بيدرسون... في وداع الحل السياسي
22.09.2025
فاطمة ياسين
بيدرسون... في وداع الحل السياسي
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 21/9/2025
أثارت استقالة مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، أسئلة بشأن الدور الدولي في الثورة السورية الذي قامت به الأمم المتحدة منذ تنبهت إلى أن هناك حراكاً قوياً في الشارع ضد نظام الأسد.. أصدر مجلس الأمن 13 قراراً بخصوص الحرب في سورية، وراوحت القرارات ما بين الدعوات إلى وقف إطلاق النار، ودعوات أخرى إلى الحوار، فيما كان حضور الأسلحة الكيماوية في عهد الأسد واضحاً، فقد كان موضوعاً لأربعة قرارات، أولها في 27 سبتمبر/ أيلول 2013، حيث أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2118 الذي يدعو إلى نزع الأسلحة الكيميائية السورية بعد مجزرة الغوطة التي ارتكبتها قوات النظام قبل حوالى شهر من ذلك التاريخ.. أظهرت كمية القرارات وتنوعها أن الحرب السورية كانت محط أنظار المجتمع الدولي، وكانت موضوعاً أساسياً على طاولته، ولكن من دون آليات حل حقيقية لإحلال السلام وإنهاء معاناة الناس. أشارت القرارات بوضوح إلى دور النظام في تأجيج الحرب، ونقلها إلى مستويات انتهاك حقوق البشر، ووعت المنظمة الدولية لدور الأسد من دون أن يكون لديها قدرة حقيقية على نزع الفتيل، ويبدو أن قرارات مجلس الأمن قد اتخذت استراحة طويلة منذ 2016 حين صدر آخر قرار بخصوص الموضوع السوري، ثم تَرك المجلس المسألة كلها في يد مبعوثيه، وعددهم أربعة، عيّنهم الأمين العام، آخرهم بيدرسون الذي قدّم استقالته منذ أيام وقُبلت.
مقترحات القرارات التي قُدمت كذلك إلى المنظمة الدولية، ونُقضَت، تساوي تقريباً التي أُقرّت، وقد بلغت المرفوضة 12، أولها في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، ودان انتهاكات النظام السوري بحق المدنيين، وآخرها مقدّم في 10 إبريل/ نيسان 2018، كل تلك القرارات نقضتها بالفيتو روسيا، وجاء نقض بعضها مزدوجاً من روسيا والصين. يُلاحظ من تواريخ القرارات أن الحراك في الأمم المتحدة انخفض كثيراً من عام 2017 و2018، حيث تُرك المسار الدولي لصالح طريق آخر سُمِّي مسار أستانا، ووضع مصير سورية في أيدي تركيا وروسيا وإيران. وبما أن الأخيرتين كانتا داعمتين بشكل كبير للنظام في دمشق، فقد جرى تمييع الحل بشكل كبير، ووضع بغير مواضعه السياسية المطلوبة، فطالت الكارثة على الأرض. لكن رُفع ضغط سياسي مجهد كان موضوعاً على كاهل الأمم المتحدة، فتاه مبعوثوها في تفصيلات وليد المعلم وزير خارجية الأسد، الذي أعلن بوضوح أنه سيغرق كل شيء في فيضان من التفاصيل، بما يجعل القضية تضيع بين التفسيرات والتفسيرات المضادّة لكسب الوقت إلى ما لا نهاية، وتحولت طريقة كسب الوقت إلى استراتيجية سياسية انتهجها النظام، وظلّت فعالة 14 عاماً هي عمر الثورة السورية.
كان القرار 2254 الأكثر شهرة. قسَّم المسألة على اثنين، وخفف الحمل عن النظام وجعله يشعر براحة كبيرة. وفي هذا المناخ، جاء المبعوث الأممي الثالث دي مستورا ومن بعده بيدرسون، وقد أنفقا أعواماً من العمل، واستقال الأول من دون أن ينجح في تشكيل لجنة الحل. وعندما نجح بيدرسون في تشكيلها، كانت المعارضة "التقليدية" قد دخلت في سياق تبادل الاتهامات، وساهمت، وإن بشكل غير مقصود، في إطالة الأمر، وتمديد عمر النظام سنوات أخرى. أصرّ بيدرسون أن الحل سياسي في سورية، واليوم في لحظة استقالته يجب مراجعة القرار 2254 الذي راوغ النظام طويلاً في تطبيقه، وحاولت دول تمريره بعد انتصار الثورة، ولكن واقعاً جديداً كان قد رسم بشكل نهائي، ولم تعد مرتكزات القرار إياه موجودة. ولا يمكن البناء على ما بقي أساساً للقرار. ومن المفيد مع انتهاء عهد بيدرسون أن يُترك الشأن للسوريين، ولديهم حالياً هوامش قانونية وسياسية كافية لتشكيل وجه سورية الجديد بتحالفاتٍ، ولكن من دون وصاية