الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المدينة الصناعية في باب الهوى.. آمال ووعود كثيرة وواقع حال مرير

المدينة الصناعية في باب الهوى.. آمال ووعود كثيرة وواقع حال مرير

19.09.2021
فائز الدغيم


إدلب - فائز الدغيم
سوريا تي في
السبت 18/9/2021
أعلنت حكومة الإنقاذ العاملة في إدلب عن بدئها العمل على إنشاء مدينة باب الهوى الصناعية، كأولى المدن الصناعية في محافظة إدلب.
وأقامت الأربعاء الماضي ندوة تعريفية بالمدينة الصناعية، والتي قالت الحكومة إنها باحة استثمارية آمنة لموقعها على الحدود مع تركيا، والهدف منها تأمين فرص العمل وبناء الدولة.
الندوة التي جمعت رئيس حكومة الإنقاذ وكلا من وزراء الاقتصاد، والإدارة المحلية والخدمات، والزراعة، والمدير العام للصناعة مع عشرات الصناعيين من العاملين في الشمال السوري ومن المقيمين في الجنوب التركي الذين يدرسون فكرة الاستثمار في الداخل السوري، كما حضرها رئيس مجلس الشورى وتغيب عن الحضور لأسباب مجهولة وفد تركي بقيت مقاعده شاغرة طوال الندوة.
عرض خلال الندوة وزير الاقتصاد فيديو ثلاثي الأبعاد يظهر البنية التنظيمية للمدينة الصناعية بعد تشييدها، وتبلغ مساحة المدينة 5 هكتارات، مقسمة إلى 258 مقسماً حالياً وقابلة للزيادة، تتراوح مساحة المقسم الواحد بين 600 و 2000 متر مربع، وبينها طرقات يتراوح عرضها بين 14 و 20 مترا، وبطول شبكة طرقية معبدة يقدر بـ 8 كم.
وخصص للمدينة الصناعية مدخلان شرقي على طريق كلبيد – البردقلي وجنوبي غربي على طريق سرمدا - باب الهوى قرب الأخير، كما أنها قُسمت إلى قطاعات بحسب أنواع الصناعات الكيميائية والهندسية النسيجية والغذائية.
كما خصص موقع لإنشاء محطة تحويل كهرباء في المستقبل في حال زاد استهلاك المدينة الصناعية عن 20 ميغا واط، كما أنها ستضم محطة لمعالجة المياه الصناعية ومناطق خدمية مثل محطة وقود وقبان ومسجد وسوق تجاري ومركز صحي ومركز إطفاء وكراج وغيرها، كما تم تخديمها بالكهرباء وآبار المياه وشبكة طرق معبدة وغيرها من الخدمات.
وقد اختارت حكومة الإنقاذ موقع تشييدها على طريق سرمدا – الهوى قرب الأخير لكونه المكان الأكثر أماناً بحسب كلام رئيس الحكومة المهندس علي كِدة، الذي أضاف بأن هذا الموقع القريب من الحدود والأكثر أمناً سيشجع المستثمرين الموجودين في تركيا بالدخول والاستثمار في هذه المدينة الصناعية، وتوسط موقع المدينة الصناعية للمناطق السكنية سيوفر اليد العاملة ويسهل عملية ضخ المنتجات المصنعة في الأسواق المحلية فضلاً عن قربها من المعبر لتصديرها خارجياً.
وحول الجدول الزمني المخطط لانتهاء مشروع المدينة الصناعية فهو يتعلق بمدى إقبال الصناعيين على الاستكتاب واكتمال المقاسم بحسب مضر العمر مدير الصناعة، وأكد العمر بأنهم يتوقعون انتهاء التجهيزات في المدينة في غضون ستة أشهر.
أهدافها والآمال المعقودة عليها
ومن المتوقع أن توفر المدينة الصناعية الجديدة أكثر من 15 ألف فرصة عمل بشكل مباشر وقرابة 50 ألف فرصة عمل بشكل غير مباشر، وذلك بهدف خفض نسبة البطالة التي ارتفعت بشكل كبير بسبب الحرب والتهجير.
ومساهمتها في تأمين البنى التحتية اللازمة للنهوض بمنطقة إدلب، عبر تحقيق التكامل بين الصناعات عن طريق الاستفادة من منتجات صناعة ما لتكون مادة أولية لصناعة أخرى، وخلق المناخ الاستثماري الذي يشجع السوريين على العودة لبلدهم، فضلاً عن جذب المستثمرين الأجانب إلى المنطقة التي تتميز بتقديم الكثير من التسهيلات بحسب المسؤولين.
بالإضافة إلى الانتقال من مرحلة الاستيراد إلى مرحلتي الاكتفاء الذاتي والتصدير، وتخلص السوريين من الاعتماد على المساعدات الإنسانية والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والعيش الكريم وهو ما ركز عليه رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد وممثل الصناعيين كمحور أساسي وربط نهوض الصناعة بالتخلص من عجز المجتمع واتكاله على المساعدات الإنسانية.
تحدث وزير الاقتصاد والموارد عن إدراكهم للتحديات التي تواجه العمل الصناعي في إدلب والتي يعتبر من أبرزها منافسة البضائع الأجنبية وسياسات الإغراق المتبعة من الدول المصدرة والصعوبات المتعلقة باستيراد بعض المواد الأولية، وصعوبة وصول الخبراء إلى فك وتركيب الآلات وصيانة الأعطال التي تحصل، وصعوبة الحصول على قطع التبديل، وإيجاد شهادة المنشأ للتصدير، وصعوبة خروج الصناعيين واطلاعهم على أحدث الأمور الفنية في العالم وعدم قدرتهم على حضور المعارض الصناعية في الخارج، وعدم وجود البنية التحتية اللازمة للعمل الصناعي، بالإضافة إلى الواقع العسكري ونسبية الأمان بين المناطق المختلفة في إدلب.
ممثل الصناعيين طلال العثمان حمل جملة من المطالب التي من شأنها النهوض بالصناعة وعرضها على الحكومة خلال الندوة تمثلت بما يلي:
حماية المنتج المحلي عبر سن تشريعات ملائمة، وتنظيم سياسة تسعير المنتجات، ومواجهة سياسة الإغراق التي يقوم بها بعض التجار المستوردين لسلعة معينة إلى الداخل السوري.
توفير البيئة القانونية التي تضمن حقوق الملكية وتضمن الحماية من التزوير، والعمل على تنظيم اتفاقيات لضمان تصدير منتجات الصناعة المحلية.
تطوير عمل الجمارك ومخابرهم لضمان مراقبة المواد الداخلة إلى سوريا والتي تنافس المنتج المحلي بالسعر لكنها متدنية الجودة مقارنة به.
تسهيل دخول وخروج الصناعيين إلى تركيا، للاطلاع على كل ما هو جديد، وتسهيل دخول الآلات الصناعية بأقل الرسوم الممكنة، وتوفير موارد الطاقة بأسعار مخفضة.
تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية الداخلة في الصناعة.
تأمين الكوادر اللازمة لنهضة الصناعة من خلال خريجي المعاهد والجامعات.
الصناعيون يبحثون عن تسهيلات وضمانات
وبعد الانتهاء من كلمات المعنيين أتيحت فقرة لأسئلة الصناعيين وتقديم الإجابة عنها من المعنيين.
وفي مقدمة الأسئلة كان السؤال عن مصير المنتج المُصنع، وهل يبقى حبيس السوق المحلية أم أن أبواب التصدير ستفتح أمامه؟
وفي إجابته على السؤال أكد رئيس الحكومة بأن لا وعود فورية ببدء التصدير وذلك يتعلق باعتبارات سياسية تتعلق بإدلب جميعاً، لكنه أضاف بأن الوضع يسير نحو الأفضل تدريجياً، وقارن بين الوضع الحالي وما كان عليه قبل سنتين، وتحدث للصناعيين عن بناء حكومته للعلاقات مع تركيا في مختلف المجالات، كما تحدث عن احتمالية فتح باب التصدير نحو مختلف المناطق السورية في أية لحظة.
أما الإجابة عن السؤال الذي يتعلق بالضمانات المقدمة للمستثمرين الموجودين في تركيا للدخول والاستثمار في إدلب فأكد وزير الصناعة بأن من بين حاضري الندوة التعريفية بالمدينة الصناعية هم سوريون موجودون في تركيا، قدموا لمعاينة الواقع وبحث الضمانات التي يعتبر موقع المدينة الأكثر أماناً في إدلب، وكما أن باقي الضمانات المقدمة لهم ولغيرهم من الصناعيين تتمثل بالتشريعات والتسهيلات المقدمة فالرسوم شبه معدومة، على المواد الأولية الداخلة في الصناعة وعلى المواد المصنعة المعدة للتصدير الخارجي مستقبلاً.
كما أن المستثمرين في قطاعات صناعية معينة تحتاج إليها السوق المحلية قد يتم إعفاؤهم من الرُّخص ورسومها، ويعتبر انخفاض أجور اليد العاملة من المشجعات على الاستثمار الصناعي في إدلب بحسب المسؤولين الحكوميين.
طالب بعض الصناعيين بالحصول على بطاقة صناعي تمكنهم من الدخول إلى تركيا ووعدت حكومة الإنقاذ بذلك في حين طالب آخرون بنقل مكان المدينة الصناعية نحو موقع آخر ذي طبيعة سهلية بسبب التكاليف المالية الباهظة التي ستترتب على تسوية أرض المنشآت الصناعية وتجهيزها، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض من وزارة الزراعة التي تمنع إقامة أي منشآت على الأراضي الزراعية وتحدثت عن الخطر الذي يدهم الأمن الغذائي في إدلب واعتمادها بنسبة 80 في المئة على الخضروات والفواكه المستوردة خلال عام 2020، فضلاً عن استيراد 15 ألف طن من البندورة خلال شهر واحد فقط، وسعي الوزارة لتنشيط الزراعة ومنع تطاول العمران والصناعة على الأراضي الزراعية.
وتحدث وزير الاقتصاد والموارد عن اتباع الوزارة لنظام الأقساط في بيع المقاسم للصناعيين بحيث يسدد الصناعي 10 في المئة من قيمة المقسم في الشهر الأول، ثم 5 في المئة من قيمته في كل شهر.
كما تحدث مدير الصناعة عن منح الصناعيين في المدينة الكهرباء برسوم مخفضة عن أسعارها خارج المدينة، وتحدث عن دعم بعض الصناعات التي تحتاج إليها المنطقة كصناعة الأحذية والصناعات النسيجية، وذلك نظراً لحاجة المجتمع إلى منتجات هذه الصناعات، ودورها الكبير في تأمين فرص العمل، وعن تشجيع هذه الصناعات عبر دعم الورش القائمة وتقديم التسهيلات للمستثمرين بهذه الصناعات.
حددت وزارة الاقتصاد والموارد ومديرية الصناعة شروطاً يتم من خلالها تقييم عروض الاستكتاب على مقاسم المدينة الصناعية بناء على عدة عوامل للمفاضلة بين العروض المقدمة، حيث تضمنت المعايير 13 نقطة:
رأس مال المشروع: وخصص لكل 50 ألف دولار علامة واحدة من أصل 15 علامة لرأس المال.
فرص العمل: وخصص لكل خمسة عمال علامة واحدة من أصل 20 علامة.
تصنيف المشروع: حيث يمنح المشروع الاستراتيجي 10 علامات في حين أن العادي لا يمنح أي علامة.
تسجيل المنشأة الصناعية لدى مديرية الصناعة: فتحصل المنشأة المسجلة على ٥ علامات في حين لا تحصل غير المسجلة على أية علامة.
خبرة الكادر وشهادات الفنيين: حيث تحصل المنشأة ذات الفنيين المؤهلين من جامعيين ومهندسين بتوصيفهم الوظيفي على 5 درجات ومن لا تعطيهم التوصيف الوظيفي على 3 درجات ومن لا تحتوي على فنيين لا تحصل على أية درجة.
حداثة الآلات: فالمنشآت التي يعود تاريخ صنع آلاتها إلى ما قبل عام 2000 تحصل على 3 درجات، وما بين عامي 2000 و2010 على 5 درجات، وما بين عامي 2010 و 2020 على 10 درجات.
فكرة المشروع: حيث تحصل الفكرة المميزة على 5 درجات والعادية المتكررة على درجتين.
حاجة المنطقة إلى المشروع: حيث يحصل المشروع الذي يعتمد على الموارد المحلية ويمكن تصدير منتجاته على 5 درجات، وصناعات إعادة التصدير على 4 درجات، والمشروع الذي لا يعتمد على الموارد المحلية على 3 درجات، والمشروع الذي لا تحتاج إليه المنطقة لا يحصل على أية درجة.
مدى الاعتماد في التصنيع على مصادر الطاقة البديلة: فالمشروع الذي يعتمد على الطاقة البديلة بنسبة 20 في المئة يحصل على 5 درجات، وذو الـ 10 في المئة يحصل على 3 درجات، والذي لا يعتمد عليها لا يحصل على أية درجة.
طريقة التخلص من المخلفات الصناعية: ويحصل المشروع الذي يحدد طريقة التخلص من هذه المخلفات وآلية الاستفادة منها على 5 درجات.
يحصل المشروع الذي يحوي مخبراً لفحص المنتجات على 5 درجات.
يحصل المشروع الذي يمتلك دراسة اقتصادية شاملة من النواحي التسويقية والفنية والمالية على 5 درجات، وذو الدراسة العادية على 3 درجات، ومعدوم الدراسة بلا درجات.
مدة تنفيذ المشروع: حيث تعطى 5 درجات لمن يبدأ بالإنتاج قبل ستة أشهر، و3 لمن يبدأ خلال عام.
كما منحت 5 درجات للمستثمرين المهجرين من مناطقهم.
آراء الصناعيين الحاضرين متباينة
بلال الطقس أحد الصناعيين الذين حضروا الندوة أعرب عن أمله الكبير بالوعود التي قدمت من قبل حكومة الإنقاذ له كصناعي وتحدث عن أن أرباحه ستزيد من خلال تخفيض الرسوم على المواد الأولية لمنشأته وهو الأمر الذي سيعني زيادة إنتاجه وزيادة الأيدي العاملة في منشأته.
أيضاً محمود المرعي أعلن عن نيته الاستملاك داخل المدينة الصناعية للاستفادة من تخفيضات الكهرباء والأمان في المنطقة القريبة من الحدود، فهو يقيم منشأة غذائية في منطقة باتت تتعرض للاستهداف بين حين وآخر وفضلاً عن كونه مهجراً يدفع إيجار المكان الذي يقيم فيه منشأته وهو غير آمن.
كما انتقد أحد الصناعيين الحاضرين للندوة عدم توضيح سعر المتر المربع من الأرض داخل مقاسم المدينة الصناعية، رغم السؤال عنه من الحضور، بالإضافة إلى عدم جاهزية بطاقة الصناعي التي تخوله الدخول الى تركيا، والتي تلقى الوعد بتسلمها عند حضوره الندوة، لكنه تفاجأ بأنها إحدى الوعود المستقبلية التي تنوي الوزارة العمل عليها.
أيضاً انتقد الصناعي الذي لم يرد ذكر اسمه غياب الوفد التركي عن الندوة وقال إنه حضر بناء على وجود وفد تركي في الندوة بحسب بطاقة الدعوة.
هل تهدد المدينة الصناعية مخيمات النازحين؟
منذ الإعلان عن بدء شق الطرق في جبل باب الهوى لإنشاء المدينة الصناعية بدأت مخاوف سكان المخيمات القريبة بالظهور، فالمنطقة مكتظة بالمخيمات ويقطن فيها عشرات آلاف النازحين الذين يخافون أن يكونوا عرضة الانبعاثات الكربونية الناجمة من المنشآت الصناعية وخاصة بأن التيار الهوائي يأتي من الغرب باتجاه الشرق وتقع جميع تلك المخيمات إلى الشرق من المدينة الصناعية.
موقع تلفزيون سوريا نقل مخاوف المدنيين من الانبعاثات الكربونية لوزير الاقتصاد المهندس باسل عبد العزيز والذي تحدث عن دراستهم التي أولت الاهتمام الأكبر للتلوث بأنواعه البيئي والمرئي والضجيج، كما بحثت آلية تصريف مخلفات المصانع وأنشأت محطات لمعالجة المياه، وكفلت عدم وجود مساحات خضراء تتأثر بمخلفات المصانع، بحسب الوزير الذي أضاف بأن اختيار موقع المدينة تم على أساس قربه من الحدود التركية وتوسط التجمعات السكنية لكن من دون ملاصقتها.
هذا وتعقد الكثير من الآمال على تطور القطاع الصناعي في الشمال السوري وإدلب خصوصاً لكن يرافق هذه الآمال مخاوف كبيرة للمواطنين الذين عايشوا تجارب صعبة من الغلاء والاحتكار تحت ما سمي بدعم المنتج المحلي في مجال الزراعة، كما تبقى فرص العمل هي بصيص الأمل الذي يلوح في نهاية كهف النزوح والبطالة المظلم منذ أعوام.