الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  الصيام في الأقطار التي يطول فيها النهار بما يعجز الصائم أو يشق عليه

الصيام في الأقطار التي يطول فيها النهار بما يعجز الصائم أو يشق عليه

28.05.2017
الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي


كلما حل شهر رمضان في الأقطار التي تطول فيها فترة الصوم بما يُعجِز المسلمَ أو يشِقُّ عليه مشقةً حقيقية ضارة به، تظهر في الساحة فتاوى غير شرعية تبيح للصائم أن يقدر ساعات الإمساك بقدر طاقته، أو قياسا على توقيت مكة أو غيرها، فيكون إفطاره تبعا لذلك قبل غروب الشمس. مما فرض عليَّ إنكارَ هذه الفتوى، والجهرَ بهذا الإنكار، حرصا على أحكام الدين وصونا لها من الابتداع والتحريف، وحرصا على فريضة أجرها عظيم، لاسيما والنصوص الفقهية كتابا وسنة واضحة لا لبس فيها، قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يصخب، فإن سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم).
ذلك أن صوم رمضان واجب على كل مسلم مكلف قادر، ومتعلقٌ بزمن مخصوص هو شهر رمضان من كل عام كما قال الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة 183،  وقال:{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} البقرة 185، وبوقت مخصوص هو مِنْ تَبَيُّنِ الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى غروب الشمس كما قال تعالى:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة 187.
إلا أن الله تعالى وضع لهذا الواجب رخصا يستفيد منها المسلم في حالات العجز عن الصيام لأسباب وضرورات وإكراهات لا لبس فيها، فقال تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} البقرة 184.
ويستفيد من هذه الرخصة  عدد من الأفراد على رأسهم:
العاجز لمرض لا يرجى شفاؤه فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا.لقوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} البقرة 184.
والعاجز لمرض يرجى شفاؤه فيفطر ويقضي أيام إفطاره حال شفائه.
والعاجز لطول في النهار يجعله غير قادر على الصيام، فيؤجل الصوم إلى فصل يقصر فيه النهار ثم يصوم.
وعليه فإن من تورط في الإفطار قبل مغيب الشمس بدعوى التقدير أو القياس لا صيام له، وينبغي أن يقضي صيامه في الفصول التي يستطيع فيه الصوم بشكل عادي وحسب الأحكام الشرعية المرعية..
لذلك فإن المسلم المقيم في أرض  يطول نهارها بما يعجزه عن الصوم لا يجوز له تقدير فترة الصيام بما قبل مغرب الشمس، ولكن رخصته أن يؤجل الصوم إلى فصل يقصر فيه النهار بالقدر الذي يناسب قدرته. على أن يكون القضاء فرديا، كل واحد يقضي باختياره وحسب ظروفه، وليس لسكان البلد الواحد أن يتفقوا على الصيام جماعة في شهر معلوم آخر غير رمضان أو بدلا منه، كيلا يؤدي ذلك منهم إلى تحويل للصيام عن شهره المحدد شرعا، فيسقطوا فيما سقط فيه أهل الجاهلية من النسيء، كما قال تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} التوبة 37.
هذا ما أدى إليه اجتهادي في القضية وفهمي للنصوص المتعلقة بها، والله من وراء القصد.