القنيطرة التي تحتاج إلى كل شيء
29.06.2025
محمد أمين
القنيطرة التي تحتاج إلى كل شيء
محمد أمين
العربي الجديد
السبت 28/6/2025
اجتمع الرئيس السوري أحمد الشرع مع وجهاء محافظة القنيطرة وأعيانها، يوم الأربعاء الماضي، وناقش معهم "الأوضاع الخدمية والمعيشية والأمنية، واستمع إلى مداخلات الحضور التي تناولت احتياجاتهم ومعاناتهم من التوغلات والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة"، بحسب رئاسة الجمهورية. خطوة أولى تتخذها الإدارة السورية للتعاطي مع ملف المحافظة التي تتعرض في الأشهر الأخيرة لاعتداءات مستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي والذي يحتل منذ العام 1967 جانباً كبيراً منها. وأكد الشرع بعد الاجتماع، وفق الرئاسة، أنه يجري العمل على "وقف الاعتداءات من خلال مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء دوليين".
وقال الناشط المدني أحمد الحمدان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الوفد الذي ضم شخصيات من فعاليات مختلفة، تلقى وعوداً من الشرع بـ"تحسين الواقع الخدمي في المحافظة وتحسين واقع الزراعة ودعم المزارعين كون السكان يعتمدون في معاشهم على الزراعة وتربية المواشي". وأوضح الحمدان أن الأولوية الأمنية ومواجهة التمدد الإسرائيلي عبر قنوات دبلوماسية كانت محور اللقاء. وبيّن أن الحديث تطرق لـ"تدهور الخدمات الأساسية وانعدام الأمن"، مشيراً إلى أن الوفد "طالب الحكومة بتدخل عاجل لإنهاء هذه الحالة، وأن الشرع أكد انه سيوجه الحكومة للاهتمام أكثر بمحافظة القنيطرة".
إيلاء الاهتمام لمحافظة القنيطرة
وهذه المرة الأولى التي تولي فيها الإدارة السورية الجديدة اهتماماً معلناً بمحافظة القنيطرة التي لطالما اشتكى سكانها من إهمال دمشق لهم، وتركهم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية التي وصلت إلى حد الدخول إلى مدينة القنيطرة مركز المحافظة، وتجريف أراضٍ وقطع أشجار واعتقال أشخاص. وتصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث احتلت اسرائيل المنطقة العازلة بين الجانبين التي تحددت بموجب اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، وأقامت نقاط ارتكاز في عدة بلدات في ريف القنيطرة. كما سيطرت على أعلى قمة جبل الشيخ على حدود لبنان (ارتفاعها يصل إلى نحو 3 آلاف كيلومتر)، بعد سقوط نظام الأسد، وأقامت فيها مراصد رصد وتجسس لا تبعد أكثر من 40 كيلومتراً عن دمشق، ما يمكّن تل أبيب من مراقبة مساحات هائلة من الجغرافيا السورية. ولم تتوقف المطامع الإسرائيلية عند هذا الحد، فقد سيطرت تل أبيب على منابع المياه ومصادرها في ريف القنيطرة، حيث وضعت يدها على السدود، وأبرزها: سد المنطرة (الأكبر جنوب سورية)، والذي يخزن 40 مليون متر مكعب من المياه، وسد الشيخ حسين وسد سحم وسد الوحدة وسد كودنا وسد رويحينة وسد بريقة، ما يهدد الأمن المائي والغذائي في الجنوب السوري وليس القنيطرة فحسب.
وحاول الأهالي غير مرة في القنيطرة ودرعا المتاخمة لها التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، فحدثت في مارس/آذار الفائت اشتباكات في قرية كويا التابعة إدارياً لمحافظة درعا أدت إلى مقتل مدنيين بنيران الجيش الإسرائيلي. واعتمدت دمشق على الدبلوماسية في التعاطي مع هذه الاعتداءات ومع نسف تل أبيب لاتفاقية "فك الاشتباك" التي ظلت سارية نصف قرن، في ظل عدم قدرتها على المواجهة العسكرية لوضع حد لهذه الاعتداءات على الخاصرة الرخوة في البلاد.
وبحسب الصحافة الإسرائيلية، فإن حواراً "مباشراً" يجري بين تل أبيب ودمشق، يديره رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ويركز على الأوضاع في محافظة القنيطرة. ويبدو أن تل أبيب تريد ترتيبات أمنية جديدة بعيدة عن تلك التي حددتها اتفاقية "فك الاشتباك"، بحيث تحول دون عودة الجيش السوري إلى المواقع التي كان يتموضع فيها قبل الثامن من ديسمبر الماضي. وتعد محافظة القنيطرة التي تشكلت إداريا في ستينيات القرن الماضي، أصغر المحافظات السورية لجهة المساحة، والتي تبلغ نحو 1860 كيلومتراً مربعاً، منها 1200 كيلومتر مربع من أراضي الجولان المحتل. وتتميّز المحافظة بتنوع سكاني. وكان عدد كبير من سكان الجولان نزحوا في العام 1967 بعد احتلال الجيش الإسرائيلي للجانب الأكبر منه، وانتشروا في عدة مناطق في ريف دمشق وريف درعا، وفي حمص. وتمسك عدد من دروز الجولان بالبقاء في عدة قرى، أبرزها مجدل شمس، ورفض القسم الأكبر منهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية والتي حاولت تل أبيب فرضها بعد الإعلان عن ضم الجولان في 1981 في تجاوز صارخ للقرارات الدولية التي تنص على أن الجولان أرض سورية محتلة. وبحسب مصادر غير رسمية، انخفض عدد سكان محافظة القنيطرة إلى نحو 100 ألف فقط، نتيجة النزوح الداخلي والهجرة إلى خارج البلاد بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، أو نتيجة القمع الذي تمارسه أجهزة النظام البائد الأمنية بحق السكان.
وبيّن الصحافي بشار الأحمد، والذي ينحدر من قرى الجولان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن محافظة القنيطرة عانت من تهميش كبير من النظام البائد، والذي لم يولها أي اهتمام، خصوصاً على صعيد الخدمات، واكتفى بإنشاء تجمع سكني أطلق اسم "البعث"، تغير بعد الثامن من ديسمبر إلى "السلام". ولفت إلى أن أهالي الجولان الذين نزحوا عام 1967 "عانوا الأمرين"، مشيراً إلى أنهم "عانوا ظروفاً معيشية صعبة في المخيمات والبلدات التي عاشوا فيها، خصوصاً في ريف دمشق". وأوضح أن سكان محافظة القنيطرة ما زالوا يعانون من ظروف معيشية خانقة، معتبراً أن الحكومة الحالية "لم تمنح المحافظة الاهتمام الذي تستحقه"، مشيراً إلى نسبة البطالة المرتفعة بين السكان، والخدمات الضعيفة، تدفع الكثير من الشبان للاتجاه إلى العاصمة بحثاً عن فرص عمل.
وبيّن الأحمد أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة "زادت الأوضاع تعقيداً في المحافظة، خصوصاً على الصعيد الأمني"، مشيراً إلى أن الأهالي رفضوا عروضاً من قوات الاحتلال بتقديم مساعدات غذائية وخدمية لهم أو العمل داخل الكيان الصهيوني، مقابل أجر مرتفع. وتابع: "أهالي القنيطرة يحتاجون الكثير من الحكومة في دمشق من أجل تعزيز صمودهم في مقابل الاعتداءات الإسرائيلية. وأبرز ما يحتاجون إليه رفع مستوى الخدمات، والحضور القوي والفعال لكل مؤسسات الدولة وترسيخ الأمن والاستقرار، والقيام بمشروعات اقتصادية مهمة لتوفير فرص تضع حداً لحالات النزوح إلى الداخل، وخاصة العاصمة، أو إلى الخارج".
من جهته، قال محمد الخالد، المقيم في منطقة خان أرنبة بالقنيطرة، لـ"العربي الجديد"، إن المحافظة، الغنية بمياهها والمشهورة بهوائها العليل وتربتها الخصبة، تعاني من قلة السكان، بسبب عدم تشجيع النظام السابق على السكن فيها، واتخاذ مناطقها المدمرة نتيجة حرب 1973 وسيلة للتكسب السياسي والمالي، وسط شكوك بأن ذلك كان بالاتفاق الضمني مع إسرائيل التي كانت ولا تزال، تريد المنطقة دون كثافة سكانية عالية، ليسهل عليها التوغل فيها، وإمكانية ضم أجزاء منها مستقبلاً في حال أتيحت لها الفرصة. وأضاف أن هناك أزيد من نصف مليون من سكان المحافظة والجولان المحتل يعيشون في ظروف صعبة على أطراف المحافظات القريبة، وعلى الحكومة السورية الجديدة أن تعمل على توفير الظروف لعودتهم إلى محافظتهم، ودعمها بالمشاريع والخدمات لتعزيز صمود الأهالي، والتخفيف عن المناطق المزدحمة في محيط دمشق، حيث تتركز إقامة النازحين من الجولان المحتل.
ممدوح عوض: المطلوب إقامة منشآت صناعية على أرض المحافظة
أما المواطن محمود، وهو مزارع في المنطقة، فقال لـ"العربي الجديد": "نحن اليوم نواجه مشكلات الغلاء. غلاء بكل شيء، بأسعار الغذاء والدواء والمعاينات الطبية وأساساً نحن نعمل بالأرض والسنة كانت قاسية لأنها سنة جفاف... مطالبنا أن يهتموا بنا ويقدموا لنا مساعدات على الأقل حتى تمر السنة على خير". وأضاف محمود: "تواجهنا مشكلة ثانية بكل منطقة القنيطرة هي التوغلات الإسرائيلية. هذه قصة جديدة لكنها تتوسع كل فترة، حتى باتوا يصلون إلى خان أرنبة وجبا وهي مناطق في القطاع الشمالي من القنيطرة. نحن نخاف على أنفسنا. في كثير من المرات يوقفنا جنود إسرائيليون لتفتيش الهواتف عن صور ومعلومات، وحتى اليوم لم يتم إيقافنا، لكن أوقفوا غيرنا من جباتا وطرنجة والحرية".
وتحدث محمود عن وجود تقصير رسمي في تقديم الخدمات، والمساعدات، وتعويض المتضررين من ممارسات قوات الاحتلال، خصوصاً من أقدمت تلك القوات أخيراً على هدم منازلهم في قرية الحميدية، إضافة إلى تعويض المزارعين الذين تمركز جيش الاحتلال في أراضيهم الزراعية، ومنعهم من الوصول إليها في جباتا الخشب والقرى المجاورة، مشيراً إلى أن قوات الاحتلال اقتطعت آلاف الدونمات من الأراضي الرعوية في مناطق جباتا الخشب وطرنجة وأوفانيا، ومنعت الأهالي من دخولها، أو رعاية مواشيهم فيها.
وفي السياق نفسه، قال الصحافي ممدوح عوض، المقيم في مدينة القنيطرة، إن أول ما تحتاجه المحافظة هو إعادة بنائها، وإعادة أبناء الجولان إليها، مشيراً إلى أن هناك دراسات ومشاريع سابقة في هذا المجال. وأضاف عوض، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المطلوب أيضاً إقامة منشآت صناعية، خصوصاً زراعية، على أرض المحافظة، كونها محافظة زراعية. كما ينبغي تشجيع السياحة وإقامة مشاريع سياحية في المحافظة التي تعد من أجمل المحافظات في سورية من ناحية الطقس، خصوصاً في الصيف ولقربها من محافظة دمشق وريفها حيث تبعد عن دمشق 40 كيلومتراً فقط". ولفت إلى أنه "لا يوجد في المحافظة أي معمل أو مصنع حتى للمواد الغذائية، ما يدفع الأهالي إلى بيع منتجاتهم على الطرقات بين دمشق والقنيطرة، او السفر بها إلى دمشق مع تكبد تكاليف نقلها".
وبشأن الخدمات، لفت عوض إلى أن محافظة القنيطرة لطالما كانت مهملة من المشاريع الحكومية منذ عهد الحكم السابق بحجة الناحية الأمنية وقربها من خط الجبهة، مشيراً إلى أنها تعاني اليوم من أزمة مياه حادة، خصوصاً بعد السيطرة الإسرائيلية على السدود المهمة في وادي اليرموك، أكبر منابع المياه في المنطقة الجنوبية من سورية، حيث سيطرت قوات الاحتلال مطلع العام الحالي على سد المنطرة، الأكبر في جنوب سورية، والذي يغذي القنيطرة وريف درعا، وكان يخزن 40 مليون متر مكعب من المياه، لكنه اليوم تحت إدارة جيش الاحتلال الذي بات يحدد حصص المياه للسكان، بعد أن قام متعمداً بتخريب شبكات المياه في عدد من قرى وبلدات المحافظة.
وعن الحضور الحكومي في المحافظة منذ الإطاحة بنظام الأسد، أوضح عوض أن المحافظة القريبة من دمشق والتي تتعرض لاعتداءات إسرائيلية شبه يومية، لم يزرها أي مسؤول حكومي، سوى وزير الإعلام حمزة المصطفى. وعن عدم وجود محافظ حالياً في القنيطرة بعد الإعلان قبل شهر عن تعيين المحافظ السابق أحمد الدالاتي قائداً للأمن الداخلي بمحافظة السويداء، أعرب عوض عن اعتقاده بأن الدالاتي ما زال على رأس عمله في محافظة القنيطرة، ولم يلتحق بعمله الجديد في السويداء بالنظر للعلاقة غير المستقرة بين دمشق وتلك المحافظة.
كما أعرب عوض عن اعتقاده بأن المحافظة ما زالت تعاني من التهميش الإعلامي القائم منذ عهد نظام الأسد، حيث لا تحظى بالاهتمام الكافي على الصعيدين الحكومي والإعلامي، فضلاً عن أن المنظمات الإنسانية لم تدخل إلى المنطقة منذ رحيل النظام السابق. وختم بالقول إنه مع تفهم الضغوط التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة والإرث الثقيل من الفوضى والدمار الذي خلّفه النظام السابق، يسود اعتقاد لدى الأهالي أنه بوسع هذه الإدارة أن تفعل الكثير لدعم الأهالي، وحل مشكلاتهم، والتخفيف من الأعباء عليهم.
يشار إلى أن عدد سكان المحافظة قبل احتلالها عام 1967 كان نحو 350 ألف نسمة، منهم نحو 150 ألفاً في الجولان، (نصفهم من عائلات العسكريين ممن كانوا يخدمون في المنطقة). وبعد الاحتلال، هجّرت إسرائيل معظم سكان الجولان، ولم يتبقَّ سوى نحو 7 آلاف نسمة في خمس قرى (درزية) ارتفع عددهم اليوم إلى قرابة 23 ألفاً. أما سكان محافظة القنيطرة، فلا يتجاوز عددهم اليوم وفق تقديرات مختلفة 100 ألف نسمة.