الرئيسة \  دراسات  \  المنطلقات المشتركة لمشروع الاستكبار وأدواته الصفوية – الأسدية – الصهيونية

المنطلقات المشتركة لمشروع الاستكبار وأدواته الصفوية – الأسدية – الصهيونية

16.01.2016
زهير سالم





- (مشروع أقلية تريد أن تتحكم في الأكثرية ...)
تقوم العقيدة الصهيونية كشكل من أشكال التعبير عن فكر سياسي يهودي متزمت على حقيقة أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار ، وأن الله ( تعالى الله ) سخر كل المخلوقات لخدمة شعبه ، وليمكن اليهود من حكم هذه وتحقيق مآربهم فيها ، والتنفيس عن غرائزهم من خلالها . وعلى هذا الأساس وضع الصهاينة مشروعهم القومي (كأقلية دينية ) تريد أن تحكم العالم ، وتسيطر عليه ، من خلال وسائل وأدوات لم يكتشف (الأميون ) من البشر حتى الآن إلا القليل منها .
وبالمعيار نفسه نظر الصفويون إلى أنفسهم ( كأقلية مذهبية ) في العالم الإسلامي ، ووضعوا في رأس أهدافهم السيطرة على الأكثرية من المسلمين الذين يسمونهم حسب مصطلحاتهم ( العامة ) كما يسمي الصهاينة اليهود من عداهم من البشر (بالأميين) .
الشيعة الصفويون كما اليهود جعلوا لأئمتهم عند الله مكانة لم يبلغها نبي مرسل ولا ملك مقرب . وجعلوا معرفة هؤلاء الأئمة البوابة التي تفضي إلى كل السعادة ، والجهل بهم سبب كل شر وأساسه .
وهذا المنطلق المعياري كان أساسا في سورية للمشروع الطائفي الأقلوي الذي بزر بزرته ورعاه وأسس له المستعمر الفرنسي . حيث نجحت الأقلية في سورية من السيطرة على الأكثرية ، واعتبرت قوى الاستكبار العالمي التجربة ناجحة قابلة للاستنساخ في كل من العراق ولبنان أولا ، ثم على مستوى العالم الإسلامي ثانيا وذلك بعد أن عجز المشروع الصهيوني عن إحداث الاختراق المطلوب في هذا العالم . فاستنسخت في لبنان التجربة العسكرية الطائفية في مشروع ( ميليشيا أقلية ) تريد أن تتحكم بقرار الدولة والمجتمع ، كشكل من أشكال السيطرة على الأكثرية ، وتم احتلال العراق لتوسيد الأمر فيه إلى أقلية تحت مسمى مزيف للأكثرية ..
وقد عبر عن هذا المعنى يوما بوضوح السيد ميشيل عون جيدا في أحد لقائاته مع الكتل المارونية الثلاث عندما قال : (حزب الله مشروع أقلية ونحن مشروع أقلية ) وعلينا أن نتحالف معا لننتصر معا !! لم يسأل احد ميشيل عون يومها إذا كان الشيعة في لبنان أقلية !! والموارنة في لبنان أقلية !! فمن هم الأكثرية ...؟! واضح أن السيد عون كان يتكلم في أفق غير لبناني مما يحرم على غيره من ( العامة ) أو ( الأميين ) أن يقاربه.
وتسوغ قوى الاستكبار العالمي دعمها لهذا المشروع كما عبر عنه الرئيس الفرنسي بالقول ( الأقلية تحتاج إلى عصا السلطة لتحمي نفسها والأكثرية تحمي نفسها بأكثريتها ) . وفي رأينا فإن الجواب الموضوعي على هذا التهافت السياسي والمدني لا يكون بالدعوة إلى دولة المكاثرة العددية وإنما بالدعوة إلى الدولة ( الجامعة ) التي تتأسس على القانون والمواطنة المتساوية وتفرش مظلة العدل فوق الجميع.
2- وكان المنطلق الثاني لمشروع الشر متعدد الرؤوس ( الصهيوني – الصفوي ) :التحالف مع ركن خارجي قوي وقوى عظمى متعددة الرؤوس . وهكذا نجد إيران اليوم حليفا مكينا للأمريكيين والروس . ونجد أنه لا يوجد دولة في هذا العالم لم تتطوع للدفاع عن نظام الأقلية في سورية
كثيرا ما يتغنى بعضنا بقدرة هرتزل وقادة المشروع الصهيوني على تحقيق مخططهم الذي أعلنوا عنه في مؤتمر بال منذ أواخر القرن التاسع عشر ..
لا يجوز أن ننسى أن النجاح لم يكن بالطاقات والإمكانات الصهيونية وحدها ، بل لقد كان سر النجاح في إيجاد الحليف القوي للمشروع في كل مرحلة من مراحل التنفيذ . كانت البداية مع انكلترة وحكومة تشرشل وتطورت وتعمقت وتجذرت وتشعبت في كل مرحلة من مراحل السير . حتى أصبح المشروع الصهيوني اليوم جزء من العقل السياسي العالمي، يتهم من يدعو حتى إلى عودة اللاجئين إلى ديارهم بالمثالي الحالم البعيد عن الواقعية ، وحتى يضطر الفلسطينيون أنفسهم أن يغلفوا مطالباتهم بحقوقهم بكثير من ورق السولفان ...
وبالمثل فقد درس دهاقنة المشروع الصفوي المشروع الصهيوني ، وقرروا منذ وقت مبكر إنشاء تحالفات دولية مع حلفاء أقوياء بشروط هؤلاء الأقوياء أنفسهم ، ومضوا في تجربتهم إلى غايتها ، واستطاعوا أن يحرزوا تقدما بعد آخر مستفيدين من ( التقية ) التي هي دينهم و(الباطنية) التي هي سلوكهم ونهجهم . وبينما كانوا يشاغلون المسلمين بالحديث عن المقاومة والممانعة ، ويصمون آذانهم بنداءات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ويلقبون الولايات المتحدة الشيطان الأكبر ، ثم هم يفاجؤون الجميع بأنهم أقرب لأولئك وهؤلاء من ضجيع ...
قد يظن البعض أن أكبر سر كشفه أوباما هو أنه قرر أن يعلن للعرب إن إيران حليف استراتيجي جدير بالثقة وأن عليهم أن يقبلوا بذلك ؛ ولكن السر الأخطر من ذلك أن أوباما قد أبلغ هذه الحقيقة لحلفائه في إسرائيل أيضا . العربة الأمريكية في الشرق الأوسط تحتاج إلى حصانين وما أجمل أن يكون أحدهما ممثلا لأقلية دينية عالمية والآخر ممثلا لأقلية إسلامية مذهبية !!!
يكشف هذا سر سياسات اللامعقول التي ينتهجها أوباما حيال سير الأحداث في سورية . الموقف المشترك في الصمت على الجريمة ضد الإنسانية التي يرتكبها الحليف الصهيوني والحليف الصفوي على السواء . بالأمس كان محللو حزب الله يتفاخرون : لقد أصبح وجودنا في سورية جزء من المعادلة الدولية !! ويتفاخرون إن المجتمع الدولي يعول علينا كجزء من معادلة الصراع ...
المنطلق الثالث تبادل منفعي / حفظ الاستقرار مقابل التمتع بالنفوذ ..
وهو الدور نفسه الذي كانت تتمتع به إسرائيل كقاعدة متقدمة للغرب أيام الحرب الباردة . دور الشرطي للمنطقة قديما أمام التهديد الخارجي الذي كان يتمثل في الاتحاد السوفياتي والاشتراكية العالمية وطبقة البيلوتاريا
واليوم أمام تطلعات الشعوب العربية والإسلامية صاحبة المشروع الحضاري الحقيقي لنهضة الأمة على أسس قادرة على إظهار عوار حضارة الرغبة والإشباع والخواء . نجد أن التحالف النفعي الصفوي – الأمريكي – الأسدي – الصهيوني يتقدم بتسارع كبير جدا ليسد ما يحاول البعض أن يصوروه خطرا ماحقا ، متشاركين في تشويهه بصورة قوى التطرف ، التي هي إفراز مباشر لهذه الأوليغارشية الغارقة في الشر.
لم تكن للولايات المتحدة أن تنتظر حتى تنتصر ثورة الشعب العربي في سورية فتقطع عليها مشروع عملت عليه مع حلفائها على مضى ثلاثة عقود . ومن هنا فقد تابع العالم هذا الموقف الأمريكي الذي حير المحللين.
لم يكن غزو العراق فعلا ارتجاليا لرئيس أمريكي أحمق سبق علاجه من الإدمان كما يقولون ، كما لا يجوز أن يحسب أحد أن خذلان الشعب السوري هو موقف لرئيس بليد اسمه باراك حسين أوباما . بل كل ذلك وأولئك ما هو إلا قرارت لحكومة الولايات المتحدة الدائمة على ما عبر عنه مدير الاستخبارات الأمريكية السابق مايكل هايدن .
والخلاصة :
يسعى مخطط الاستكبار الاستراتيجي العالمي مستعينا بأدواته في المنطقة وفي مقدمتها المشروع الصهيوني وصنوه المشروع الصفوي ومشتقاته إلى إحكام السيطرة على المنطقة من خلال حكومات أقلوية تتبادل المنافع مع قوى الاستكبار العالمي على حساب المصالح العليا لشعوب المنطقة .
وستكون الميليشيات متمثلة في نماذج ( حزب الله ) و ( الحوثي ) و(الحشد الشعبي ) و ( الحرس الثوري ) . هي الأدوات العملية لبسط هذه السيطرة ، بغض النظر عن العناوين التي تعمل هذه الميليشيات تحتها .
ستقطع قوى الاستكبار العالمي الطريق على أي مشروع عربي للنهوض والتحرر بنماذج من قوى التطرف أمثال داعش . التي ستكون جاهزة دائما لتقديم الذرائع لقطع الطريق على تحرر هذه الشعوب . كما ستعمل قوى الاستكبار على تعميق الهوة أكثر بين تيارات هذه الأمة الكبرى ، وبين الشعوب والحكام الذين فيهم بقية .
أما المخرج المقترح فهو تداعي أهل الرشد من قيادات هذه الأمة لتشكيل فصائل مقاومة حقيقية مكافئة لقيادة التحدي على كل المستويات ..
اسوأ خيار تختاره الأمة العربية والشعب السوري والمعارضة السورية بشكل خاص هو إدمان الوقوف العبثي بباب الولايات المتحدة وغيرها من قوى الاستكبار ..
وحين قال سيدنا لوط (( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )).. أجاب عنه سيدنا رسول الله : رحم الله أخي لوطا فقد كان يأوي إلى ركن شديد .
الله مولنا
و لنا في أمة الإسلام نعم العوض
لندن : 6 / ربيع الآخر 1437
16 / 1 / 2016
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk