الرئيسة \  تقارير  \  النفوذ الإسرائيلي وبوابة الأقليات السورية

النفوذ الإسرائيلي وبوابة الأقليات السورية

06.05.2025
صادق الطائي



النفوذ الإسرائيلي وبوابة الأقليات السورية
صادق الطائي
القدس العربي
الاثنين 5/5/2025
كانت إحدى أدوات إسرائيل الرئيسية في استراتيجيتها السياسية في الشرق الأوسط تتمثل في ما عرف بسياسة: “التحالف مع الأقليات”، إذ شهد الشرق الأوسط محاولات إسرائيلية عديدة لإقامة تحالفات مع الأقليات في الشرق الأوسط للعمل على تقويض الأنظمة العربية. وتمتد جذور هذه الاستراتيجية إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل. إذ نظر الآباء المؤسسون لإسرائيل حولهم ورأوا أنفسهم جزيرة في بحر من الأعداء، فتواصلوا مع أقليات، أو دول أخرى في المنطقة لم تكن عربية، لكن لها أجنداتها وأطماعها في المنطقة.
نظر الآباء المؤسسون لإسرائيل حولهم ورأوا أنفسهم جزيرة في بحر من الأعداء، فتواصلوا مع أقليات، أو دول أخرى في المنطقة لم تكن عربية، لكن لها أجنداتها وأطماعها في المنطقة
في مقال بعنوان “شعب يسكن وحيدا، أهذا صحيح؟ إسرائيل وتحالف الأقليات”، وصف الباحث الإسرائيلي الدرزي يسري خيزران، كيف وضع رؤوفين شيلواه الأب المؤسس للموساد، أسس مشروعي “حلف المحيط” و”تحالف الأقليات” المترابطين. وحسب شيلواه، “كان العالم العربي محاصرا بحلقتين، أو دائرتين. الأولى خارجية وتشمل الدول غير العربية، والثانية داخلية وتضم أقليات دينية وعرقية تعيش في الدول العربية، لذا، فإن القاسم المشترك الذي جمع بين الصهيونية ولاحقا دولة إسرائيل، وكلا الدائرتين هو العداء للحركة القومية العربية الراديكالية، والتأكيد على استثمار هذا العداء في الصراع العربي الصهيوني”. يرتكز التحالف بين إسرائيل وهاتين الدائرتين على مبدأ العداء المشترك تجاه الآخر المختلف، وتطبيق مبدأ “عدو عدوي صديقي”.
ومن الأمثلة المبكرة على ذلك، العلاقة التي بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي مع أكراد العراق، وابتداءً من الستينيات، دعمت إسرائيل الأكراد عسكريا ولوجستيا في تمردهم المسلح ضد الدولة العراقية، ما ألحق ضررا بالغا بالعراق، الذي كان أحد أخطر أعداء إسرائيل في ذلك الوقت. كما كان أهم تحالفات تل أبيب مع دوائر الأقليات هو تحالفها مع المسيحيين الموارنة في لبنان، الذي يعود تاريخه أيضا إلى حقبة الانتداب البريطاني والفرنسي في عشرينيات القرن الماضي، وقد بلغت عقود من الاتصالات ذروتها خلال الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي، عندما قدمت إسرائيل دعما عسكريا علنيا للمشروع الماروني، المتمثل في إنشاء دولة مسيحية، تصورتها إسرائيل كمنطقة عازلة صديقة في الشمال. أما في الدائرة الخارجية، على أطراف العالم العربي، فقد كان النفوذ الإسرائيلي يزداد في افريقيا، وفي كل من تركيا وإيران اللتين تُعتبران اليوم من أشد أعداء إسرائيل. وكان أقرب حلفائها في الحرب ضد الأنظمة العربية، نظام الشاه محمد رضا بهلوي في إيران، الذي حظي بعلاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية مميزة مثلت أقوى العلاقات بين إسرائيل وأي دولة في المنطقة.
تمثل الطائفة الدرزية أقلية دينية تعيش في سوريا ولبنان وإسرائيل، وهي تاريخيا طائفة دينية منسلخة عن الطائفة الإسماعيلية الشيعية، ويبلغ تعدادها اليوم حوالي مليون نسمة يعيش نصفها في سوريا ويشكلون 3% من السكان، بينما يعيش في إسرائيل قرابة 140 ألف نسمة من الدروز ويشكلون 1.6% من السكان، ويعيش بقية الدروز في لبنان والمهاجر المختلفة في العالم. وقد منحهم الوجود في الدولة العبرية علاقة فريدة ومتميزة داخل إسرائيل. فعلى عكس المواطنين الإسرائيليين المسلمين والمسيحيين، يُجند الدروز الإسرائيليون للخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الدفاع الإسرائيلي إلى جانب اليهود الإسرائيليين. يقول ديفيد ريغوليه روز، الباحث المشارك في مركز أبحاث العلاقات الدولية الفرنسي IRIS: “يثق الإسرائيليون تقليديا بالدروز. الدروز مندمجون في الدولة العبرية، التي تعهد أعضاؤها المقيمون في إسرائيل بولائهم لها، لدرجة أن هناك ضباطا من الدروز الإسرائيليين شغلوا مناصب مرموقة، مثل غسان عليان أول قائد غير يهودي للواء غولاني، أو الجنرال عماد فارس، الذي كان قائدا للواء جفعاتي من عام 2001 إلى عام 2003”. خلال الحرب الاهلية السورية التي اندلعت عام 2011، استُهدف الدروز مرارا وتكرارا من قبل الجماعات الجهادية. إذ هاجم مقاتلو جبهة النصرة قرية قلب اللوزة الشمالية في يونيو 2015، ما أسفر عن مقتل 20 قرويا على الأقل، كما اختُطف الكثير من الدروز، وأُطلق سراحهم مقابل فدية، أو قُتلوا، لذلك كان لدى الدروز اتفاق ضمني مع نظام الأسد، حيث عززوا استقلاليتهم في معاقلهم مع قبول حماية النظام من عدوان الجهاديين. يقول فابريس بالانش، المتخصص في الشؤون السورية والمحاضر في جامعة لوميير ليون: “في مدن مثل السويداء، قبل الدروز الذين تظاهروا سلميا ضد الأسد في عامي 2011 و2012 أسلحة النظام وشكلوا ميليشيات بعد أن تعرضوا لتهديدات الجهاديين المتطرفين. وعلى هذا النحو، بقي الدروز أقل ارتباطًا بالنظام القديم من العلويين، لكنهم احتفظوا بهامش استقلال، حين أداروا مدنهم خارج سيطرة النظام، أو سيطرة تنظيمات المعارضة مثل الجيش الحر وتنظيم الدولة (داعش) والقاعدة”. لقد دمر سقوط نظام الأسد في سوريا نظاما معاديا وقف على أعتاب إسرائيل. وفتح سقوط النظام الباب أمام إمكانية تغيير الوضع الأمني ​​بشكل دائم على الجبهة الشمالية بالنسبة لإسرائيل، لذلك ردت تل أبيب بتحركات مكثفة ضد النظام السوري الجديد، الذي يهيمن عليه الإسلاميون، عبر التواصل مع الأقليات في البلاد، وعندما تفكك نظام الأسد في ديسمبر 2024، سارعت إسرائيل إلى اتخاذ احتياطات أمنية بالاستيلاء على المنطقة العازلة في الأراضي السورية وتدمير كل المعدات العسكرية الثقيلة المتبقية في البلاد. في شهري مارس وأبريل الماضيين، سُمح لوفود كبيرة من رجال الدين الدروز السوريين بالسفر إلى إسرائيل لأداء فريضة زيارة دينية لضريح شيخ درزي في الجولان المحتلة، على الرغم من أن البلدين في حالة حرب رسمية. وفي الاسبوع الماضي صرحت مصادر رسمية في إسرائيل بإن الجيش الإسرائيلي نفذ ضربات تحذيرية في سوريا لحماية الدروز، إذ تم تنفيذ ضربات ضد “جماعة متطرفة”، حسب الوصف الإسرائيلي، قيل إنها هاجمت أفرادا من الطائفة الدرزية، وإن الرد الإسرائيلي جاء وفاءً بوعدها بالدفاع عن الأقلية الدرزية مع انتشار العنف الطائفي الدامي قرب دمشق.
وجاءت الخطوة التصعيدية الجديدة في الاول من أيار الجاري، إذ صرّح بيان عسكري إسرائيلي بقصف الطائرات الإسرائيلية المقاتلة لمنطقة مجاورة للقصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق، في الوقت الذي تعهد فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحماية الأقلية الدرزية، بعد أيام من العنف الطائفي الدامي. وقال نتنياهو إن الغارة كانت “رسالة واضحة للنظام السوري مفادها أن إسرائيل لن تسمح بنشر قوات جنوب دمشق، أو بأي تهديد للدروز”. كما صرح نتنياهو ووزير دفاعه كاتس بالقول: “لن تسمح إسرائيل بإلحاق الأذى بالدروز في سوريا، انطلاقا من التزامنا العميق تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل، الذين تربطهم علاقات عائلية وتاريخية بإخوانهم الدروز في سوريا”. جاء هذا البيان في الوقت الذي أغلق فيه عشرات الدروز الطرق في شمال إسرائيل، مطالبين القدس بالتدخل في دمشق وسط الاشتباكات الطائفية. من جانبها أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانا رسميا رفضت فيه “جميع أشكال التدخل الأجنبي” في الشؤون الداخلية السورية، دون ذكر إسرائيل، وأعلن البيان التزام سوريا بحماية جميع الفئات السورية “بما في ذلك الطائفة الدرزية النبيلة”. وتُعد هذه المرة الأولى التي تُعلن فيها إسرائيل عن ضربة عسكرية دعماً للدروز السوريين، منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، ما يعكس انعدام ثقتها العميق بالإسلاميين السنة الذين حلوا محله، ويشكل تحدياً إضافياً لجهود الرئيس المؤقت أحمد الشرع لبسط سيطرته على البلاد الممزقة.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة رصد مقرها المملكة المتحدة، قُتل ما لا يقل عن 100 شخص هذا الأسبوع في أشرفية صحنايا، وهي بلدة تقع في الضواحي الجنوبية لدمشق، وفي ضاحية جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، وفي محافظة السويداء الجنوبية ذات الأغلبية الدرزية. ويقول المرصد إن من بين القتلى 10 مدنيين دروز و21 مقاتلاً درزياً، بالإضافة إلى 35 مقاتلاً درزياً آخرين قُتلوا بالرصاص في “كمين” نصبته قوات الأمن أثناء توجههم من السويداء إلى دمشق يوم الأربعاء. وأضاف المرصد أن 30 عنصراً من جهاز الأمن العام والمقاتلين المتحالفين معه قُتلوا أيضاً.
منذ سقوط نظام الأسد، سعت إسرائيل إلى ملء الفراغ بإرسال قوات إلى ما يُفترض أنه منطقة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، على الحدود الجنوبية الغربية لسوريا مع إسرائيل. كانت هذه المنطقة من الأرض قد احتلتها إسرائيل سابقًا في عامي 1967 و1981. وإذا كانت إسرائيل تسعى إلى مزيد من السيطرة الإقليمية في هذه المنطقة الاستراتيجية، فمن المرجح أن يُشكل الدروز قطعة مهمة على رقعة الشطرنج الجيوسياسية الإقليمية للإسرائيليين، نظرا لوجودهم المجتمعي عبر الحدود، وخاصة في سوريا.