الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "المزرعة السعيدة".. بوابتها جادة الخميني ومسلّة حافظ الأسد

"المزرعة السعيدة".. بوابتها جادة الخميني ومسلّة حافظ الأسد

20.02.2020
نادر فوز



المدن
الاربعاء 19/2/2020
إذا ساءت بكم الأحوال كثيراً وقرّرتم المجيء إلى لبنان، اضطراراً أو قسراً، ستخرجون من المطار باتجاه جادة الإمام الخميني. ومنها إلى جادة حافظ الأسد ومسلّته، وصولاً إلى كورنيش المزرعة.
أهلاً بكم في المزرعة السعيدة حيث كل ما فيها "قوي". جمهورية قوية، رئيس قوي، مجلس قوي، وكذلك الإفلاس قوي والانهيار أقوى. وكل هذا ملاصق لجمهورية حزب الله. ففي الأساس جار القوي، قوي، ولو جاءت تلك القوّة المقنّعة المَدعاة على حساب "تشبيح" صفّة سيارة من هنا أو سرقة خط كهربائي من هناك أو إزعاج متواصل نهاراً وليلاً.
سليماني على الحدود
أزاح حزب الله الستارة عن نصب قاسم سليماني في بلدة مارون الراس الحدودية. لا شيء جديد في ذلك، فهو يلعب على ارضه وبين جمهوره. ورُفع النصب في "حديقة إيران" على الحدود. حديقة صغيرة في مزرعة قوية، لا تشكّل إلا حديقة خلفية إيرانية وخط مواجهة أوّل بعيد عن حدود الإمبراطورية الأصيلة ألف كيلومتر. وما تصريحات عدد من المسؤولين الإيرانيين وبعض شيوخها إلا تعبيراً عن هذا الأمر، تأكيداً على أنّ المتوسط حدود إيرانية ونحن نعبث في أرجائها. وعلى الكورنيش البحري في صور، مجسّم لنعش حديدي ملفوف بعلم أميركي وخلفه راية حسينية حمراء لإعلان الثأر لمقتل سليماني وما تبعه من عنوان "إخراج الجيش الأميركي من كل المنطقة".
شوارع ومجّسمات
اسم "الشهيد المهندس حسام خوش نويس" (رئيس الهيئة الايرانية للمساهمة في إعادة إعمار لبنان) على طريق النبطية- مشغرة عام 2014. ليست مجسّمات أو أسماء الشوارع الإيرانية جديدة في لبنان. على طريق بعلبك الهرمل، كان أكثر من قوس نصر وانتصار يرحّب بالزوار. وعلى مدخل الجنوب، في الزهراني، كذلك الأمر. أما المربّع الأمني في الضاحية فمليء بشعارات الجمهورية الإسلامية. فتلك الشوارع كانت تعجّ، منذ زمن، بالخزانات الحديدية المزيّنة بالعلم الإيراني. اشربوا بدعم من الجمهورية وعن أرواح كل من قضى وسيقضي نحبه. كانت تلك أولى دلالات التمدّد الإيراني في لبنان، سبقها عمل الحوزات ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وصولاً إلى المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية وكل ركائز قيام الدولة. وقبل كل ذلك، السياسة والسلاح والعسكرة.
التسلّل المستمرّ
ليس من باب البروباغندا، فأعمال إيران ومشاريعها لا تقتصر على الدعاية السياسية فقط. فقد نفذت الهيئة الإيرانية في لبنان 2039 مشروعاً على الأقل بعد حرب 2006، من مشاريع بناء وطرقات وجسور وكهرباء وبنى تحتية. وكل ذلك باسم الجمهورية الإسلامية، بغض النظر عن الاسم الفعلي الذي تحلمه أكان اسم إمام أو سياسي أو قائد عسكري. ومع موجة الانهيار المستمر، يتصاعد مجدداً الخطاب الذي يطرح إيران بديلاً عن الغرب لدعم لبنان. هذا ما تروّج له أجواؤها في بيروت، في تسلّل إيراني مستمرّ إلى الداخل اللبناني. استعداد للدعم في ملف الدواء والاستشفاء، وآخر في ملف الكهرباء، وعروض دائمة في موضوع تسليح الجيش والقوى الأمنية. محاولات حثيثة لتكريس وضع اليد على البلد. السيطرة عليه من كل حدب وصوب، وفي كل القطاعات الاقتصادية والمعيشية. فالإمبراطوريات لا يكفيها الحكم في القرار السياسي والأمني والديبلوماسي.
المستعمرة
يبدو من كل ذلك أنّ الجمهورية الإسلامية تتعامل مع لبنان كمستعمرة وفق المفهوم القديم. تقيم فيه المدارس والمعاهد التربوية، تبني الجسور والطرقات، تقدّم التسهيلات المعيشية. كلّه في خدمة مشروعها وثقافتها. مشروع وثقافة معاديان للعرب، لكنه ليس مجرّد احتلال للأذية والسيطرة فقط. إيران ليست إسرائيل ولا سوريا. الأولى قتلت ودمّرت وتركت وراءها مخيّمات التعذيب وما فيها من حقد. لا شيء في ذاكرة اللبنانيين عن الاحتلال الإسرائيلي إلا المجازر والحقد. والثانية قصفت واحتلّت وبنت المراكز الأمنية وهيمنت على القرار والاقتصاد والنهب العام والخاص. ولا شيء في ذاكرة اللبنانيين من الاحتلال السوري إلا البوريفاج وعنجر وما فيهما من ذل. كل جهود إيران في لبنان تهدف إلى جعله مستعمرة أولى فعلية على المتوسّط. هذا ما نعيشه عند وصولنا عبر المطار.
عند الحدود الشمالية للمطار، سقط شهيد لثورة 17 تشرين اسمه حسين العطار. وعند حدوده الجنوبية سقط شهيد آخر للثورة، اسمه علاء أبو فخر. لكن كل هذا لا يراه المستعمر ولا أزلامه. فكما المكتوب معروف من عنوانه، البلد معروف من مدخله: جادة الإمام الخميني.