الرئيسة \  تقارير  \  بين الجولات والصفقات: ما لا يقال عن لبنان وسوريا وإيران

بين الجولات والصفقات: ما لا يقال عن لبنان وسوريا وإيران

15.07.2025
خلدون الشريف



بين الجولات والصفقات: ما لا يقال عن لبنان وسوريا وإيران
خلدون الشريف
المدن
الاثنين 14/7/2025
في لقاءٍ خاص مع دبلوماسي غربي غير مقيم في لبنان، ويشغل موقعًا متقدّمًا في ملفات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشعّب الحديث من سياسات دونالد ترامب الواضحة والحدّية، إلى مصير بنيامين نتنياهو، وسبل تحقيق سلام أو تهدئة في المنطقة، وصولًا إلى تداعيات الحرب الأخيرة على إيران، والتغيّرات المتسارعة في سوريا، والهواجس المتنامية في لبنان.
فمن بين ملفات المنطقة، ركّز محدثي على ثلاث نقاط مركزية: إيران والحرب عليها، سوريا والمشرق العربي.
إيران: جولة أولى من حرب مفتوحة؟
قال محدثي إن إسرائيل اخترقت الأجواء الإيرانية من دون مقاومة حقيقية، ونفّذت عمليات اغتيال لقيادات الصف الأول، بل حاولت تصفية المرشد علي خامنئي، واستخدمت أدواتها الإلكترونية والبشرية لاختراق عمق الأمن الإيراني.
بحسبه، هدفت إسرائيل إلى إسقاط النظام، بتكرار النموذج اللبناني مع حزب الله، لكنها تجاهلت أن النظام في إيران يحكم الدولة بكل مؤسّساتها، وليس كيانًا هامشيًا في المجتمع.
رغم الضربة، استعادت طهران تماسكها بسرعة، وملأت الفراغات، وردّت بضربات دقيقة أصابت مواقع بالغة الحساسية. ورغم تصريحات إسرائيل عن إسقاط 90٪ من الصواريخ، تُقدّر جهات دبلوماسية أن ما لا يقل عن 100 صاروخ أصاب أهدافه، وهو رقم كبير وفق تعبيره. كما أن الإصابات المعلنة في الداخل الإسرائيلي لا تمثل، بحسب المصادر الغربية، أكثر من ربع الحقيقة.
وعندما سُئل عن الملف النووي، عبّر عن مخاوف حقيقية من أن تتّبع إيران نهج إسرائيل: إخفاء المواقع، منع التفتيش، والانتقال إلى العمل السري المحض. وتحدّث عن غارات أميركية يُعتقد أنها دمّرت بعض المخزونات عالية التخصيب، لكن مكان الكمية المتبقية غير معروف، وهنا تكمن الخطورة.
أما قصف سجن "إيفين" الإيراني، فقال إن بعض التقديرات تشير إلى احتجاز عملاء رفيعي المستوى داخله، ما دفع إسرائيل لمحاولة إخراجهم أو تصفيتهم، وفق "عقيدة حنيبال"، التي تشرّع قتل الأسرى إذا تعذّر تحريرهم.
وختم بقوله: "ما جرى كان جولة. وإذا صمد النظام، فالجولة التالية قد تندلع قبل نهاية ولاية ترامب المقبلة".
سوريا: بين إعادة التموضع والضغوط
حين طُرح الملف السوري، لم يُخفِ محدثي قلقه من توازن هشّ يسود المشهد. فرغم التقدّم الذي أحرزه الرئيس أحمد الشرع في تثبيت موقعه، لا يزال الحكم غير راسخ تمامًا، في ظلّ ضغوط متناقضة من قوى إقليمية ودولية.
قال: مشكلة الشرع، وعلى رغم كل ما يقدّمه من بوادِر حسن نية للغرب وإسرائيل، أنه لن يحوز على ثقة الأخيرة أبدًا، كونه ينتمي لمدرسة عقائدية تؤمن بالتمكين ولا تؤمن بأحقية وجود إسرائيل، الدولة المحتلة للقدس حيث قبلة المسلمين الأولى والأقصى. وإذا ذهب الشرع إلى مديات أبعد بالتطبيع مع إسرائيل، فلن يكون مرتاحًا في الداخل، خاصة من الفريق المتشدد عقائديًا من الكتلة الصلبة لهيئة تحرير الشام.
وأضاف: إلى جانب إسرائيل، تقف إيران على قارعة الانتظار لترى مآلات الأمور، مع رغبة أكيدة بالعودة إلى سوريا فور توفّر الظرف، بل والعمل لتوفير ظروف تتيح لها العودة. فخروج سوريا من المحور ضرب حلقة الوصل الأساسية دون منازع.
وختم: عدد لا يُستهان به من دول المنطقة لا يرغب بتثبيت حكم إسلامي قد ينجح، وبالتالي لا يرتاح عدد مماثل لاستمرار الشرع وتثبيته. بل يعملون على أن يكون حكمه انتقاليًا لا دائمًا، لكنهم يراعون الموقف الأميركي، حيث تضع الولايات المتحدة الأهداف الاستراتيجية دون أن تنشغل كثيرًا بالأضرار الجانبية لتلك الدول.
قلت له: قرأت مقابلة لبريجنسكي في صحيفة لونوفال أوبزرفاتور (Le Nouvel Observateur) الفرنسية عام 1998، حين سأله الصحفي عن شعوره بعد دوره الأساسي في فوز طالبان في أفغانستان، وإذا ما كان قد ندم على ذلك. أجاب: على العكس، كانت فكرة ممتازة. لقد جذبت الروس إلى الفخ الأفغاني، وأنت تريدني أن أندم؟ ما هو الأهم في التاريخ العالمي؟ طالبان أم انهيار الإمبراطورية السوفياتية؟ ما الذي غيّر العالم أكثر: انهيار موسكو أم صعود طالبان؟”
قال: هذا هو الموقف الأميركي كما يفهمه الجميع. الضرورات عندهم تبيح كل المحظورات، ولو كلفت ضرب قنبلة نووية كما حصل في اليابان في الحرب العالمية الثانية.
وختم: إسرائيل تريد أن تكبح طموحات تركيا الإقليمية، من أذربيجان إلى ليبيا، فسوريا والعراق. لذا، من مصلحتها إبقاء سوريا ضعيفة وغير مستقرة، وقد يكون أي اختراق سوري–إسرائيلي ضربة استراتيجية لتركيا وإيران معًا.
لبنان: الحزب، الطائفة، والدولة المعلّقة
عن لبنان، قال محدثي: "يعرف الإسرائيلي أن هناك مواقع سلاح وصواريخ ومسيرات لم تطلها الغارات، ويعلم أن حزب الله لا يزال قادرًا على المبادرة". لذلك، يرى أن الفرصة الحالية هي الأفضل لـ"إسكات" الحزب لعقود، وأن هناك أصواتًا في الداخل اللبناني تلمّح إلى السلام أو التطبيع، وبعضها لا يخفي ذلك.
وأشار إلى أن البيئة الشيعية تشعر بتهديد غير مسبوق منذ أكثر من عشرين عامًا. "كان نصر الله مصدر طمأنينة لكل الشيعة، موالين ومعارضين، وكان التوازن قائمًا فعلًا أو وهمًا منذ عام 2000 وحتى اغتياله. اليوم، لا ضمانات، ولا مرجعيات بديلة مقنعة.”
وتابع: "الأذكى ألّا يشعر الشيعة بالعزلة أو الاستهداف أو الاستفراد، لا من الدولة ولا من المجتمع الدولي. وتوم باراك كان أوضح من عبّر عن هذه الرؤية: ضرورة استعادة ثقة الشيعة بالدولة والمنظومة الدولية".
منطقة على الحافة
وسّع محدثي المشهد ليشمل دولًا مجاورة، قال: كما أسلفنا، سوريا لم يثبت الحكم فيها بعد.
الأردن يواجه أزمة اقتصادية خانقة بعد تجفيف مصادر الدعم، من العرب والغرب إلى المؤسسات الدولية، التي بدأت صرف مئات الموظفين المحليين هناك، الذين يقدّر عددهم بعشرة آلاف. وإذا كانت عمّان مطمئنة لإمساكها بالأمن السياسي، إلا أنها قلقة من عصابات التهريب العابرة للحدود، والتي باتت مدججة بالسلاح والخبرات، وتعمل السلطات على التعامل معها كما ينبغي في الفترة المقبلة.
أما العراق، البلد الأكثر غنىً في المشرق كله، فهو يعيش ضياعًا في التوجّه. الفصائل الموالية لإيران لا تزال على جهوزيتها، والثروات مهدورة أو غير مستثمرة كما يجب. يحاول رئيس الوزراء إرضاء الغرب بالحديث عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة باعتبار ذلك من أساسيات بناء الدولة، ويؤكّد مضيّه لتحقيق هذا الهدف، غير أن الضغوط من الفصائل المسلحة الموالية لإيران لا يُستهان بها أبدًا.
 بين تفاؤل ترامب وتشاؤم الواقع
قال محدثي في ختام الحوار: "أن تكون متفائلًا يعني أن تتبنى رؤية ترامب للشرق الأوسط الجديد. لكن لا أحد قادر على تأكيد صحتها… حتى ترامب نفسه".
هو طرح السلام بين روسيا وأوكرانيا مطلع ولايته ولم يحقق ذلك، فمَن قال إنه قادر على احتواء إيران ومَن قد يقف خلفها أو إلى جانبها دون كلفة سياسية باهظة؟ أوروبا "اوهن من أن تؤثر"، وروسيا تترقب، والصين تربح من الوقت ما يكفي لتبني القدرات، وهي تبنيها بسلاسة وثبات.
وختم بتشاؤم صريح: “لا أرى سلامًا قريبًا. فالحروب التي اندلعت منذ السابع من تشرين الاول -أكتوبر 2023 لم تحقق أهدافها. وهذا يفتح الباب أمام جولات جديدة من النزاع، أو لتفاهمات كبرى تشارك فيها إيران، وتركيا، والسعودية، ومصر، وإسرائيل… لكن السؤال هل العالم جاهز اليوم لتفاهمات كبرى؟ وهل اللاعبون الاقليميون يريدون ذلك فعلًا؟ اشك بذلك، قال، وارجو ان أكون مخطئًا.