الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعلم بوتين!

المعلم بوتين!

10.06.2019
حسين شبكشي


الشرق الاوسط
الاحد 9/6/2019
علينا دائماً أن نتذكر أنه في سياق الحديث عن سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يجب عدم إغفال أنه رجل استخبارات، وليس رجل سياسة. هناك حجم "استفادة" مهم تحصّل عليه بوتين نتاج سياسات الإدارات الأميركية، سواء إدارة أوباما وتردد سياساتها في سوريا، التي نتج عنها دخول صريح للقوات الروسية، وفرض أمر واقع جديد هناك، أو إدارة الرئيس دونالد ترمب، وهو الذي لا تزال قائمة شبهةُ علاقته ببوتين، وتأثير الروس في وصوله إلى منصب الرئيس، وتدخلهم في الانتخابات الرئاسية الأميركية نفسها.
اليوم، يتأهب بوتين لاستغلال المشهد الإيراني المتأزم مع أميركا لمصلحته، وذلك بالاستفادة من تجارب التاريخ السابقة. ففي عام 1941، تدخل السوفيات عسكرياً في الأراضي الإيرانية، مستغلين ثغرة قانونية في معاهدة الصداقة الروسية - الفارسية المبرمة في عام 1921. وفي عام 1979، أقدم السوفيات بعملية استخباراتية على تصفية حكومة حفيظ الله أمين، باسم اللجنة الثورية المركزية الأفغانية، وتنصيب حكومة خاضعة هيأت المناخ المطلوب للتدخل العسكري من قبل السوفيات، مستغلة ثغرة قانونية أخرى في معاهدة الصداقة والتعاون الثنائي بين البلدين؛ وصولاً إلى عام 2015 الذي استغلت فيه روسيا طلب رئيس النظام السوري بشار الأسد، لتفاجئ العالم بالتدخل العسكري في سوريا.
اليوم، بوتين يراقب المشهد الإيراني، ولديه الخيارات التاريخية للاستفادة من الوضع الحاصل، وليس هذا هو المشهد الوحيد الذي يستغل فيه بوتين الظروف لصالحه؛ الحرب التجارية المسعورة بين الولايات المتحدة والصين جعلت من روسيا بوتين المستفيد الأكبر، فهو بسبب العقوبات الشديدة المفروضة على إيران وعلى تصدير نفطها، الذي كانت الصين هي أكبر المستوردين له، حولت الصين حصة إيران لصالح روسيا، وزاد اعتماد الصين على النفط الروسي بشكل فوري، مما ضاعف العوائد الروسية؛ ونتاج ذلك كان الإعلان عن تعاون هائل غير مسبوق بين البلدين، واستثمارات قياسية للصين في روسيا، وذلك خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى روسيا.
الروس يريدون علاقة متوازنة، فهم لا يزالون يخشون السيطرة الصينية على اقتصادهم، ولذلك فهم يصرون على شراكات، وليس استحواذ، وأن تكون المشاريع بأيد عاملة روسية، وليست صينية، علماً بأن الروس مدوا أيدي العون والثقة للصين حينما وقعوا معهم على اتفاقية الجيل الخامس من الاتصالات مع شركة "هواوي"، وذلك في صفعة واضحة للمعسكر الغربي الذي يقاطع الشركة ويتهمها بالتجسس.
وكذلك الأمر بالنسبة للسياسة النفطية، فلقد تمكن بوتين من إدراك الحرب السعرية على النفط من قبل معسكر النفط الصخري بالولايات المتحدة، وتعاون مع دول "أوبك" عموماً، والسعودية خصوصاً، فمنعا سعر برميل النفط من الانهيار، كما تعاونا على تماسك السوق بشكل مرضٍ للأطراف كافة.
الاقتصاد الروسي ضعيف، بل هو أصغر حجماً من الاقتصاد الإيطالي، ولا توجد علامات تجارية معروفة على المستوى العالمي من روسيا، باستثناء عدد بسيط لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك استطاع بوتين بحراكه الاستخباراتي أن يجعل له قيمة مضافة، ولكنه يبقى في المقام الأول اقتصاد موارد خام، كالبترول والغاز والحديد والماس والذهب.
بوتين يدير روسيا بثأر شخصي، فلديه ثأر شخصي من أوروبا التي "قتلت" أباه، ومن أميركا التي فتتت الاتحاد السوفياتي، ومن الإسلام السياسي الذي واجهه في أفغانستان والشيشان. يعيش العالم حقبة روسيا بوتين التي يحاول فيها استعادة أمجاد القياصرة، وأن يجعل من روسيا مركز المسيحية الأرثوذكسية، وأن يكون لروسيا نصيب الأسد من كل موقف سياسي وتوتر في العالم. ولكن هذا يؤكد أن روسيا هي دولة فرد، وليست دولة مؤسسات، لأنه لا أحد يملك الإجابة عن شكل روسيا بعد بوتين.