الرئيسة \  تقارير  \  القضاء السوري .. بين التحديات والحلول الفورية

القضاء السوري .. بين التحديات والحلول الفورية

15.06.2025
ميشال شماس



القضاء السوري .. بين التحديات والحلول الفورية
ميشال شماس
سوريا تي في
السبت 14/6/2025
ليس بخافٍ على أحد اليوم أن وضع القضاء في سوريا في حالة يُرثى لها من الترهل والفساد، وهو على هذه الحال منذ أن كان نظام الأسد الإجرامي جاثماً على صدور السوريات والسوريين، وحتى سقوطه في 8 كانون الأول من العام الماضي. غالبية القضاة فاسدون، وبعضهم شارك في ارتكاب جرائم بحق الشعب السوري.
في مواجهة هذا الواقع الكارثي، تبرز أسئلة جوهرية: كيف يمكن معالجة هذا الوضع؟ هل الحل يكمن في صرف جميع القضاة؟ وإذا تم ذلك، هل هناك بديل جاهز وقادر على تولي المسؤولية؟ هذه التساؤلات ظهرت بشكل حاد بعد قرار مجلس القضاء الأعلى بعزل 77 قاضيًا دفعة واحدة.
إن صرف الجهاز القضائي وعزله بأكمله كما يطالب البعض، بحجة أنهم يمثلون مرحلة مظلمة من تاريخ سوريا، ستكون له عواقب وخيمة على الوضع في البلد، في ظل عدم توفر بديل جاهز يؤمّن استمرار المحاكم في عملها، مما سيؤدي إلى انهيار المنظومة القضائية، خاصة في ظل نقص القضاة وضعف البنية التحتية للمحاكم، وصعوبة تجهيز وإعداد قضاة جدد. فمثلاً، تجهيز مئات من القضاة يحتاج إلى سنوات من التدريب والتأهيل.
نحن اليوم بحاجة إلى إصلاح شامل لكل مرافق الدولة ومؤسساتها، وفي مقدمتها القضاء، لكن يجب أن يكون هذا الإصلاح متوازناً، يجمع بين الحاجة للتغيير وضمان استمرارية عمل القضاء.
وإذا سايرنا هذا المنطق الإقصائي بعزل جميع القضاة باعتبارهم معينين من قبل نظام الأسد البائد، وطبقناه على مختلف المؤسسات والإدارات والوزارات، وفصلنا كل الموظفين فيها بحجة أنهم خدموا النظام السابق الذي عينهم، وأنهم أمنوا له الشرعية أيضاً، سيكون الأمر كارثياً. ولنا أن نتصور الأعداد الهائلة التي يمكن أن تذهب ضحية هذا المنطق الإقصائي المدمّر للبلد، ولا يمكن القبول به على الإطلاق، ويمكن، لا بل وأكيد سيؤدي إلى حدوث اضطرابات، وربما ثورة جديدة.
نعم، هناك قضاة وغير قضاة ارتكبوا جرائم، لكن أن نعمم هذا المنطق الجمعي الإقصائي على كل الناس الذين عاشوا في مناطق سيطرة الأسد، وهم بالملايين، ومنهم من هرب من مناطق سيطرة المعارضة المسلحة ليعيش في مناطق سيطرة الأسد الساقط، سيكون هذا التعميم كارثة مدمّرة على البلد.
نحن اليوم بحاجة إلى إصلاح شامل لكل مرافق الدولة ومؤسساتها، وفي مقدمتها القضاء، لكن يجب أن يكون هذا الإصلاح متوازناً، يجمع بين الحاجة للتغيير وضمان استمرارية عمل القضاء، دون أن نساهم في حدوث فوضى قانونية تزيد الأمر تعقيداً وتعرقل عملية بناء الدولة، وذلك وفق خطوات آنية ومدروسة:
أولاً: إجراء تقييم للقضاة الحاليين على أساس فردي، وذلك من خلال تشكيل هيئة رقابية مستقلة من قضاة ومحامين مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، لإجراء تحقيق شامل حول أداء القضاة ونزاهتهم.
وبنهاية المراجعة، يتم الاحتفاظ بالقضاة الأكفاء النزيهين، وإبعاد المتورطين في الفساد أو الانتهاكات المسلكية والقانونية الجسيمة. وليس كما جرى مؤخراً، عندما قرر وزير العدل عزل قضاة محكمة الإرهاب بطريقة أقل ما يُقال فيها إنها "هوشة عرب"، خلافاً للقرار التفتيشي الذي أقرّ بوضوح أن 31 قاضيًا من الذين عملوا في محكمة الإرهاب لم يثبت عليهم سوء سمعة أو ارتكاب أية مخالفة مسلكية أو قانونية، ومع ذلك تم صرفهم. وهذا هو الظلم بذاته، وجريمة بحق القضاء وبحق البلد. فنحن اليوم أشد حاجة إلى هؤلاء القضاة، ولا شك أن قرار إعادة القضاة المنشقين إلى عملهم هو قرار جيد، وسيساهم على الأقل في تعويض القضاة الذين تم صرفهم مؤخراً. ومع ذلك، ستبقى المحاكم تعاني من نقص كبير في أعداد القضاة القادرين على تسيير أمور القضاء.
ثانياً: تفعيل التفتيش القضائي، من خلال رفده بقضاة أكفاء، ومنحه الصلاحيات الكاملة في متابعة القضاة ومراقبة قراراتهم، وضمان شفافية عملية التفتيش من خلال إشراك خبراء قانونيين محايدين أو جهات رقابية مستقلة. وبعدها يمكن تعديل القوانين الخاصة بالقضاء بما يفصل فصلاً تاماً بين القضاء والسلطة التنفيذية، وإعادة هيكلة المحاكم وتنظيمها بما يضمن سرعة الفصل في القضايا ومنع استغلال النفوذ.
إعادة النظر بقرار عزل القضاة الـ31، الذين ثبت أنهم لم يرتكبوا زلة مسلكية أو مخالفة قانونية، لتعويض النقص الحاصل في أعدادهم.
ثالثاً: البدء بتدريب وتأهيل قضاة جدد تدريجياً، من خلال وضع برامج تدريبية مكثفة للجيل الجديد من القضاة، بحيث يكون لديهم القدرة على إدارة المحاكم بفعالية.
رابعاً: إنشاء أكاديمية قضائية مستقلة، تختص بتأهيل القضاة مستقبلاً وفقاً للمعايير الدولية للنزاهة والاستقلالية.
خامساً: توفير رواتب عادلة للقضاة لضمان استقلاليتهم، وتقليل احتمالية وقوعهم في الفساد بسبب الضغوط المادية، ومنحهم امتيازات قانونية تحميهم من التدخلات السياسية أو الاقتصادية في عملهم.
سادساً: منح نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني دوراً في مراقبة أداء القضاء وضمان شفافيته.
سابعاً: اعتماد أنظمة رقمية في المحاكم لتقليل الفساد الإداري، مثل أرشفة القضايا إلكترونياً، واعتماد أنظمة تسجيل الجلسات، مما يُسهم في تعزيز الشفافية والحد من التلاعب في الملفات القضائية.
ثامناً: مراجعة قوانين العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية والإجراءات القضائية، لضمان توافقها مع مبادئ العدالة الحديثة، وتقليل الفجوات التي تسمح للبعض بارتكاب تجاوزات أو انتهاكات.
تاسعاً: إشراك المواطنين في مراقبة القضاة، من خلال إنشاء منصات للإبلاغ عن التجاوزات القانونية بشكل آمن، بحيث يكون للمواطنين دور فاعل في كشف الفساد وضمان المساءلة العادلة.
عاشراً وأخيراً: إعادة النظر بقرار عزل القضاة الـ31، الذين ثبت أنهم لم يرتكبوا زلة مسلكية أو مخالفة قانونية، لتعويض النقص الحاصل في أعدادهم.
هذه الحلول الآنية يمكن أن تساعد، في هذه المرحلة، بتحقيق إصلاح تدريجي للقضاء، دون تعطيله أو خلق مشكلات قانونية أو اجتماعية نحن بغنى عنها اليوم.