الرئيسة \  مشاركات  \  تفاهمات روسيا وتركيا وإيران...في الميزان

تفاهمات روسيا وتركيا وإيران...في الميزان

04.03.2017
غياث بلال

 
 
 
جميع العلاقات البشرية تتراوح بين حديي الصراع والتعاون. ابتداء بعلاقة الرجل مع زوجته، وكذلك علاقة العامل برب العمل ووصولا لعلاقة المجموعات السياسية فيما بينها أو العلاقات الدبلوماسية للدول فيما بينها. حيث تتدرج هذه العلاقة ما بين الشراكة والعداء.
 
فإن غلبت المصالح المتضاربة بين الطرفين سينشأ بينهما تنافس وخلافات عديدة قد تؤدي إلى صبغ علاقتهما بطابع النزاع. حيث يتم تعريف النزاع على أنه علاقة بين طرفين متناقضين (خصمين) يمكنهما المساومة دون حاجة أي منهما للقضاء على الآخر. وأقرب الأمثلة على هذا النوع من العلاقات هو علاقة الدولة التركية بإيران، أو علاقة روسيا مع أوروبا.
 
ولكن في غياب المصالح المشتركة وانتفاء إمكانية التعاون تصل علاقة النزاع إلى الحالة الحدية العظمى وهي حالة الصراع الصفري. حيث يتم تعريف علاقة الصراع على أنها العلاقة التصادمية بين متناقضين (أعداء) يستحيل التعايش بينهما ومحكومين بإهلاك الواحد منهما للآخر والخروج بصيرورة جديدة. وأقرب الأمثلة على هذه العلاقة هي علاقة تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش مع الولايات المتحدة. أو علاقة حركة حماس باسرائيل. في حين تصبح العلاقة بين الطرفين تعاونية بالكامل (شركاء) عند الغياب الكامل لتضارب المصالح. وهي العلاقة المثالية التي لا وجود لها بين البشر إلا كاستثناء. حيث يمكن أن يعزى استقرار العلاقة بين زوجين أو داخل مؤسسة ما إلى غلبة العلاقات التعاونية بين الأطراف. وبالمثل فإن ارتفاع مستوى الاستقرار الداخلي لأي دولة يكون بالضرورة نتيجة لغلبة العلاقات التعاونية بين مؤسساتها كما هو الحال في الدول الاسكندنافية وألمانيا على سبيل المثال.
 
تسعى مراكز تحويل النزاعات والهيئات المهتمة بالسلم والأمن العالمي لتحويل حالة الصراع بين المجموعات المتحاربة إلى حالة نزاع من خلال خلق مصالح مشتركة بين الطرفين وذلك بالعمل على إيجاد مشاريع مصممة من أجل دمج الطرفين المتصارعين في عمل مشترك. ومثال ذلك المشاريع العديدة التي قامت بتمويل أمريكي وأوروبي بين إسرائيل والدول التي أبرمت معها اتفاقيات سلام. أما في الحالة السورية فإن أحد أهم أهداف مؤتمرات السلام المتعددة هو السعي لنقل حالة الصراع الصفري بين نظام الأسد والمعارضة إلى حالة نزاع حول مسائل يمكن التساوم عليها والوصول إلى اتفاق بشأنها يؤدي إلى قيام علاقة جديدة يغلب عليها الطابع التعاوني
 
 
 
إلا أن نجاح هذه المحاولات مرهون بتوفر شرطين رئيسيين:
 
١) توفر الرغبة لدى طرفي الصراع للإنتقال من حالة الصراع إلى حالة النزاع التي تحكمها المساومات ثم الوصول إلى حالة التعاون.
 
في الحالة السورية لم يعد من الممكن الحديث عن طرفي صراع. فعلى كل جانب من ضفتي الحرب هناك عشرات الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي تتضارب مصالحها بشكل كبير. فالنظام السوري تحول إلى ميليشيا من بين عشرات الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية التي تقاتل على الأرض السورية من أجل تحقيق مصالح من أرسلها. وأغلب هذه الميليشيات غير مهتمة بوضع نهاية للحرب الدائرة في سوريا. فتوقف الحرب لا يخدم مصالح شريحة كبيرة من حملة السلاح على طرفي الصراع. كما أن جزء كبير من هذه المجموعات أصبح خارجا عن السيطرة بالشكل الكافي لتعطيل أي اتفاق يمكن أن يوقف الحرب. فتوقف الحرب لا يعني فقط وضع نهاية لسبب وجود هذه الميليشيات بل يعني أيضا تحول قادتها لكبش فداء من خلال تعرضهم للمحاكمة أو التصفية. وبالتالي في غياب حلول عملية للتعامل مع هذه الظاهرة لن يكون من السهل التوصل إلى حلول سياسية قادرة على صناعة الاستقرار.
 
 
 
٢) الشرط الثاني هو توفر الراعي للحوار وللمفاوضات، القادر والضامن لتنفيذ أي اتفاق قد ينتج عن الحوار. والحقيقة أنه رغم امتلاك روسيا وتركيا وإيران للعديد من الأوراق المهمة والقادرة على الضغط على كافة الأطراف، إلا أن إمكانيات هذه الدول مجتمعة غير كافية لإنجاز اتفاق قادر على إنهاء حالة الصراع في سوريا. فالحديث عن توقف مؤقت لإطلاق النار والتفاهم على حدود السيطرة والنفوذ أمر مختلف تماما عن الحديث عن إنهاء حالة الحرب والشروع في العملية السياسية والبدء بإعادة الإعمار.
 
فمصالح هذه الدول الثلاثة متضاربة على المدى البعيد. ففي حين تسعى إيران للمحافظة على وجود طويل الأمد في سوريا، فإنه لا يمكن الجزم بقدرة روسيا وتركيا على إخراج إيران وميليشياتها المتنوعة من الأراضي السورية ولجم طموحاتها الامبراطورية فيها. كذلك لا يمكن الجزم بقدرتهم على التعامل مع ملف القاعدة في سوريا (بغض النظر عن المسميات المختلفة لها كالنصرة أو فتح الشام أو غير ذلك) وكذلك ملف تنظيم داعش. فالقضاء على الوجود السياسي لهذين التنظيمين لا يعني بأية حال التخلص من أخطارهما أو انتهاء وجود الفكر والظروف التي أدت إلى ظهورهما. الأمر الذي يعني أن تحقيق الاستقرار في سوريا سيتطلب تفاهمات تشمل الاقليم ككل وتحظى بدعم دولي وشعبي وهو ما سيصعب تحقيقه في ظل تضارب المصالح بعيدة الامد في دول الاقليم وفي ظل غياب الدعم الدولي لهذه التفاهمات.
 
كما أن هذه الدول الثلاثة مجتمعة لا تملك القدرة على دفع تكاليف العملية السياسية وما سيرافقها من تكاليف إعادة الإعمار من أجل دعم حكومة السلام التي ستقود المرحلة الانتقالية. فالشروع في إعادة الاعمار هو شرط أساسي لنجاح العملية السياسية وذلك من أجل العمل على إنهاء حالة الاقتصاد القائم على الحرب والانتقال إلى حالة الاقتصاد القائم على صناعة القيمة المضافة والذي سيسمح بخلق مصالح مشتركة بين شرائح واسعة من الشعب السوري.
 
غاية ما ستحققه اتفاقات روسيا وتركيا وإيران هو التفاهم على حدود مناطق النفوذ الخاضعة لهم في الشمال السوري وربما تثبيت هذه الحدود لبعض الوقت. ولكن من الصعب توقع إنجاز آخر أبعد من ذلك. فالدول التي تملك أغلب الاوراق المؤثرة في حالة الحرب قد لا تملك الأوراق الضرورية لصناعة السلم.
 
 
 
وبالتالي يمكن التلخيص بأن الدول الإقليمية الفاعلة تمتلك رؤى متضاربة على المدى البعيد حول ماهية الشكل الامثل للحل السياسي الذي سيحقق مصالح كافة الأطراف ويؤدي إلى إنهاء حالة الحرب في الحالة السورية. كما أنها تفتقر للإمكانيات المادية وللمصداقية السياسية اللازمة لدى كافة الأطراف لإنجاز تفاهم شامل وناجز والعمل على تنفيذه. الامر الذي قد يسمح بالوصول إلى تفاهمات تكتيكية تسمح بالتحكم بإيقاع وشدة الحرب الدائرة في سوريا دون التمكن من وضع نهاية لها.
 
في حين نجد الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة صرحت بعدم رغبتها في التدخل الفعلي في سوريا بينما الدول الاوربية لا تشعر بامتلاكها القدرة على المبادرة في إطلاق عملية سياسية شاملة في الشأن السوري بدون دعم حقيقي والتزام جاد وطويل الأمد من الولايات المتحدة. وعلى الجانب المقابل فقدت المجموعات السورية أغلب مقدرات التأثير وصناعة الفعل السياسي والمبادرة السياسية مما أدى إلى تحول الأزمة السورية إلى صراع مشاريع إقليمية وعالمية على أرض سوريا وبدماء أبنائها. للأسف أغلب المؤشرات تؤكد أن الحرب ستستمر لسنوات طويلة أخرى، مالم يحدث تغيير جذري مفاجئ لدى أحد أطراف الصراع يمكن ان يؤدي إلى تغيير جذري وغير متوقع، عندها سيتغير شكل الصراع وستتغير أدواته إلا أن الأزمة ستبقى مستمرة ولكن بأشكال جديدة.