الرئيسة \
تقارير \ "اللاجئون والطاقة".. كيف سيؤثر استقرار سوريا على أمن الاتحاد الأوروبي؟
"اللاجئون والطاقة".. كيف سيؤثر استقرار سوريا على أمن الاتحاد الأوروبي؟
21.09.2025
سامر القطريب
"اللاجئون والطاقة".. كيف سيؤثر استقرار سوريا على أمن الاتحاد الأوروبي؟
سامر القطريب
سوريا تي في
السبت 20/9/2025
يواصل الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم لسوريا وإعلان النوايا الحسنة، التي بدأت عبر رفع العقوبات الأوروبية لتسريع عملية الاستقرار، ومؤخرا رحب الاتحاد الأوروبي بخريطة الطريق التي أعلنتها سوريا والأردن والولايات المتحدة لمعالجة الأزمة في محافظة السويداء جنوبا. وقال الاتحاد الأوروبي في بيان على موقعه الرسمي، يوم الخميس، "نشجع على التنفيذ السريع للاتفاق واستمرار الحوار بين جميع الأطراف، بهدف التوصل إلى حل مستدام يحمي جميع السوريين دون تمييز ويحافظ على أمن سوريا واستقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها".
سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا باتت واضحة المعالم، ورغم أن عددا من دول الاتحاد على رأسها ألمانيا تعتبر الوضع غير آمن في سوريا إلا أنها تدعم استقرارها سياسيا وأمنيا، فأوروبا معنية بسوريا من زاويتين أساسيتين: الأولى هي اللاجئون والهجرة فأي انفجار جديد أو تسوية في سوريا سينعكس مباشرة على موجات النزوح واللجوء وصعود اليمين حيث يعدّ نفوذ روسيا على أوساط اليمين المتطرف
أو الجماعات المتطرفة العنيفة ذات الدوافع العرقية أو الإثنية (REMVE) في أوروبا متعدد الأوجه ومعقدًا وخاصة في النمسا، التشيك، فرنسا، ألمانيا، هنغاريا، إيطاليا، بولندا، صربيا، سلوفاكيا، والسويد، ويشمل النفوذ أنشطة مباشرة مثل التمويل أو الدعم السياسي
، وأنشطة غير مباشرة مثل حملات التضليل الإعلامي، أما الزاوية الأخرى التي تهم دول الاتحاد فهي الأمن والطاقة. ويعد الدعم الأوروبي جزءا من عملية الدعم العربية والإقليمية لسوريا بعد سقوط نظام الأسد، وهو ما قد ينكشف بشكل أكبر خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
صعود اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوروبي
في خطوة غير مسبوقة هي الأولى من نوعها، أعادت هولندا التي شهدت صعودا لليمين المعادي للاجئين والهجرة، 84 سورياً إلى دمشق على متن طائرة مستأجرة، وقالت وسائل إعلام هولندية، إن المغادرين تلقوا دعماً مالياً من الحكومة الهولندية، في حين انطلقت الرحلة من مطار روتردام – لاهاي، بعد أن دعت وزارة اللجوء والهجرة الصحافة لحضور لحظة المغادرة. وقدّمت الحكومة الهولندية للعائدين دعماً مالياً ضمن ما يسمى "برنامج العودة"، حيث حصل كل بالغ على 2800 يورو، وكل طفل على 1650 يورو.
وفي ألمانيا، كشفت أرقام حديثة صادرة عن السجل المركزي للأجانب في أيلول الجاري، أن عدد اللاجئين المقيمين في البلاد شهد لأول مرة منذ عام 2011 تراجعاً بنحو 50 ألف شخص مقارنة بالعام الماضي، في ظل سياسات اللجوء المتشددة التي تفرضها الحكومة الاتحادية الجديدة.
وأظهرت البيانات التي جاءت رداً على استفسار تقدم به حزب اليسار، ونشرته صحيفة (راينيشه بوست)، أن اللاجئين الذين غادروا ألمانيا في النصف الأول من هذا العام أكثر ممن دخلوا إليها.
فمثلا؛ رفضت محكمة ألمانية الشهر الجاري، دعوى لجوء تقدم بها مواطن سوري، مبررة ذلك بأنه لم يعد مهدَّداً بالاضطهاد بعد سقوط نظام الأسد، ولا من قبل الحكومة الجديدة، كما اعتبرت أن الخطر على وجوده غير قائم، إذ يمكنه الحصول على مساعدات للعودة. بحسب صحيفة فيلت الألمانية.
وترى المتحدثة باسم شؤون اللاجئين في حزب اليسار، كلارا بيونغر، أن "هذا التراجع ليس بأي حال سبباً للاحتفال، إذ إن أسباب الفرار في العالم لم تكن يوماً بهذا العدد الكبير منذ فترة طويلة".
وقالت: إن "عدداً متزايداً من المحتاجين للحماية لا يتمكنون من عبور الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي المُحصنة والمُراقبة"، مضيفة أن "عمليات التفتيش غير القانونية على الحدود الألمانية لا تلعب سوى دوراً ثانوياً". وأكدت أنه يجب الحديث عن الاندماج والمشاركة بدلاً من سياسة العزلة.
وكان وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت (من الحزب الاجتماعي المسيحي) أصدر بعد توليه منصبه مباشرة أوامر بتكثيف المراقبة على جميع الحدود الألمانية، ورفض حتى طلبات لجوء بعض المتقدمين. وما تزال الانتقادات لهذه الممارسة مستمرة حتى اليوم من دون حسم قانوني نهائي.
من جانبه، يدافع المستشار الاتحادي فريدريش ميرتس (من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي) عن سياسة تشديد اللجوء، بحجة أن حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ليست مضمونة بشكل كافٍ.
أما الوضع السياسي في الداخل الألماني فيشهد تحولات وتغيرات أحد محركاتها ملف اللاجئين (خاصة السوريين والأوكرانيين)، ففي الانتخابات المحلية الأخيرة بولاية شمال الراين فستفاليا، أكبر ولاية ألمانية من حيث عدد الناخبين (نحو 14 مليوناً من أصل 60 مليون ناخب في عموم البلاد)، ضاعف "حزب البديل من ألمانيا" اليميني أصواته ثلاث مرات مقارنة بالانتخابات السابقة، ليحصد أكثر من 16% من الأصوات، وحافظ الحزبان الحاكمان "المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي الديمقراطي" على حصصهما، إلا أن مكاسب "البديل" السريعة شكلت جرس إنذار لبقية الأحزاب، لما تشكله المقاطعة من أهمية ديمغرافية وسياسية واقتصادية على مستوى البلاد قاطبة.
وتؤكد بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) ويوروستات (Eurostat) أنّ سوريا غالبا ما تتصدر قائمة بلدان الأصل للاجئين/طالبي الحماية في الاتحاد الأوروبي منذ 2015، مع تغيّرات سنوية في المنافسة مع أفغانستان ودول أخرى. حيث يتركّز السوريون الحاصلون على حماية دولية في ألمانيا أولًا، ثم تتبعها دول مثل السويد، هولندا، النمسا، فرنسا، واليونان (مع اختلاف الترتيب بحسب السنة والمؤشر المستخدم: مخزون اللاجئين، أو طالبي اللجوء الجدد، أو المستفيدين من الحماية).
الطاقة والأمن.. كيف يمكن لمشاريع الغاز عبر تركيا وسوريا أن تسهم في تقليل اعتماد أوروبا على روسيا؟
أفاد تقرير صدر في آذار 2025 عن "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف" (CREA) ونشرته مجلة نيوزويك، بأن دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين اشترت من روسيا وقودا أحفوريا بقيمة تقارب 21.9 مليار يورو (23.5 مليار دولار) خلال عام 2024.
وتفوق هذه القيمة مبلغ 18.7 مليار يورو (20 مليار دولار) الذي خصصه الاتحاد الأوروبي كمساعدات مالية لأوكرانيا في الفترة نفسها، بحسب بيانات مشروع التتبع التابع لـ"معهد كيل للاقتصاد العالمي" (IfW Kiel).
وأظهرت بيانات مشروع "متعقّب الوقود الأحفوري الروسي" الذي يقوده CREA في الشهر نفسه، أن روسيا حققت أكثر من 206 مليارات يورو (220 مليار دولار) من عائدات الطاقة من الاتحاد الأوروبي منذ بداية الحرب على أوكرانيا في 24 شباط 2022.
وقال إسحاق ليفي، رئيس فريق سياسات وتحليل الطاقة في CREA لشؤون أوروبا وروسيا، لمجلة "نيوزويك"، إن دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي خصصت 113 مليار يورو كمساعدات لأوكرانيا بين شباط 2022 وكانون الأول 2024، في حين استوردت في الوقت نفسه أكثر من 202 مليار يورو من الوقود الأحفوري الروسي. وهو ما انتقده الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
الممر الاقتصادي الأميركي " IMEC " عبر الشرق الأوسط هل يخدم أوروبا؟
في أيلول 2023، في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، الهند ، تم الإعلان عن مبادرة لإنشاء "ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا، (IMEC)، وهو ممر اقتصادي تدعمه الولايات المتحدة. وتهدف المبادرة إلى ربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا من خلال البنية التحتية المتقدمة للنقل والطاقة وتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة والأمن بين جميع الدول الشريكة. وقالت مفوضة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين إن "الممر أكثر من مجرد سكة حديد أو تلفريك، إنه جسر أخضر ورقمي عبر القارات والثقافات".
وبالتأكيد يسعى الاحتلال الإسرائيلي للاستفادة من هذا المشروع ووضع نفسه كجسر استراتيجي بين آسيا وأوروبا، ولكن هل تنتقل أوروبا من الضغط الروسي لتقع تحت ضغط تل أبيب التي تواجه غضبا متزايدا في الشارع الأوروبي إزاء الإبادة الجماعية في غزة؟. تتعاون إسرائيل مع مصر وقبرص واليونان في مجال احتياطيات الغاز البحرية. ويمكن أن يصبح "IMEC" ممرا لتصدير الطاقة من تلك البلدان إلى أوروبا، التي تحتاج إلى تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
نشأت هذه الضرورة الأوروبية بشكل أساسي نتيجة للحرب في أوكرانيا وتعطيل عبور الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا الغربية. وهنا يبرز "طريق الحرير التركي أو طريق التنمية" إذ تخطط تركيا لإنشاء ممر طاقة عبر خط الغاز العربي في سوريا أو من خلال ممر قادم من قطر يرتبط بالشبكة القائمة في سوريا وتركيا، وهذا قد يتتحقق بوتيرة أسرع، ما قد يُضعف "مسار الهند" لنقل الطاقة عبر إسرائيل.
نجاح "المشروع الأميركي" و"طريق التنمية التركي" يعتمد أولا على التعاون الإقليمي الذي يتطلب الاستقرار السياسي. إذ يمكن أن تشعل التوترات الجيوسياسية بين القوى العظمى المنافسة على مناطق النفوذ، كما يهدد تجدد الاضطرابات الأمنية في سوريا أمن المنطقة.
وفي مواجهة مبادرات قد تستغلها روسيا مثل "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، ترى العواصم الأوروبية أن استقرار سوريا ليس ملفا بعيدا بل مسألة أمن داخلي.
روسيا واستغلال نقاط الضعف السورية
بعد سقوط النظام المخلوع، تتحول سوريا اليوم إلى ساحة اختبار جديدة إقليميا ودوليا، حيث تراقب واشنطن استغلال روسيا لنقاط الضعف السورية، فمنذ منذ انهيار نظام الأسد، أبدت عدة دول اهتماماً بالشراكة مع الحكومة السورية الجديدة في مجال الطاقة، وقدمت أخرى مساعدات فورية في الغاز الطبيعي والكهرباء مثل أذربيجان وقطر وتركيا. رغم ذلك، تبقى روسيا المورد الأساسي للنفط الخام بفضل أسعارها المخفضة وقدرتها على توفير إمدادات ثابتة في الوقت الذي تحتاجه سوريا أكثر من أي وقت مضى.
وصول باخرة محملة بـ 100 ألف طن من النفط الخام إلى مصب بانياس - سانا
لكن دمشق وهي تخطو في طريق إعادة إعمار الإعمار وسط تحديات أمنية واجتماعية مستمرة، ستحتاج لكميات ضخمة من النفط المستورد وهنا تأتي روسيا لتسد هذه الحاجة بأثمان سياسية واقتصادية، حيث تريد موسكو الحفاظ على موطئ قدم في البحر المتوسط من خلال قواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية.
الصين تراقب من زاوية "طريق الحرير"
مبادرة "الحزام والطريق" هي خطة بقيمة 4 تريليونات دولار لتمويل بناء السكك الحديدية والطرق والموانئ والمدارس والمستشفيات في الدول النامية. وتريد بكين إنشاء شبكة برية وبحرية عالمية في بلدان آسيا والشرق الأوسط مستغلة خبرتها في البناء ونفوذها المالي.
في أيار الماضي، وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية مذكرة تفاهم مع شركة "Fidi Contracting" الصينية لاستثمار المنطقة الحرة في حسياء بمحافظة حمص بمساحة 850 ألف متر مربع، وأخرى في عدرا بريف دمشق بمساحة 300 ألف متر مربع. تهدف هذه الاستثمارات إلى إنشاء مناطق صناعية متكاملة ومشاريع تجارية وخدمية تعزز البنية التحتية وتجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأفادت الهيئة العامة في بيان أن المذكرة شملت التفاهم أيضاً على منح الشركة الصينية حق استثمار 300 ألف متر مربع من المنطقة الحرة في عدرا بمحافظة ريف دمشق، لترسيخ مشاريع تجارية وخدمية تواكب متطلبات السوق المحلي والإقليمي. وبحسب البيان، فقد بلغت مدة العقد عشرين عاما.
أي مسار في سوريا (تسوية سياسية، تقسيم، فوضى) سيؤثر على صورة هذه القوى وصراعاتها الأوسع. سوريا لم تعد مجرد قضية داخلية أو حتى إقليمية، بل نقطة ارتكاز، إذا استقرت بصفقة جديدة، فقد تُرسي توازنات جديدة في المنطقة وتخفف أزمات أوروبا، إذا ظلت في فوضى، فقد تبقى بؤرة تُغذي موجات صراع وهجرة وتضعف النظام الدولي "المنهك".