الرئيسة \  مشاركات  \  المسآلة السورية بين التبسيط والتعقيد

المسآلة السورية بين التبسيط والتعقيد

18.02.2017
د. محمد أحمد الزعبي





منذ أن اندلعت الثورة السورية في ١٨ آذار ٢٠١١ كنت ، ولأنني حرمت من أن أكون في بلدي ، وأمارس بالتالي مع غيري العمل الميداني المباشر ، أقول كنت اتابع مايجري في بلدي عامة وفِي محافظة درعا ( حوران ) خاصة عبر وسائل الإعلام المختلفة الموالية منها والمعارضة .
و فيما استمعت إليه من التعليقات السياسية والعسكرية لما بات يطلق عليهم " المحلل الاستراتيجي !!" لفت نظري خلال تلك المتابعة إصرار هؤلاء المحللين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم على أن الأزمة السورية أزمة معقدة ويصعب أن يجيب المرء على أي سؤال يتعلق ب " متى " و " كيف " و" لماذا " فيما يخص هذه الأزمة ، ولا سيما بعد تدويلها ، وبالتالي تحويلها ، من ثورة من أجل الحرية والكرامة ، إلى حرب عالمية ضد التطرّف الإسلامي في صورته المزروعة والمصنوعة والمفبركة المسماة " داعش" وهو الاسم الذي بات مرادفاً اليوم لمفهوم " الإرهاب " ، والذي يعتبر بشار حافظ الأسد هو أول من اكتشفه ( !!) وإن كان تحت مسمىً آخر هو مسمى " العصابات المسلحة " ، وأول من قتل مئات الألوف من المدنيين تحت هذا المسمى الجديد ، الأمر الذي جعله يستحق بجدارة جائزة نوبل لمكافحة الإرهاب (!!) . لقد سمعته بأم أذني ذات يوم يقول - لافظ فوه - " لقد حاربناهم (كان يقصد ظاهراً الإخوان المسلمين وباطناٍ كل العرب السنة ) طوال خمسين عاماً ( أي من قبل أن يخلق /بضم الياء !!) وسنظل نحاربهم ، (مرحى لك ياسوسو ) .
في هذا الإطار كنت أتابع قبل قليل برنامجاًتلفزيونياً حول هذا الموضوع ( الأزمة السورية ) لاثنين من هؤلاء الخبراء " الإستراتيجيين " اللذين أجمعا على أن هذه الأزمة على درجة من التعقيد يصعب معها للمرء أن يعرف رأسها من ذنبها (!!). أريد هناأن أدس أنفي بين هؤلاء الإخوة ، ليس كخبير استراتيجي مثلهم ، ولكن كباحث سوسيولوجي متواضع لأقول لهم إن الأزمة السورية أيها الزملاء والإخوة ليست كما تصورها أفواهكم وأقلامكم بأنها أزمة معقدة يصعب رؤية أبعادها ، وبالتالي حلها ، وإنما هي أزمة داخلية سورية بسيطة ، ولا يزيدحلها عن أن يحمل بشار الأسد أكاذيبه وأسفاره على ظهره ويرحل . لقد جاء بشار عام ٢٠٠٠ - كما تعرفون ويعرف الجميع - كوريث لوالده حافظ ، وجاء والده هذا على ظهر دبابة وبالاستعانة بالمجموعة العسكرية التي كان يظن البعض أنهم ينتمون إلى خط " الرفاق !!" وليس إلى خط " ولي الفقيه !!" والتي نفذت أوامره بوضع رفاقه في حركة ٢٣ شباط ١٩٦٦ التي كان هو من أبرز مخططيها ومنفذيها في سجن المزة العسكري . ولأسباب لم تخف على أحد ، أي أن كلاً من الأب والإبن لم يكن مجيؤه إلى السلطة يملك أية شرعية اللهم إلا شرعية الدبابة التي أوصلتهما عام ١٩٧٠ إلى " كرسي الرئاسة " ، وبالتالي إزاحة هذه " العائلة " عن هذا الكرسي يجب ألا تمثل أية مشكلة تسمح بوصفها بالمعقدة والمستعصية الحل . فحلها لايزيد من وجهة نظرنا عن ان يقول صانعو وبائعو الدبابة التي أتت بهما إلى الحكم ( والأمر يتعلق اليوم بالإبن بعد وفاة الأب ) وبالهاتف فقط ، ولكن بصورة صادقة وجادة - : " إرحل " ،
سيقول لي البعض لقد قالها له الرئيس فلان ، ووزراء خارجية دول " أصدقاء الشعب السوري" فلن وفلان وفلان ، ووزير خارجية المملكة العربية الفلانية ، ولكن التعقيد حال دون التطبيق . وجوابي على مقولة هذا البعض هو أن من قالوها من الغرب ولشرق ، كانوا جميعاً من فصيلة " الكذابين " الذين يقولون مالا يفعلون ، وكانوا يقولون هذه ال " إرحل " على سبيل التضليل والتدليس ، وليس من أجل التنفيذ . إن السبب الآساسي الذي سمح ويسمح بوصف الأزمة السورية بالمعقدة إذن هو ممارسة الكذب من قبل معظم ( إن لم نقل كل ) الأطراف التي بيدها الحل والربط والتي لم تكن جادة في مواقفها من تآييد الثورة السورية بما هي واحدة من ثورات الربيع العربي التي أقضت مضاجعهم ومضاجع وكلائهم في المنطقة العربية . نعم لقد كانوا عصبة من الكذبة الذين يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم ، والدليل الأوضح على ذلك هو موقفهم المراوغ من تنفيذ قراري مجلس الأمن ٢١١٨ و٢٢٥٤ ومن جنيف ١ ، وذلك بهدف التضليل وإطالة نزيف الدماء ، وتدمير سوريا تدميرا شاملاً وكاملاً يجعل أي بديل محتمل لبشار الأسد أياً كان أصله وفصله عاجزاً عن أن يرفع رأسه أمام جبروتهم وجبروت اسرائيلهم المتمثل باحتكارهم للسلاح النووي والمال النفطي لعدة عقود على الأقل ،
مرة أخرى سيقول لي هؤلاء المعنيون أرأيت كيف أنها أزمة معقدة ومستعصية على الحل ومرة أخرى سيكون جوابي لهم ، إن الكذب يدخل في باب الأخلاق أيها الإخوة وليس في باب السياسة ، وعندما تدخل الأخلاق من الباب ، يخرج الكذب من الشباك ، وعندها سوف لن تجد في القصر الجمهوري في المهاجرين من تقول له " إرحل " لأنه سيكون وببساطة شديدة قد رحل .