الرئيسة \  مشاركات  \  العرب والتطبيع مع إسرائيل

العرب والتطبيع مع إسرائيل

01.11.2020
د. محمد أحمد الزعبي




تشير كلمة " تطبيع " في هذا العنوان ، إلى " الطبيعة " ، وذلك من حيث أن الكائنات التي خلقها الله تحت اسم " الحيوانات " ، والتي يعتبر ( الإنسان ) واحدا منها ، ولكنه حسب ابن خلدون ، يتميز عنها بالفكر . يقول ابن خلدون ( لما كان الإنسان متميزاً عن سائر الحيوانات بخواص اختص بها ، فمنها العلوم والصنائع التي هي نتيجة الفكر الذي تميز به عن سائر الحيوانات ، وشرف بواسطته على المخلوقات / ابن خلدون ، المقدمة ) . وبتعبير آخر للفارابي يقول فيه : ( من البين الظاهر أن للطفل نفساً عالمة بالقوة ، ولها الحواس آلات إدراك ، وإدراك الحواس إنما يكون للجزئيات ، وعن الجزئيات الكليات ، والكليات هي التجارب على الحقيقة ، فإذا حصلت من هذه التجارب في النفس صارت النفس عاقلة ، إذ العقل ليس شيئاً غير التجارب ، ومهما كانت التجارب أكثر ، كانت النفس أتم عقلاً . / الفارابي ، الجمع بين رأي الحكيمين ) .
هذا وقد سبق القرآ ن الكريم ، كلا من الفارابي وابن خلدون حين قال على لسان رسوله الكريم محمد : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم / الحجرات 13 ) .
إن التشارك من جهة والتمايز من جهة أخرى بين الإنسان ( العاقل ) والحيوان ( غير العاقل ) ، في الجذر اللغوي لمفردتي ( تطبيع) و ( طبيعة ) ، تسمح لنا أن نشير إلى أن ظاهرة القطيع في الجماعة الحيوانية ، ( قطيع الضباع مثلاً )هي ظاهرة طبيعية ، وجدت مع هذه الجماعة الحيوانية على هذا النحو ، منذ أن خلقها الله . أما الإنسان ( الحيوان العاقل )، فإن عقله نفسه خاضع لعملية نمو وتغير متواصل ، لاتتوقف إلا بوفاته ، ومن هنا فإن الله قد أرسل رسله لبني آدم حصراً ، ، وكما نلاحظ فإن الآية الكريمة قد توجهت إلى الناس ( ياايها الناس ) ، اي إلى الإنسان العاقل حصراً ، حيث الجماعات الإجتماعية ( الأسرة ، القبيلة ، العشيرة ، القرية ، المدينة ، الدولة ، الأمة ...الخ ) والتي هي هيئات ومؤسسات ، عادة ماتحتاج إلى " وازع / حاكم " وإلى " قاض " يقضي بين الناس ب " العدل " أي بما أنزل الله على رسله ( الشرائع السماوية ) .
إن مبدأ العدل ، والذي هو صنو مبدأ الأخلاق سواء كان وفق ماجاءت به الشرائع السماوية التي هي جزء من مهمة الرسل ، ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق /الرسول محمد - ص ) أو مانصت عليه الدساتير والقوانين الأرضية في الدول والأمم ، إنما يمثل حجر الأساس للحياة الإجتماعية كلها ، في كافة المجتمعات البشرية ( العدل أساس الملك ) . وعندما تغيب العدالة ، تغيب الأخلاق ، وعندما تغيب الأخلاق تغيب الحياة الإجتماعية ، وبتعبير أحمد شوقي :
وإنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
 وإذا ماأردنا تطبيق هذه القاعدة ( العدالة )على الوضع الحالي في فلسطين المحتلة ، فماذا نرى ؟ ، نرى جيشاً إسرائيليا يحمي دولة تغيب فيها العدالة وتفتقر إلى الأخلاق . سجونها ملأى بالأبرياء، وقضاتها لا يحكمون إلاّ بما يرضي حكومتهم وجيشهم ، وجرافاتهم تتفنن في تدمير بيوت الفلسطينيين قوق رؤوس ساكنيها من النساء والأطفال . نرى كياناً صهيونياّ أنشأه الغرب بشقيه الأطلسيين ، لكي ينوب عنه في حماية مصالحه الإقتصادية والسياسية والنفطية، وهو الدور الذي فضحته حماقة ترامب بإجراءاته غير الأخلاقية وغير العادلة سواء بالنسبة للقدس والمقدسيين ، أو بالنسبة لهضبة الجولان السورية ، أو بالنسبة لحق العودة لفلسطينيي الشتات، أو بالنسبة لحل الدولتين ، أو بانسبة لدكتاتوره المفضل ( سيسي مصر ) ، أو بالنسبة للعبة التطبيع الأخيرة بين بعض العرب وإسرائيل ( موضوع هذه المقالة ) التي فرضها ترمب هو وصهره كوشنير ، على بعض دول الخليج، الذين قال فيهم نزار قباتي :
لولا العباءات التي التفوا بها ماكنت أحسب أنهم أعراب .
إن الصراع بين سكان فلسطين الأصليين والإسرائيليين الوافدين ، المدعومين من الدول النووية العظمى ، ولا سيما في الغرب ، إنما هو صراع بين الحق والباطل ، وإن انتصار إسرائل وداعميها على العرب عام 1948 وعام 1967 إنما هو انتصار للباطل على الحق .
ونقول لزمرة المطبعين الناطقين باللغة العربية ، وللمهرولين نحو التطبيع ، وبصوت عال : إذا كان للباطل جولة ، فإن للحق جولات ، وإذا لم يكن اليوم فغداً ، وإن غداً لناظره قريب . فمبروك عليكم نتنياهو ، الذي فضحتكم تصريحاته ( السلام مقابل السلام ، سلام القوة ...الخ ) ، ومبروك عليكم الكيان الصهيوني ، ومبروكة عليكم " إسرائيل ".