الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ايران وامريكا والكورونا بينهما

ايران وامريكا والكورونا بينهما

30.03.2020
حسن فحص



المدن
الاحد 29/3/2020
في وقت تغرق غالبية دول العالم في البحث عن الوسائل والآليات التي تساعدها في مكافحة انتشار "جائحة كورونا" التي بدأت تحصد أعداداً ليست قليلة من مواطنيها، هناك مشهد آخر على هامش هذه الازمة يبرز الى الواجهة، هو ما تقوم به إيران لتحويل هذه الجائحة الى ورقة تسعى لتوظيفها في معركتها مع الادارة الامريكية من اجل اجبارها على تعليق او على الاقل تخفيف العقوبات الاقتصادية ضدها، في وقت لا تعير ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب اي اهمية للأصوات الدولية وحتى الداخلية التي تدعوها لمثل هذه الخطوة الانسانية، وذهبت الى فرض مزيد من العقوبات – دفعتي عقوبات منذ اندلاع الازمة الصحية- في محاولة لتوظيف هذه الازمة لصالح محاصرة الدور الايراني في الاقليم، خصوصا في العراق الذي شملت العقوبات الاخيرة عددا من مواطنيه المرتبطين مع المصالح الايرانية، بالتزامن مع تصعيد عسكري استنفر القيادة الايرانية ومعها حلفائها العراقيين وغيرهم الذين هبوا لتوجيه التحذيرات من مغبة اي عمل عسكري امريكي في العراق او ضد ايران قد يؤدي الى تغيير جذري في قواعد اللعبة بينهما في المنطقة.
وعلى الرغم من ادراك القيادة الايرانية وتحديدا الادارة الدبلوماسية ان الحملة الشعبية والدولية التي اطلقتها للضغط على واشنطن من اجل وقف العقوبات لن تجدي نفعا مع ادارة ترامب، الا ان طهران تعاملت مع المبادرة الامريكية لتقديم المساعدة في مواجهة وباء كورونا بكثير من عدم المبالاة وبشكوك اكثر، من منطلق وصفها بمحاولة لاحراج النظام داخليا واظهاره بانه يرجح المواجهة على اي مبادرة لخفض التوتر تصدر عن واشنطن، ودوليا لاقناع المجتمع الدولي بان طهران هي الجهة التي ترفض التعاون. من هنا كان الرد الايراني على لسان قائد قوات حرس الثورة الجنرال حسين سلامي الذي وصف المبادرة الامريكية او العرض بالمساعدة بانه "خبيث" يهدف الى صرف الانظار عن العقوبات التي تنهك ايران وتفاقم ازمتها الصحية التي تعاني منها، فضلا عن ان واشنطن تفتقر لشروط مساعدة نفسها، وان طهران على استعداد لتقديم المساعدة في هذا الاطار حسب تعبير سلامي.
التعامل الايراني مع الوباء ذهب باتجاهين، سياسي قادته الادارة الدبلوماسية بقيادة محمد جواد ظريف لحشد رأي عام دولي ومخاطبة المؤسسات الدولية والامم المتحدة لاجبار واشنطن على الغاء العقوبات التي تعرقل جهود ايران في مواجهة الفيروس مطلقة شعار "الارهاب الصحي" الامريكي الذي يستهدف الابرياء وأرواحهم، خصوصا وان هذه العقوبات انعكست ايضا على قدرات حكومة الرئيس حسن روحاني في مواجهة هذه الازمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية ومنعتها من اللجوء الى اتخاذ اجراء "الحجر الصحي" لعدم قدرتها وعجزها عن تأمين وتوفير المستلزمات الاقتصادية والمعيشية التي يتطلبها مثل هذا الاجراء.
المرشد الاعلى آية الله السيد علي خامنئي لم يتردد في توجيه الاتهام المباشر للولايات المتحدة الامريكية بضلوعها في استهداف ايران والنظام، وبانها تقف وراء "مؤامرة" ارسال نسخة خاصة من الفيروس تستهدف الايرانيين.
موقف المرشد قد يدفع الامور بالنظام الايراني للسير على حد سكين هذه الازمة، خصوصا في التعامل مع المواقف الامريكية، ومحاولة ادراج هذه المواقف من جهة في اطار الكشف عن "الانتهازية" الامريكية التي تحاول اظهار النظام وكأنه غير معني بصحة الايرانيين ويرفض اليد الامريكية المدودة للتعاون، ومن جهة اخرى القول للجماعات الداخلية التي تراهن وتدعو للانفتاح على واشنطن بان الادارة الامريكية لا يمكن الوثوق بها وانها تسعى فقط لضرب ايران وتدمير قدراتها الداخلية والاقليمية.
وتعتقد اوساط سياسية ايرانية ان الاجواء المتوترة والمتصاعدة بين واشنطن وطهران لا تبشر بامكانية عقد "وقف اطلاق نار صحي" في المدى المنظور، وان واشنطن تعتبر الفرصة مناسبة وسانحة امامها لاستغلال الانشغال الايراني بتداعيات انتشار هذا الوباء وانكشاف الحكومة والنظام في التعامل معها، وبالتالي فان عليها ممارسة المزيد من الضغوط عليه لاجباره على تقديم تنازلات سياسية وامنية، خصوصا على الساحة العراقية التي تعتبر الاكثر توترا بين الطرفين على خلفية جهود الطرفين لتسجيل النقاط او الانتصارات فيما يعني الوضع السياسي وتشكيل الحكومة في هذا البلد، فضلا عن محاول التمسك بالشعار الذي رفعته بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني باخراج القوات الامريكية من غرب آسيا وتحديدا العراق، في حين تعمل واشنطن على التلويح بان اعتماد العراق الخيار الايراني سينعكس سلبا على العلاقة بين البلدين وسيدفع واشنطن لفرض حصار اقتصادي وسياسي عليه على غرار ايران.
وقد تدفع هذه الالية في التعامل بين الطرفين على خلفية الازمة الصحية الى تعزيز المخاوف من خطورة التداعيات التي قد تؤدي الى تفاقم النقمة الداخلية ضد النظام بما يساعد على تحويل مساعي اتهام واشنطن وادانتها بالمسؤولية عن تصاعد الازمة، سوى مزيد من صب الزيت على الازمة الداخلية، فضلا عن ان هذه النقمة قد تساهم في التأسيس لحالة من العصيان الشعبي، بغض النظر عن توقيت انفجارها، ان كان قبل انتهاء ازمة انتشار الوباء واشتداد وتيرة ارتفاع اعداد المصابين وعجز النظام عن استيعاب هذه الاعداد وتقديم العلاج لهم، او بعد الخروج من هذه الازمة وتكشف الحقائق المرة ان كان على مستوى التعامل مع الازمة او على مستوى التداعيات والاثار المتعددة لها التي ستضاف الى عوامل تراكمت جراء الازمات الاقتصادية والمالية وطرق التعامل مع العقوبات. ما يعني ان النظام في كلا الحالتين يلعب في المنطقة الخطرة بين التأليب على العدو الامريكي وبين التأسيس لتحرك داخلي وخلق المسوغات له والذي من المحتمل ان يكون اكثر تعقيدا وخطورة من المرات السابقة، خصوصا وان الخروج من هذه الازمة لن يكون سهلا، بل سيترك الكثير من الجراح العميقة على الاقل في البعد الاجتماعي، ما يسمح بانسحاب تأثيراتها على المستوى السياسي والموقف من النظام ويفتح الطريق ليس للعودة الى حركة اعتراضية على خلفية اقتصادية، بل ستكون سياسية بوضوح تهدف لمحاسبة النظام وعجزه عن اجتراح "المعجزات" التي وعد بها في الحرب مع عدوين شرسين ، الامريكي وكورونا، خاصة وان النظام وكغيره من الانظمة في العالم، لن يكون اكثر صلابة في العبور من الازمات والتحديات الجدية التي سيواجهها العالم في مرحلة ما بعد هذا الوباء المستجد والتغييرات التي سيحدثها في المنظومات الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية