الرئيسة \  مواقف  \  بيان متعلق بالمغالطات والتناقضات التي تضمنتها الإحاطة الدورية عن الأوضاع في العراق

بيان متعلق بالمغالطات والتناقضات التي تضمنتها الإحاطة الدورية عن الأوضاع في العراق

03.03.2018
هيئة علماء المسلمين في العراق



بيان متعلق بالمغالطات والتناقضات التي تضمنتها الإحاطة الدورية التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق لمجلس الأمن عن الأوضاع في العراق
هيئة علماء المسلمين في العراق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
 فقد تابعت هيئة علماء المسلمين باهتمام الإحاطة الدورية عن مجمل الأوضاع الجارية في العراق، للممثل الخاص للأمين العام لبعثة الأمم المتحدة في العراق (يان كوبيش) التي قدمها في اجتماع مجلس الأمن بتاريخ (20/2/2018م). وكإحاطاته السابقة لم يختلف تقرير (كوبيش) هذه المرة كثيرا عن تقاريره السابقة؛ لما يحمله - للأسف - من مغالطات تتنافى مع ما يجري في العراق، وتتناقض مع الوصف الحقيقي للحالة في العراق كما هي واقعًا، وكما تصفها تقارير لدول أعضاء في مجلس الأمن نفسه وغيرها، والتي تشير إلى أن الأوضاع الجارية في العراق هي خلاف ما جاء في تقرير الممثل الخاص.
فضلًا عن مجاملة التقرير للحكومة القائمة في العراق، وإعطاء انطباع عنها منافٍ في غالبه لما هو حاصل حقيقة على أرض الواقع ومشابه لما تردده وسائل إعلام الحكومة بالتعاون مع وسائل الإعلام الإيرانية وبعض وسائل الإعلام العربية، ومرددًا الكلام نفسه الذي تردده السلطة الحاكمة في العراق، وغاضًا النظر عن الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية المأساوية للشعب العراقي التي تتحدث عنها تقارير المنظمات الدولية، ومنها منظمات تابعة للأمم المتحدة، فضلًا عن بعض وزارات الحكومة نفسها ولجان في مجلس النواب الحالي.
وتود الهيئة في هذا المقام بيان ما يأتي:
أولاً: يناقض تقرير (كوبيش) تصريحات الساسة الـمُعَيّنين في العراق بأن الفساد السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي وصل إلى مستويات يصعب علاجها، كما وأنه يناقض - تمامـًا - المخاوف التي تشعر بها الدول الأوربية  والإقليمية والعربية من هيمنة إيران على القرار السياسي وعلى  أغلب مفاصل المؤسسات الحكومية في العراق.
ثانيًا: يتنافى التقرير - جملة وتفصيلًا - مع تقارير اللجان الحكومية النيابية، ومنها: تقرير (لجنة الهجرة والمهجّرين) في مجلس النوّاب الحالي، الذي قُدِّم بتاريخ (25/2/2018م)، وكشف عن أن الانتخابات القادمة إنما هي تَـسْـيِـيـدٌ وتسليط للميليشيات على رؤوس العراقيين، وأن الأمن المفقود في العراق والفساد المستشري منع النازحين المنكوبين في المخيّمات من العودة إلى مناطق سكناهم، وأن (60 %) منهم ما زالوا في مخيمات الجوع والموت البطيء، وأن كثيرًا من العراقيين المهجّرين قسريًا لا تسمح لهم الميليشيات المتنفذة بالعودة إلى مناطقهم.
ثالثًا: رسم تقرير (كوبيش) المثير للاستغراب الشديد، حالة ورديّة للأوضاع الجارية في البلاد، وأغفل - عن قصدٍ فيما يبدو – حقيقة الانهيار التام للأوضاع في البلاد، فلم يتكلم عن انهيار المؤسسات الإدارية، ولا عن ضياع الأمن، ولم يورد شيئًا عن التحكّم الإيراني الخارجي في كل مفاصل الحكومة والسياسيّين، ولم يتكلم عن انهيار المنظومة الاجتماعية والأخلاقية والإدارية، وانتشار المخدرات، وهيمنة الميليشيات، وارتفاع نسبة البطالة وهدر الموارد وتضييع الثروات بما لا طائل منه.
رابعًا: أشاد (كوبيش) في تقريره بمؤتمر إعمار العراق في (الكويت) وأثنى على الدعم الدولي فيه، على الرغم من فشل هذا المؤتمر في تحقيق الأهداف المرجوة منه؛ حيث اضطرت الدول المشاركة فيه إلى تقديم أموالها كقروض مالية ومنها (قروض سيادية) مستردَّة، على ألا تتصرف حكومة بغداد فيها إلّا بمراقبة دولية، وعدم تقديمها كمساعدات ومِنَحٍ لحكومة العبادي؛ بسبب استمرار ارتفاع معدلات الفساد المستشري في العراق عامة وفي أوساط الحكومة خاصة، التي تفتقد الإرادة والمسؤولية اللازمتين لكي تكون محل ثقة لدى الدول المانحة، وهذا يناقض تماما مع الصورة التي رسمها تقرير (كوبيش) عن الحكومة، فإذا كانت الثقة قائمة بحكومة بغداد؛ فلماذا هذا الإحجام عن تقديم المنح لها؟
خامسًا: أشاد التقرير بالانتخابات المزمع إجراؤها في العراق في (12/5/2018)، ونوَّه بالتحالفات الانتخابية المشاركة فيه، العابرة للطوائف والأعراق من مختلف الأطياف – على حد قول التقرير -؛ متناسيا أن الأحزاب مُشكَّلة وفق نظام يعتمد المحاصة الطائفية والعرقية التي مزقت البلاد، وأن هذه الأحزاب تعمل على استقطاب الجماهير بشعارات قائمة على قاعدة الانتماء القومي والمعتقد الديني والمذهبي، وأن ظاهرة عبور الطائفية ما هي إلا وهم يكذبه واقع تلك الأحزاب، وتسوقه آلتها الإعلامية التابعة لها لأغراضها الخاصة، ومُغْفلًا الإشارة إلى الأوضاع السياسية غير الطبيعية، التي نشأت عن دخول الميليشيات المسلحة وقادتها للعملية السياسية؛ لتمارس إرهابها وتسلب ما تبقى من حقوق الناس، وتمنع عودة النازحين إلى مدنهم إلى إشعار آخر، كجرف الصخر وغيرها.
سادسًا: وفيما يتعلق بملف النازحين، فقد اتهم المبعوث الخاص قسمًا من النازحين المضطهدين بأنهم خلايا نائمة (لتنظيم الدولة)، داعمًا بذلك (دعايات الحكومة) وأحزابها، ومبررًا في جرأة - لا يحسد عليها – جريمة التهجير  القسري التي تمارسها الميليشيات المدعومة من هذه الحكومة ضد العائلات النازحة، فاسحًا المجال للميليشيا الطائفية المنفلتة المسيطرة على تلك المدن لمنعهم من العودة لمدنهم بذريعة الإرهاب، واستمرار تهجريهم المأساوي وما يترتب عليه من معاناة إنسانية واجتماعية واقتصادية وتبعاتها، فضلًا عن الأهداف السياسية والديموغرافية الباعثة على سياسات إقصائية. وهنا يناقض كوبيش نفسه، عندما يجعل نزاهة الانتخابات من عدمها مرهونة بعودة النازحين البالغ عددهم أكثر من (2،5) مليون بحسب التقديرات الحكومية، وتوفير الأجواء الأمنية لذلك.
إن هيئة علماء المسلمين ترى في هذا التقرير ظلمًا واضحًا للشعب العراقي وللواقع الحقيقي على الأرض، يتخطى حدود المعقول ويجافي الحقيقة التي لا يمكن إغفالها، وهو في الوقت نفسه تزلّف للرؤيتين الأمريكية والإيرانية في العراق، التي أوصلته إلى الدمار والانهيار التام في كل شيء. وتؤكد الهيئة على أن هذا التقرير بعيد كل البعد عن وصف الواقع المرير في العراق، وأن الشعب العراقي لم يجن من العملية السياسية المبنية على المحاصة الطائفية والعرقية التي فرضها الاحتلال سوى بؤس الحياة والشقاء، والدمار والقتل والتهجير والانهيار التام لكل منظومات الحياة الكريمة وضرورياتها، في ظل عملية إحلال واستبدال لكل ما هو جيد في العراق ببديل سيئ.
وتوضح الهيئة بأن تبرير الجرائم الحكومية وميليشياتها والتستر عليها في تقرير أممي؛ يجعلها شريكا لها ولن يعمل على حل المشكلة القائمة في العراق؛ بل سيرسخها، ويعطي لنظام المحاصصة الطائفية والعرقية جرعة حياة أخرى، يستفيد منها في سعيه لهدم أسس الوحدة الوطنية والمواطنة، ويستمر عقبةً كؤودًا أمام ما يُدْعى في العراق – زورًا وبهتًا - عملية التحول الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات، التي يسعى إليها مجلس الأمن والأمم المتحدة.
وتدين الهيئة بشدة اتهام كثيرٍ من النازحين الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ بالإرهاب، وتحمل الأمم المتحدة، وممثل الأمين العام الخاص في العراق، المسؤولية الأخلاقية والقانونية على ما يترتب على ما جاء في خلاصته المقدَّمة لمجلس الأمن بهذا الشأن من انتقام تمارسه الحكومة والميليشيات الطائفية بحق هؤلاء، وتطالب بإيضاح واعتذار واضح لهم، وبرفع الفقرة المتعلقة بهذا الموضوع من نص التقرير المقدَّم للمجلس، مشيرة إلى أن الواجب على المنظومة الدولية أن تكون أكثر عدلًا وإنصافًا للشعوب وأكثر تفاعلًا مع مأساتها ومعناتها إذا أرادت أن تضطلع بدورها الحقيقي الذي حددته لنفسها، والخروج من التبعية، لا مُعينة للمتسلطين والمجرمين على انتهاك حقوق أبناء هذه الشعوب، وتنتظر الهيئة من الأمين العام للأمم المتحدة خطوةً جادةً في هذا السياق.
الأمانة العامة
13/ جمادى الآخرة/ 1439 هـ
1/3/2018 م