها في الخليج وتركيا مسألة مساعدة سورية، وتولي عملية نقلها من المعسكر الروسي- الإيراني إلى المعسكر الأميركي.
يزيد هذا كله من العبء على الإدارة الانتقالية في دمشق، التي صار يترتب عليها وحدها مسؤولية توفير الظروف المناسبة لاستقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية والوطنية، وتشجيعها على دخول السوق السورية لإطلاق عملية إعادة الإعمار. عندما أعلن الرئيس ترامب رفع العقوبات من الرياض، لفت الانتباه قوله "ها قد رفعنا العقوبات، أرونا (يقصد السوريين) ماذا لديكم". هذا تماماً ما ينتظر الجميع رؤيته، في ظل تحدّيات داخلية وخارجية، لن يكون سهلاً تجاوزها. ذلك أن رفع العقوبات يعد، من دون شك، شرطاً لازماً، لكنه ليس كافياً، لتحقيق الازدهار الاقتصادي، بدليل وجود دول كثيرة لم تفرض عليها عقوبات يوماً لكنها، مع ذلك، فاشلة وفقيرة، بسبب سوء الإدارة، وضعف الكفاءة، من بين عوامل ذاتية عديدة.
لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، بعد رفع العقوبات، يتوجّب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وتوحيد البلاد، وهذا لن يتحقّق، كما نؤكد دائما، من دون جمع السلاح، وبناء مؤسّسات عسكرية، وأمنية، على أسس وطنية، تنحلّ فيها كل الفصائل، فعليّاً لا اسميّاً، وتتبع لهيكلية قيادية واحدة، مرجعيتها مصالح الدولة العليا. هذا لن يحصل من دون عملية سياسية شاملة تشارك فيها كل الأطراف مسؤولية تحديد شكل الدولة، ونظامها السياسي، وموقعها فيها. سوف يترتب، أيضاً، وضع البنية التشريعية والقانونية المناسبة، التي تضمن، خصوصاً، مبادئ الشفافية وسيادة القانون، وبناء أدوات للرقابة، ومحاربة الفساد. وهذا يعني السماح بوجود حياة سياسية، وإطلاق الحريات العامة، فعلاً لا قولاً، وخاصة منها حرية الرأي والتعبير، ووجود إعلام مستقل، وبرلمان منتخب، يراقب عمل الحكومة. جوهر القول، هنا، "لا استثمار من دون استقرار ولا استقرار من دون دولة تقف على مسافة واحدة من الجميع".
خارجياً، سوف يصطدم السوريون بعدم مطابقة التوقعات للإمكانات الفعلية بخصوص الاستثمارات الخارجية، الخليجية تحديدًا. لن نشاهد على الأرجح خلال العامين المقبلين، على الأقل، تدفقاً كبيراً للاستثمارات الخليجية، نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، واحتمال تراجعها أكثر في المدى المنظور بسبب تنامي مؤشّرات الركود العالمي والحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة وأقطاب العالم الاقتصاديين، واحتمال انهيار اتفاق "أوبك بلس" لخفض الانتاج. وهذا يعني أن دول الخليج لن تفتقر إلى الفوائض المالية، فحسب، بل ستعاني من عجوزات، أيضا، تفرض عليها سياسات تقشّفية، تتضمن إلغاء العديد من مشاريع التنمية الداخلية. سوف يشتد، فوق ذلك، التنافس الدولي لتوفير أفضل البيئات لجذب الاستثمارات، وخلال ولاية دونالد ترامب، تحديداً، سوف تمتص الولايات المتحدة أكثر الاستثمارات الخليجية، كما اتضح في جولة الرئيس الأميركي الأخيرة في الخليج. هذا يعني أن التركيز سوف ينصب خلال الفترة المقبلة على استعادة رؤوس الأموال السورية المهاجرة، وهذا يتطلب، كما ذكرنا، تنازلاتٍ مهمّة، جوهرها تغيير مقاربة الحكم الحالية، لضمان الشفافية والمشاركة السياسية.