تحدّيات أمنية وسياسية أمام الشرع
05.05.2025
فاطمة ياسين
تحدّيات أمنية وسياسية أمام الشرع
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 4/5/2025
تلتفّ حول سورية ظلال سوداء بعد خمسة أشهر من سقوط نظام الأسد، ونتابع اليوم مشهداً شديد الغموض، فما يحدُث يثير عواصف من الريبة والشك. كانت تركة الأسد ثقيلة بشكل هائل وتستلزم ورشات وتفاهمات لتباشر في حلحلة التعقيد الناجم عما خلفه بعد عقود طويلة، وعلى وجه الخصوص، خلال الأربعة عشر عاماً الأخيرة من سنوات حكمه.
ما زال عدم الوضوح يحيط بوضع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال السوري، وبعد توقيع اتفاق الشرع – مظلوم عبدي قبل شهر، ارتفع مستوى التفاؤل وغمرت البشرى الشوارع السورية على ضفتي الفرات، وتعزّزت تلك البشرى بعد الخطوات التي أنجزت في أحياء حلب. لكن الأمور فجأة تعقّدت، وصدر بيانٌ عن مجموعات كردية تتراجع فيه عن الاتفاق السابق، وترفع سقف مطالباتها بما يخالف الإعلان الدستوري الذي صدر قبل اتفاق الشرع – عبدي، وهذا ما عرقل الاتفاق عند خطوة سد تشرين، وجعل حالة من اللايقين تطفو مرّة أخرى على السطح، ووضعت السياسي في قصر الشعب في مأزق يستلزم إيجاد حلول جديدة.
على الجانب الآخر من سورية، وفي ضواحي العاصمة دمشق، تتحرّك مجموعات مسلحة تحاول إثارة الوضع، وهي ليست المرّة الأولى، وتضع الدولة السورية الوليدة أمام اختبار هام للغاية، وقياساً لمدى قدرتها على مواجهة وضع أمني غير مستقر، وأصبحت الدولة مطالبة بإعادة الهدوء إلى الشوارع وتنظيف المنطقة من السلاح وفرض الأمن، وإيقاف المجموعات التي تحمله وتستعمله لإثارة الفوضى. استغلّت المجموعات ما تعتقد أنه خاصرة رخوة للدولة، فتحرّكت في أطراف دمشق، لكن قوى الأمن استطاعت أن تسيطر على الشارع، وتعتقل من كان يحمل السلاح ضدّها، مثيراً فتنة وفوضى. وقد يمكننا حساب نقطة لصالح الدولة لسرعة تعاملها في حسم المسألة. ولكن لتكمل صورة الوضع الأمني المستقر، عليها بناء مظلّة أمنية واسعة الطيف تلفّ العاصمة وما حولها وتمتدّ إلى الجنوب، إلى حيث انتقلت الإضرابات في محافظة السويداء، بحيث تقطع الحكومة الطريقَ أمام إسرائيل التي تحاول النفاذ من فراغ أمني تحاول أن تُحدثه بعض المجموعات، تمهيداً لتداخل إسرائيلي. وقد حاولت إسرائيل بالفعل أن تتدخّل، فأرسلت مسيّراتٍ ضربت على مقربة من الحوادث المشتعلة، وفي دمشق وصلت إلى محيط قصر الرئيس نفسه، وهو تحدٍّ أمني آخر ذو مفاعيل خطيرة، يضع نفسه أمام الحكومة الجديدة.
ما زالت حكومة الشرع تتعاطى سياسياً مع مشكلة "قسد" في الشمال السوري، وتعطي أفضلية للمحادثات مهما طالت للوصول إلى حل من دون توريط يضع السوري أمام السوري في مواجهات عسكرية، فقد استُوعِبَت دروس الأربع عشرة سنة الماضية التي استنفدت من السوريين الكثير مادّياً ونفسياً. ومن المفيد التفكير مليّاً قبل القيام بخطوة إلى الأمام، بوجود كل هذا الشحن والتداخل الخارجي والتهديدات الكبيرة الماثلة على الأرض، وقد بدأ تنظيم الدولة الإسلامية يظهر ويختفي، وهو مستعد مرّة أخرى ليشغل أي فراغ يمكن أن يحدُث، والفراغات لا تأتي إلا بعد المعارك الكبيرة والسجالات العسكرية، وما زال الوقت متاحاً أمام السياسة لتأخذ دورها كاملاً، ولا بأس بمزيدٍ من الوقت لتجنّب المواجهات بالسلاح.
الاتفاق على ضم مزيدٍ من أبناء السويداء لجهاز الأمن العام خطوة جيدة، فمكوّنات سورية كلها ضرورية مهما كانت نسبتها داخل المجتمع، ومشاركتها بجدّية حاسمة. ومن أولويات الإنجاز السياسي الصحيح، ومن المهم التفريق بين مكوّن سوري أصيل (وكامل) ومجموعة عسكرية متمرّدة أو خارجة عن القانون. ولا بد من الاعتراف بالثقافة الخاصة للجميع من دون انتقاص أو تضييق، فلا يشعر مكوّنٌ بغضاضة أو بغُبن يجرّه إلى التمرّد أو طلب المساعدة من الخارج، وقد توجد جهات خارجية تنتظر "بشوق" أن توجّه إليها دعوة بالتدخل، وهناك تجربة مع وجود إيران ومليشياتها التي أذاقت السوريين الأمرّين، ولا يريدون بغالبيتهم تكرارها مع أي تدخّل خارجي جديد.