تحديات البناء السوري .. رهان الصبر
28.06.2025
محمد شيخ يوسف
تحديات البناء السوري .. رهان الصبر
محمد شيخ يوسف
سوريا تي في
الخميس 26-6-2025
يتفق السوريون جميعًا بلا شك على وجود تحديات كبيرة في مرحلة بناء الدولة الجديدة، إذ إنها مرحلة جديدة جاءت بعد إسقاط عقودٍ من الظلم والاستبداد والقهر والتسلط من قبل طغمة حاكمة، استولت على البلاد وحولتها إلى مزرعة خاصة، وألغت السوريين جميعًا من دون استثناء، واحتكرت الحكم والسلطة وكل مقدرات البلاد، وعاثت فسادًا فيه على مدار السنوات الطويلة هذه التي تجاوزت نصف قرن، وتسعى أن تعود بشتى الوسائل مرة أخرى، عبر تخريب المراحل الانتقالية، وتقويض عمل الحكومة الانتقالية التي تعمل من أجل استكمال مراحل إعادة البناء، وتحقيق الانتقال السياسي، وأداؤها يحظى برضا محلي وإقليمي ودولي.
ومن الرهانات الهامة التي تبرز في مرحلة البناء السوري الجديد هذه، هو تحدي ورهان الصبر، هذه الكلمة التي لا يمكن اختزالها بمجرد أحرف، فالصبر، كما يُقال في المثل العربي الشهير، هو مفتاح الفرج، والسوريون يدركون تمامًا أن الإدارة الجديدة تعمل بصبر في مسيرٍ طويلٍ من إعادة البناء ويمتد هذا المسير إلى سنوات طويلة، فالخراب والدمار في سوريا لا يمكن حصره فقط بسنوات الحرب، ولا يشمل الجوانب المادية فحسب، بل يتعداها بشكل كبير إلى القضايا المعنوية، فعملية إعادة البناء والترميم والتأهيل هي مساحة كبيرة يجب العمل عليها بصبر، والنظام السابق عمل على التخريب منذ توليه الحكم قبل عقود، مزق المجتمع، وحارب جميع الأطراف من دون استثناء، وأبقى فئة صغيرة مؤيدة له مستفيدة، فُتح لها المجال لكل شيء.
ردود الفعل على عملية التفجير مؤكد أنها ستكون واحدة عند السوريين الراغبين بالحياة الكريمة التي يشدون إليها في بناء دولة القانون والحقوق والحريات والمساواة، تُصان فيها الديمقراطية وحرية التعبير.
وتتنوع الميادين التي تحتاج إلى الصبر في هذه المرحلة، فمن المؤكد وجود تحديات أمنية كبيرة خلال المرحلة الحالية، بسبب سرعة التغيير التي حصلت خلال معركة ردع العدوان، والتي أزعجت أطرافًا مؤيدة للاستبداد والقمع، سواء كانت داخلية تتمثل بفلول النظام، أو خارجية عبر دول معينة، أو عبر الوكالة من خلال أدوات وتنظيمات إرهابية وانفصالية تسعى إلى تخريب الأجواء في البلاد، ولهذا يتم التخريب والعمل على الجانب الأمني بشكل كبير. ومن المؤكد أن القوى الأمنية الجديدة لا تزال في طور البناء والتدريب والتطوير، وهو ما يحتاج إلى صبر للوصول إلى المعايير المطلوبة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، للتعامل مع الحالات والأفراد. وإزاء مواقف سلبية محددة، هناك نماذج إيجابية أخرى تبشر بالخير، ولكن مرحلة البناء هذه، التي لا يزال عمرها أشهرًا، بحاجة إلى الوقت للارتقاء بالمستوى المطلوب والمأمول.
عملية التفجير الإرهابية التي استهدفت كنيسة مار إلياس في دمشق هي نموذج للتحديات الأمنية في المرحلة المقبلة، مع وجود الأطراف الرافضة لأن تنال سوريا حريتها واستقلالها ورفاهها. عمل إرهابي أدانه جميع السوريين، حتى لو استهدف أي مواطن أو أي مكون، فالدم السوري واحد، بخلاف الانتماء والمعتقد والدين والعرق. ومع تحرك القوى الأمنية على الفور للتعامل مع الحادثة ووقوع الشهداء والجرحى، ومنعًا للتحريض وتحقيق أماني الجهات المرتبطة بالعمل الإرهابي، تبرز مرة أخرى ممارسة الصبر كطريق للخلاص وصولًا إلى تحقيق الهدف المنشود. فالتحديات الأمنية متوقعة، والأطراف المتضررة لا تزال على رأس عملها في التشويش وعرقلة مرحلة البناء، وتسعى لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء.
ردود الفعل على عملية التفجير مؤكد أنها ستكون واحدة عند السوريين الراغبين بالحياة الكريمة التي يشدون إليها في بناء دولة القانون والحقوق والحريات والمساواة، تُصان فيها الديمقراطية وحرية التعبير. وبالتأكيد ستكون هناك ردود أفعال من قبل الأطراف الرافضة لبناء سوريا الجديدة، ستعمل على التحريض والتأليب، وهذه أساليب اتُّبعت سابقًا في دول عديدة، والعراق نموذج لها، ولا يزال يعاني من الانقسامات المجتمعية نتيجة لذلك. وبالتالي، يجب ممارسة الصبر بأقصى الحدود، منعًا من حدوث الفتنة التي يتمناها أعداء سوريا، ويسعى لها فلول النظام وأدواته، وتحركها من ورائهم آلات إعلامية، والهدف هو خلق الفتنة بين المكونات وأفراد الشعب، والتحريض على الفعل ورد الفعل، وهو أخطر الأمور التي تحتاج إلى الصبر الطويل، والهدوء، والمحاكمة في التعامل مع حالات التحريض، وتثبيت الذين يبثون الفتن، والرد عليهم بالشكل المناسب العقلاني، من دون الدخول في مشادات ونقاشات لا طائل منها، سوى تحقيق أحلام وطموحات مثيري الفتن ومحبي العودة إلى زمن الاستبداد.
الصبر على الصعيد الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي لا يقل أهمية عما سبق، حيث إن هناك قنوات ووسائل إعلامية تعمل بلا شك على بث الفتنة والتحريض، وهي جبهة هامة لدى محور داعمي النظام البائد، وهذه المؤسسات لا تزال تعمل على تقويض الحكم الجديد، والتشويش على المرحلة الانتقالية، وترى في الحادث الإرهابي في تفجير كنيسة مار إلياس مادة دسمة لإطلاق وبث السموم ضد كل ما هو إيجابي، وتحاول توظيف الأحداث في تأليب الآراء، والتسبب في حصول الاحتقان بين أطياف الشعب السوري.
إن المرحلة الجديدة في سوريا بحاجة إلى محددات ورهان مختلف الأبعاد والمستويات، وتقع مسؤوليات هامة على الحكومة والشعب معًا من أجل تحقيق الهدف المنشود، وتحطيم آمال الراغبين بالتخريب وزرع الفتن.
الميدان الإعلامي يبرز تحديًا كبيرًا في المرحلة السابقة والحالية والمستقبلية، في مسعى من قبل هذه الأطراف لإظهار الأحداث الصغيرة بأنها كبيرة، ومحاولة النيل من الاستقرار غير المتوقع الذي ساد سوريا بعد إسقاط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر، فأحداث صغيرة يتم المبالغة بها ونقلها بشكل مكثف، ما يؤدي إلى التعاطي معها والتفاعل من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وتداولها بكثرة. وهذه الأحداث تحتاج إلى الصبر والروية في التعامل معها والتفاعل والتداول، لكي لا تكون جزءًا مما ترغب وتأمل به الأطراف الراغبة بالعودة في الزمن إلى الوراء.
وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا تمتلئ بالمحرضين، وبالمنشورات التي تتناقل أحاديث وتصريحات وأحداثًا مضللة تسعى من خلالها تلك الأطراف، ولكن وعي السوريين واضح بشكل كبير، ويتم الرد على التحريض بالمعلومة الموثقة المؤكدة، التي تدحض الشائعات، وتبث روح الوحدة الوطنية والتلاقي بين السوريين. لا مكان للتحريض والفتن، فالتركيز على مرحلة البناء وسوريا المستقبل بحاجة إلى الصبر وضبط النفس، ووضع حدٍّ لأي مساعٍ لتخريب اللحمة السورية، بعد أن أمسك السوريون بطرف الخيط، وأشعلوا بصيص الأمل في مسار البناء والعدالة والمرحلة الانتقالية، ويتلقون الدعم اللازم من الدول الساعية لتحقيق الاستقرار في البلاد.
وخلاصة القول: إن المرحلة الجديدة في سوريا بحاجة إلى محددات ورهان مختلف الأبعاد والمستويات، وتقع مسؤوليات هامة على الحكومة والشعب معًا من أجل تحقيق الهدف المنشود، وتحطيم آمال الراغبين بالتخريب وزرع الفتن. الصبر معروف لدى الشعب بمعانيه الواسعة، وهو من السمات التي قادت إلى التحرير، فلولا صبر السوريين في المناطق المنكوبة بفعل قصف النظام، لما حصل التحرير، ولولا صبر النازحين والمهجرين، لما سقط النظام، ومن دون صبر ذوي الشهداء والمفقودين والمعتقلين والجرحى والمصابين، لما كانت مرحلة البناء الحالية، ولولا صبر وثبات اللاجئين خارج البلاد، لما وصلت النتيجة الحالية. فالمرحلة المقبلة تحتاج إلى مواصلة الصبر للانتهاء من بناء سوريا المنشودة من قبل الجميع.