الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بعد كيم عين ترامب على بوتين ل"صفقة سوريا"

بعد كيم عين ترامب على بوتين ل"صفقة سوريا"

19.06.2018
رلى موفّق


القدس العربي
السبت 16/6/2018
قمّة زعيميّ أمريكا دونالد ترامب وكوريا الشمالية كيم جونغ أون، في سنغافورة، هي حدث تاريخي، ستؤول نتائجه إلى تحوّل له تداعياته وانعكاساته الجمّة، التي لم تكن في الحسبان حتى الأمس القريب.
القمّة بما حملته من تعهد لكوريا الشمالية، بالتخلص من ترسانتها النووية، تشكل إنجازاً دبلوماسياً كبيراً لسيد "البيت الأبيض" حيال الداخل الأمريكي وفي السياسة الخارجية. صحيح أن لا شيء مضموناً في السياسة وأن الاتفاق قد يُصاب بنكسة، فحلفاء كوريا الشمالية لا يرقصون فرحاً، لا سيما الصين وروسيا وإيران، والقلق تسرّب هو الآخر إلى خصوم بيونغيانغ حلفاء واشنطن، من كوريا الجنوبية إلى اليابان، لكن العارفين بترامب يقولون أن "الرجل يختلف في طريقة التفاوض عن أسلافه" وهو لم يكن ليعقد القمّة لو لم تُفضِ المفاوضات التي أدارها فريقه إلى موافقة على نزع السلاح النووي، ليبدأ البحث في التفاصيل العملية لكيفية التنفيذ الذي حَدّد سقفه الزمني وزير الخارجية مايك بومبيو بحلول نهاية الولاية الرئاسية الأولى لترامب في أواخر العام 2020.
الداخل الأمريكي سيكون مرتاحاً إلى انخفاض منسوب التوتر الذي خيّم على بلاده خلال الفترة الماضية، وإلى ارتفاع فرص السلام مع كوريا الشمالية، والتزام بيونغيانغ بتسليم رفات الجنود الأمريكيين الذين فُقدوا خلال الحرب الكورية في القرن الماضي، وتعهدها ب "العمل نحو النزع التام للأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية".
أهمية الاتفاق حول نووي كوريا الشمالية أنه يأتي بعد الاتفاق النووي الإيراني الذي اعتبره سلفه باراك أوباما "أيقونة وإنجازاً يرتبط باسمه". أوباما من ضمن مجموعة الخمسة زائد واحد توصلوا إلى ما وصفوه ب "اتفاق تاريخي" مع طهران يقضي بتجميد التخصيب لمدة عشر سنوات قبل مواصلة البرنامج، فيما لدى ترامب لا "غروب" للبرنامج بل انتزاع كامل. آمال الرئيس الأمريكي بالنجاح تستند في بداية المطاف إلى سلاح العقوبات الاقتصادية الذي استخدمه بشكل جدّي وفعّال، ويستمر بالتزام اللجوء إلى "القوة الناعمة" طريقاً للتطويع. وهذا هو المسار المتّبع في الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران بعدما انسحب من الاتفاق النووي معها.
الأكيد أن كوريا الشمالية ما بعد قمة ترامب – كيم هي غير كوريا الشمالية قبلها. عاد الرجل إلى بيونغيانغ مع "جزرة" الانفتاح والنهوض الاقتصادي وحلم ناطحات السحاب ومطاعم ال "ماكدونالدز"، والأهم الضمانات الأمنية له ولحاشيته.
ارتدادات قمة سنغافورة ستتكشف بشكل أدق في مقبل الأسابيع والأشهر، ولا سيما حيال المنطقة. حلفاء ترامب التقليديين من الخليجيين، وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية، يمكنهم أن يتنفسوا الصعداء. استراتيجية "العم سام" تُؤتي ثمارها. زمن "خذلان" أوباما انتهى، وزمن "الحزم الترامبي" إلى مزيد من الخطوات التصعيدية في سياسة تضييق الخناق على إيران ومواجهة نفوذها في المنطقة ومحاصرة دورها السلبي.
معارك الحُديدة في اليمن تأتي، في جزء منها، في إطار تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية. كثر من المراقبين يُدركون أن ثمة خطوطاً حمر دولية كانت مرسومة على بعض الجبهات. الغطاء الأمريكي اليوم كفيل بتأمين خط العبور.
ما يتم الانتظار لمعرفته، هو كيف ستسير الأمور حيال ملفات النزاع الأخرى في المنطقة، ولا سيما سوريا؟ المتابعون في واشنطن يُحدّدون موعداً سيكون فاصلاً في هذا الشأن، وهو القمّة الأمريكية – الروسية. كان من المتوقع أن تحصل في النصف الأول من تموز/يوليو المقبل، لكنها قد تتأخر إلى آب/أغسطس.
ترامب في قمة مجموعة الدول السبع بعث برسالة إيجابية لنظيره فلاديمير بوتين. مدّ يده لسيّد الكرملين. يمكن لمجموعة السبع أن تتحوّل مجدداً إلى مجموعة الثماني بعد عودة موسكو إليها التي أُخرجت منها نتيجة احتلال القرم. هذا احتضان اقتصادي تحتاجه روسيا، ولكن لا بدّ للقمة المرتقبة من مقاربة ملفين أساسين: إيران وسوريا.
الشروط في ما خص إيران لا تحمل جديداً. الجديد المفاجئ الذي قد يحدث هو في محاولة طهران تجرّع كأس السمّ. فعلها من قبل آية الله الخميني إبان حرب الخليج الأولى، وقد يفعلها علي أكبر خامنئي اليوم. فليس من قبيل الهلوسة أن نرى قمة تجمع ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني. المرشد الروحي أرسل خلال الأيام الماضية إشارات لافتة: "شعار تدمير إسرائيل ليس إيرانياً"!.
الرئيس الأمريكي يريد الوصول إلى اتفاق حقيقي مع إيران. الاتفاق الحقيقي يعني نزع السلاح النووي نهائياً وإطلاق يد المفتشين ووضع قيود على برنامج الصواريخ البالستية، ووقف تمويل المنظمات الشيعية وتسليم أسلحتها إلى الدول الموجودة فيها ووقف تدخلها في شؤون دول الجوار والانكفاء إلى داخل حدودها. الاتفاق مع روسيا حول سوريا، أو حدوث اختراق في العلاقات الأمريكية – الإيرانية يعني، من ضمن ما يعنيه، الوصول إلى ترتيبات تقضي بخروج إيران وأذرعها العسكرية من سوريا.
العقوبات على إيران ستتصاعد وستكون العقوبات الإضافية أكثر قسوة، ولن توفّر الميليشيات الشيعية، سواء أكانت عراقية أم لبنانية، وكذلك رموز النظام السوري، ومن غير المستبعد أن تطال أذرعه الاقتصادية التي ذهب لبنان، بالأمس، إلى تجنيس عدد منها بمرسوم جمهوري في خطوة غير مفهومة، وليس من الواضح بعد أي تداعيات ستنجم عنها.
لا يزال من المبكر الحسم بما ستكون عليه الأمور في سوريا. كوريا الشمالية لن تستطيع أن تبيع النظام السوري وإيران تكنولوجيا وخدمات تقنية، كما كانت تفعل سابقاً. وروسيا التي أُلقي على عاتقها، في قمة هامبورغ، مسؤولية لجم حليفتها طهران تحاذر السقوط في فخ الاستنزاف. وكلام الأسد الأخير عن الحاجة الطويلة ل "حزب الله" رسالة تصعيدية، كما أن منطقة الجنوب السوري محفوفة بمخاطر انفلات اللعبة، وسط تسريبات ل"محور الممانعة" عن احتمالات القيام بعمل عسكري محدود في الزمان ومحدد في المكان على الأراضي السورية من أجل الوصول إلى ربط نزاع إيراني – أمريكي لإعادة تكريس وقائع تلحظ مصالح الجميع!.
تسريبات تضع الكرة في ملعب روسيا التي تريد أن تقدّم نفسها على أنها الضامن للنظام وحلفائه، وتدرك أن "إنقاذ سوريا" ليس ممكناً بالآلة العسكرية من دون عملية سياسية بشراكة أمريكا وحلفائها من العرب وبغطاء دولي.
قد يكون ثمة تفاؤل مُفرط في التحوّلات المرتقبة في المنطقة التي سيحملها معه الاتفاق النووي حول كوريا الشمالية، لكن تسارع الأحداث يشي بإمكان صيف حار في مناطق الصراع المفتوحة، في وقت يعود فيه الحديث، مع الزيارة المرتقبة لجاريد كوشنر صهر ترامب إلى إسرائيل ومصر والسعودية، عن سعي لدى الإدارة الأمريكية بالعمل للتوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إنما ليس من بوابة الفلسطينيين بل من بوابة بعض دول "محور الاعتدال" بما تحمله تلك الخطوة من مخاطر!