الرئيسة \  مشاركات  \  المفاوضات طبخة الدم

المفاوضات طبخة الدم

22.11.2017
أسعد مصطفى


في عام 2012 بدأ النظام ينهار مؤسساته وجيشه ، سيطر الثوار على أكثر مناطق سوريا ، حرر الثوار نصف أحياء دمشق وأصبحت محاصرة بطوق يبدأ من داريا مرورا بالغوطة والقلمون . وكان دخول الثوار دمشق وشيكا ، باعتراف الأعداء أنفسهم .
اتجه حلفاء النظام الى خدعة المفاوضات ، فصدر بيان جنيف لعام 2012، وخطة كوفي عنان ببنود ها الستة ، خمسة منها يجب ان ينفذها النظام أولا وبعدها يتم تشكيل هيئة حكم بصلاحيات كاملة واستثنى وضع رأس النظام ، وصدر قرار مجلس الأمن 2118 باعتماد الخطة ، ومع ذلك ترك عنان للثوار بنودا يستطيعون البناء عليها إذا توفر للثورة قيادة سياسية كفوؤة وصلبة ومؤتمنة تدير المفاوضات . رفض الثوار إعلان جنيف لعدم النص صراحة على تغيير رأس النظام أساس المشكلة .
في منتصف عام 2014 قررت المعارضة الذهاب الى جنيف اثنين - بدون شروط - يومها جادلنا رئيس الائتلاف طويلا كي لا يذهب الى جنيف دون شروط ، وقبل تنفيذ بنود خطة عنان كما أقرها مجلس الأمن ، والتي تلزم النظام بتنفيذ خمسة بنود تشمل وقف إطلاق النار في سوريا وإطلاق سراح كل المعتقلين وإدخال المساعدات الانسانية الى كل سوريا والسماح بالتظاهر السلمي ودخول وكالات الاعلام الدولية ،،، وعندما يتحقق ذلك تذهب المعارضة الى جنيف لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي مناصفة مع النظام نفسه ، وهو تنازل كبير من الثورة السورية . أصر رئيس الائتلاف ومن معه على الذهاب الى جنيف دون شروط وقال أن لديه وعود بتنفيذ خطة عنان بناء على اجتماع لوزراء خارجية الدول الشقيقة الست عقد يومها في باريس .
كان واضحا أن حضور مؤتمر جنيف قبل تنفيذ خطة عنان بتسلسل دقيق سوف يضيع كل شيء، على طريقة مؤتمر الصلح في باريس بعد الحرب العالمية الأولى، ومؤتمر اوسلو القريب منا وليس أقل .
عقد المؤتمر وطرح وفد النظام موضوع الارهاب فقط وطرح وفد المعارضة الحل السياسي ، وبعد الجلسة الأولى شكل وفد المعارضة برئاسة كبير المفاوضين واستمرت الاجتماعات على مدى عامين دون تحقيق شيء . وبينما يرددون ان الحل في سوريا سياسي حصرا، تنهار البراميل والصواريخ وقنابل النابالم والغازات السامة من أربع أركان الأرض والسماء على مدن ومناطق سوريا المحررة كلها.
في منتصف عام 2015 شكلت مجموعة فصائل جيش الفتح وتحالفت كل الفصائل في ادلب وحماه ، وخلال شهرين حررت ادلب كاملة من وادي الضيف الى جسر الشغور وريف حلب ودخل جيش الفتح وفصائل ريف حماه الى سهل الغاب واصبح على بعد ثلاثين كيلو مترا من القرداحة ، ورأى العالم قوات النظام مهزومة في سهل الغاب .تكاتفت فصائل درعا والغوطة والجنوب وتقدمت فصائل الساحل وتوالت الانتصارات .
هرع قاسم سليماني الى موسكو وفي خريف عام 2015 دخلت روسيا الى سوريا بجيشها واساطيلها . وفي أول معركتين هزمت روسيا وحلفاؤها في ريف حماه وادلب ، ثم خسرت أمام ثوار حلب في معارك جنوب حلب وخان طومان ، رأى الروس ان الثوار السوريون وبدون حماية جوية يموتون ولا يغادرون أرضهم .
عادت روسيا وحلفاؤها الى خدعة المفاوضات وانتقلوا من جنيف الى فيينا و لذلك دلالة واضحة ، ودعيت ايران والقاهرة حليفتا النظام في مجلس الأمن و في الحرب ضد الثورة السورية .
وصدر القرار2254 الذي ألغى عمليا خطة عنان والقرار 2118 وتم تكليف السعودية بعقد مؤتمر الرياض وتكليف الأردن بتصنيف المنظمات الارهابية في سوريا، تفكك جيش الفتح وتحالف الفصائل واستمرت المليشيات الشيعية تقاتل مع النظام بغطاء روسي وقبول أمريكي وصمت من دول اعلان فينا عقد مؤتمر الرياض وشكلت هيئة خاصة للمفاوضات وشكل الوفد المفاوض مع عشرات المستشارين والناطقين ، كان الاعتقاد جازما أن وفد الهيئة لن يذهب الى جنيف قبل أن تنفذ البنود الخمسة من خطة عنان المعتمدة بالقرار 2118 كاملة ، وانه لن يكرر كارثة جنيف ( 2 ) . ولكن ذهب الوفد بدون شروط وعاد بدون شيء ، ولم تبدأ المفاوضات حتى الآن . أعلنت الهيئة أن لديهم كتاب من نائب الأمين العام للامم المتحدة يتعهد بتطبيق قرارات مجلس الأمن تجاهل الأمين بان كيمون هيئة المفاوضات وأناط المهمة بنائبه لعلمه أن وفد الهيئة سيذهب الى جنيف في كل الأحوال .
قالت هيئة المفاوضات أنهم ذهبوا بطلب من السعودية ، وأن جون كيري هددهم اما أن تذهبوا واما أن يسحقكم الروس ، قالوا ذلك بعد ان غادر جون كيري منصبه .
مات جنيف ( 3 ) في جلسته الأولى وماحدث بعدها اجتماعات مع ميستورا وسفراء الدول ودخلنا في لعبة تغيير رئيس الوفد المفاوض ولاحقا عدم الرضا عن رئيس الوفد الجديد ،وأصبح لدينا ثلاثة من كبار المفاوضين . قبلت الهيئة أن يدعو ميستورا كل الذين أرادهم كمستشارين ، وقد ظهر تأثيرهم في سير عملية جنيف كلها.
في جنيف ( 4 ) تم ابتكار السلال الثلاث و ليس فيها هيئة الحكم الانتقالي وطلب إضافة سلة الارهاب . لم يوافق ميستورا لأن هذا سوف يفتح أبواب جهنم كما قال . وافقت هيئة المفاوضات على سلة الارهاب ، ورئيس وفد النظام يصرح علنا ان وفود المعارضه هم عملاء وارهابيين .
لم يتحقق شيء فلا افرج عن المعتقلين ولا دخلت المساعدات ولم تبدأ مناقشة الحل السياسي ، وفي جنيف ( 7 ) فوجئ الثوار باجتماع وفد الهيئة مع منصتي موسكو و القاهرة في لوزان ، ثم وجهت الدعوة للمنصتين للاجتماع في الرياض .وكل ذلك تمهيد لعقد اجتماع الرياض بشكله الحالي .
كانت أهم بنود القرار 2118 وحتى القرار2254 وقف اطلاق النار ومحافظة كل طرف على مواقعه في الأرض مع بدء المفاوضات ، اضافة لبندي الافراج عن المعتقلين وادخال المساعدات وهي بنود غير تفاوضية . ولكن وفي ظل اجتماعات جنيف تم حصار الزبداني ومضايا حتى الموت ، وتم خنق داريا والمعضمية وحي الوعر ووادي بردى والقلمون وتم تفريغها من كل أهلها بعد قصف وحرق وجوع حتى الموت . تم اقتلاع سكانها من بيوتهم ونقلهم الى ادلب في حالة قهرتنوء بحملها الجبال وإحلال سكان اخرين مكانهم ، وسقطت حلب . واستمرت الوفود تذهب وتعود الى جنيف وعواصم اخرى . ولم تعد الدول الصديقة والشقيقة تعيراهتماما للهيئة والمعارضه كلها وبعد كل اجتماع معها يصرح القادة الاوربيون والأمريكان انه لا يوجد بديل لبشار الاسد . الى درجة أن بان كيمون يكرم المجرم بشار الجعفري وهو يغادر منصبه .
عندما كنت الهيئة في الرياض تحضر للقاء منصتي موسكو والقاهرة كان ماغورك ممثل الولايات المتحده يجتمع مع عشائر الرقة على الأرض السورية ولثلاثة ايام تمهيدا لما بعد داعش ولم يتذكر ان يدعو احدا من المعارضه ،، وعندما كانت الهيئة تجتمع مع منصتي موسكو والقاهرة – للتحضير للحل السياسي - كانت قوات النظام وروسيا وحزب الشيطان تجتاح البادية السورية بدباباتها وطائراتها وتستولي على دير الزور وتقترب من مليشيات ايران في البوكمال التي دخلتها اخيرا ، وعلى الطرف الآخر كانت مليشيا قسد الارهابية بغطاء وحماية امريكية يجتاحون الرقة والحسكة ويستولون على ثروة سوريا من النفط و الغاز والفوسفات وكل زراعة سوريا وانهارها الثلاثة الفرات والخابوروالدجلة ،هذه المناطق التي طالما اوهموا انها غير المفيدة ، وتركوها وديعة عند إرهابيي داعش ليستلموها الان. وقد منعت الولايات المتحدة وروسيا فصائل الجيش الحر الموجوده على تخوم البوكمال من المشاركه في تحرير مدنهم من داعش وحتى لواء الشهيد العقيد بكور السليم وعضوهيئة المفاوضات الذي اغتالته داعش هو وشقيقه لم يسمح لهم ايضا ...
لو تمسكت الهيئة بالقرار 2118 وخطة عنان كما يفهمها كل خبراء ومفاوضوا العالم، لركض ممثلو الدول وراءها ولما ضاع الزمن وقتلت الفرص.
تصدت تركيا وحيدة للتدخل الروسي منذ البداية واسقطت روسيا الطائرة التركيه خارج الاراضي السوريه وردت تركيا باسقاط الطائرة الروسية في الأجواء التركية ، ودعمت الثوار في الساحل والشمال السوري معتمدة على وجودها في الخندق الأول لحلف الناتو منذ نصف قرن .
غدرت الولايات المتحدة وأوربا بتركيا وتخلى عنها الجميع ، وكانت مؤامرة الانقلاب الفاشل ومعركة كوباني الوهمية لخلق مليشيا قسد الإرهابية المتحالفة مع النظام السوري . تبدلت الأوضاع و التفتت تركيا للحفاظ على أمنها القومي الذي تحيط به اخطار كبيرة . وتحولت أولوية السعودية الى الحرب الطاحنة على حدودها في اليمن ، ولاحقا انشغلت قطر بالحصار ومعالجة الأزمه مع أشقائها من دول الخليج العربية . ومع وجود الهيئة بدأت مفاوضات استانة في ظل اشراف غير متوازن فالروس وايران
في وجه تركيا وحدها ،وبدأت الوفود تتغير كحال الهيئة ، مقابل وفد المجرم بشار الجعفري في جنيف وأستانة ، وظهرت اتفاقيات خفض التصعيد ،الذي التزمت بها الفصائل، وحولته روسيا والنظام وايران الى مذابح في ادلب وريف حماه الشمالي والأتارب ودرعا وحصار الغوطة حتى الموت جوعا وتدمير ما بقي منها، وتكتشف الأغذية التي اؤتمنت الأمم المتحده لايصالها الى الغوطة مكدسة في مستودعات جيش النظام ،ولا يتحرك ضميرلصناع اتفاق القاهرة ، ولا تفعل هيئة المفاوضات شيئا .و تحول خفض التصعيد الى تصعيد خطير .
امام هذه الأوضاع المأساوية يجب ان يتمخض مؤتمر الرياض عن تشكيل منصة للثورة، وهي ليست مسؤولية الدول الشقيقة والصديقة بل هي مسؤولية المعارضة ، مسؤوليتكم وحدكم في هيئة المفاوضات ، وكيف يمكن لمن يقدم نفسه باسم منصة موسكو التي تذبح الشعب السوري ، والقاهرة التي تقف مع النظام ضد الثورة في السياسة والحرب . كيف يمكن ان يمثل الثورة السورية.
كيف يمكن أن يشكل اعداء الثورة وفدها، مع أنه كان الأولى ان تحدث التغييرات في وفد النظام لانه لم يوافق مرة واحدة على مناقشة الحل السياسي ولا هيئة الحكم الانتقالي وكان الأولى أ ن يفرضوا أشخاصا في وفد النظام يقبلون الحل السياسي الذي تعلن أمريكا وروسيا وكل العالم انه لا بديل عنه . يجب أن يكون التزامكم ببيان جنيف (1 ) وقرار مجلس الأمن 2118 وانكم لن تذهبوا الى أي جلسة مفاوضات قبل تنفيذ البنود الخمسة من خطة كوفي عنان التي اقرها مجلس الأمن بالقرار 2118، وبعدها تشكل هيئة الحكم بصلاحيات كاملة ولا قبول بوجود المجرم بشار الأسد يوما واحدا في اي مرحلة.
اننا نجد انفسنا ملزمين بأن نذكر المؤتمرين في الرياض انهم يتحدثون نيابة عن مليون شهيد ومليون مصاب وأكثر من مليون يتيم ونصف مليون أرملة ومليون أم ثكلى وستمائة الف معتقل ومفقود وأربعة عشر مليون نازح ولاجئ يعيشون في الخيام وأكثر من اربع ملايين طفل سوري حرموا من التعليم وآلاف المغتصبات من امهاتكم وبناتكم واخواتكم ،والأرض التي تحتلها روسيا وايران وأنكم تمثلون أعظم ثورة في العالم وحاربتها وطعنتها أكبر قوى العالم ..
وفي حال تعذر ذلك تعالوا الى عقد مؤتمر وطني طالما دعاكم اليه الثوارلتوحيد الهدف وتشكل قيادة واحدة لفصائل الثورة ،نعمل معها مجتمعين في الداخل والخارج . وأن تسير المفاوضات وتعزز وحدة وقوة فصائل الجيش الحر جنبا الى جنب .
الدول التي تحتل سوريا ايران وموسكو تريد تشكيل وفد يتحدث باسم الثورة وهو ليس منها ، ويقبل ببقاء المجرم بشار الأسد ليحفظ مصالحها، وبعدها تسير الأمورباتجاه المصالحة مع النظام وتبرئته من كل الجرائم ، وهذا ما نحذر منه .
لقد اخذ النظام كل ما اخذه في ظل المفاوضات التي اؤتمنتم على ادارتها .
ولكنكم ضيعتم الامانة.