الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اهتزازات في مناطق النفوذ الإيراني.. والبداية من العراق

اهتزازات في مناطق النفوذ الإيراني.. والبداية من العراق

22.05.2018
عبد الوهاب بدرخان


الاتحاد
الاثنين 21/5/2018
أصبحت الخطة الأميركية أكثر وضوحاً بمراحلها التي بدأت بالانسحاب من الاتفاق النووي، تليه دفعات من العقوبات المتصاعدة، وضربات ردعية إذا اقتضى الأمر على غرار الضربات الإسرائيلية للإيرانيين في سوريا، مع دعوات إلى تفاوضٍ باتت طهران تعرف أنه سيتناول تعديل الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي والسياسة الإقليمية. قد تكتسب هذه الخطة قوة إضافية إذا توصلت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى اتفاقات جدّية وعملية على خفض تدريجي للخطر النووي الكوري مقابل رفع تدريجي للعقوبات الأميركية والدولية. فعندما توجّه كيم يونج أون إلى التفاوض كان مدركاً أن التشديد الأميركي الأخير للعقوبات يعني خنقاً غير مسبوق لاقتصاد بلاده. قد يصل التشدّد مع إيران إلى المآل نفسه خلال الشهور الستة المقبلة، مع فارقَين: الأول، أن الداخل الإيراني قد يتحرك. والآخر أن طهران تعتقد أن تسهيلات بعض الدول ستمكّنها من مواجهة الضغوط والالتفاف عليها.
الأهم من ذلك أن إيران لم تتخلَّ عن خيار المواجهة، بل إن تعرّض موقعها وهيبتها للاهتزاز في بعض أرجاء "امبراطوريتها" يدفعها أكثر إلى تحيّن الظروف بحثاً عن انتصارٍ ما، ذاك أنها تريد إيلام الولايات المتحدة كما تؤلمها، ولن ترضى بأن تكون الكلمة الأخيرة لإسرائيل في التحدّي القائم بينهما. فقبل أن تبتّ خيار التفاوض لا بدّ لها من استعادة الهيبة لئلا تضطر لتجرّع "كأس السم" والتفاوض من موقع ضعف. والواقع أنها كلّما استبعدت التفاوض تضاءلت فرصها لتحويل توسّعاتها الإقليمية إلى مكاسب خارجية. ولذلك أسباب لا تنفكّ تواجهها في سوريا والعراق واليمن، وحتى في لبنان رغم أن ميليشيا "حزب الله" التابعة لها تواصل الاحتفال بانتصارها في الانتخابات.
بين الروايتَين الإسرائيلية والإيرانية لما حصل ليل الأربعاء - الخميس (9-10 مايو) في سوريا، كانت الثانية ضعيفة وغير رسمية، على عكس الأولى. لكن المعلومات المذهلة عن الخسائر البشرية والعسكرية والمادية، كما وردت في تقارير رصينة، تفسّر الصمت الذي التزمته طهران بعد الضربات وحافظت عليه حتى الآن. بل تفسر الأهمّ، وهو أن إيران خسرت عملياً ورقة تهديد إسرائيل وإشعال جبهة الجولان بعدما لوّحت بها طويلاً. قد تعود إلى التهديد لكنها لن تتمكّن من تنفيذه، ليس فقط بسبب اختلال ميزان القوى، بل خصوصاً لأن روسيا هي صاحبة الكلمة الفصل في سوريا وهي التي أعطت ضوءاً أخضر لإسرائيل.
قد تكون هذه المرّة الأولى التي تتلقّى فيها إيران ضربة ردعية بهذا الحجم، لكن مخرجات الانتخابات العراقية تبدو بالمستوى نفسه من الخطورة؛ نظراً إلى طبيعتها الاجتماعية العميقة من جهة، وإلى تشويشها المتوقع على احتمالات إزعاج الأميركيين العراق من جهة أخرى. وبمعزل عمّا ستؤول إليه التطوّرات لاحقاً تلقت طهران إنذاراً ببدء أفول نجم أتباعها، فالناخبون أكدوا رغبتهم في صفحة جديدة، وما فوز تياري حيدر العبادي ومقتدى الصدر وحلفائهما إلا تزكية لتمايزهم عن الخطّ الإيراني. من شأن ذلك أن يعزّز البُعد العربي العابر للطوائف، ويعطي أملاً بالحفاظ على وحدة العراق، وبإقناع الكرد بإقامة علاقة سويّة مع بغداد بعدما اكتشفوا التلاعب الإيراني بهم وعليهم.
ورغم اعتقاد طهران بأن جماعة "الحوثيين" لا تزال رقماً صعباً يصعب إقصاؤه في اليمن، فإنها لم تتلقّ منذ زمن أي أخبار جيدة من صنعاء، فالتطوّرات الميدانية أبعد من أن تكون لمصلحة أتباعها ولم يعد من الممكن إيقافها. أما بالنسبة إلى لبنان، وسواء انزلقت التوترات إلى مواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل أم لا، فإن هذا "الحزب" لن يتمكّن من استثمار "انتصاره" في الانتخابات على النحو الذي خطّط له. إذ جاءت العقوبات الأميركية لتنبّهه ومعه كل الطاقم السياسي بأن دعم الدولة وتعزيز الجيش وإصلاح الاقتصاد هي الوجهات الوحيدة الممكنة، وعدا ذلك فإن البلد سيتعرّض لعقوبات أكبر. وبما أن إيران تعتبر لبنان ساحة مريحة، فإن إقحامه في أي مواجهة ستعرّض "حزبها" لمجازفة غير مأمونة العواقب.
بمقدار ما بدا توسيع النفوذ جاذباً لـ "أوراق" المساومة على النفوذ في الإقليم بمقدار ما وفّر إمكانات لتفعيل الاختراقات الممكنة لهذا النفوذ. كل ما كان يلزم هو أن تقتنع واشنطن بوجود مصلحة لها في معالجة المخاطر، وأن تنصت إلى تحذيرات حلفائها العرب. لو فعلت الإدارة السابقة لكانت منعت في الوقت المناسب حدوث الكثير من المآسي، لكن باراك أوباما لم يشأ إضافة إنجاز كهذا إلى "إرثه" وفضّل مطاردة مكاسب مع إيران تبيّن له في الوقت غير المناسب أنها كانت أوهاماً.