السويداء وشرقي سوريا .. هل أزفت ساعة الحسم؟
17.07.2025
عدنان علي
السويداء وشرقي سوريا .. هل أزفت ساعة الحسم؟
عدنان علي
سوريا تي في
الاربعاء 16/7/2025
الاستعصاء المتواصل في السويداء وشرقي سوريا، في العلاقة حكومة دمشق، سيظل مصدر تفريخ للمشكلات والصدامات، وقد يتطور إلى مواجهات أوسع، ما قد يفتح الباب لتدخلات خارجية، ويعيد الوضع في البلاد إلى سيرته الأولى.
لا شك أن مياه كثيرة جرت في النهر المتدفق من الشمال السوري، والذي استقر في دمشق نهاية العام الماضي، وأفضى إلى اندحار نظام الأسد، وإلى تأهيل البلاد لخوض مرحلة جديدة تبدأ بحل مشكلاتها الداخلية وتمر بالوفاق مع المجتمع الدولي، وصولاً إلى مواجهة الاستحقاقات الضخمة المتراكمة من عهد النظام السابق طيلة خمسة عقود ونيف.
وإذا كان الحكم الجديد حقّق اختراقات مشهودة على صعيد علاقاته الخارجية، أبرزها رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن البلاد، فإن رهانات بعض القوى السورية الداخلية ما زالت مستمدة من معطيات قديمة، تنتمي إلى عهد النظام السابق، وتستند إلى أوهام بأن الحكم في دمشق ضعيف وهش، ويمكن ابتزازه لتحقيق أقصى الأهداف، وفق المقاربة ذاتها التي اعتمدتها إسرائيل في تعاملها مع هذا الحكم.
بعض القوى السورية الداخلية لم تصلها الرسالة بعد، وما زالت تراهن على ضعف دمشق، وقابليتها للضغط والابتزاز، دون أن تلحظ المتغيرات في الموقفين الإقليمي والدولي..
وإذا كانت إسرائيل بدأت تستوعب أن هذا الحكم ليس ضعيفاً بالقدر الذي تستطيع إملاء كل شروطها عليه، خاصة مع نجاحه في نيل ثقة محيطه الإقليمي، فضلاً عن ثقة الإدارة في واشنطن، والتي تعكف على رسم مسار آخر للعلاقة بين دمشق وتل أبيب، فإن بعض القوى السورية الداخلية لم تصلها الرسالة بعد، وما زالت تراهن على ضعف دمشق، وقابليتها للضغط والابتزاز، دون أن تلحظ المتغيرات في الموقفين الإقليمي والدولي.
وفضلاً عن هذا الغطاء الخارجي، تتمتع الحكومة في دمشق فيما يتصل بأية مواجهة ذات طابع مذهبي أو قومي، بغطاء قوي وفعال من حاضنتها الداخلية، والتي قد يكون لبعض مكوناتها انتقادات ومواقف سلبية من الحكم الجديد في العديد من الملفات، لكنهم يقفون خلفها متحدين في مواجهات من هذا القبيل.
وفي نظرة تحليلية محايدة، فإن تلكؤ تلك القوى في جنوبي البلاد وشرقها بالإنخراط مع الحكومة في دمشق، سيخلق بعض المتاعب لهذه الحكومة التي لديها سلم أولويات حافل يركز على اكتساب الشرعية وجلب الاستثمارات وبناء الدولة، لكن عواقبه السلبية ستطول على نحو أعمق المدنيين في تلك المناطق، وتؤثر في علاقتهم مع محيطهم (العربي-السني) دون أن تجني في المحصلة تلك المناطق أية فوائد قريبة أو بعيدة.
قبل سقوط نظام الأسد بأكثر من عام، واظبت محافظة السويداء على تنظيم احتجاجات شبه يومية ضد ذلك النظام، حازت على دعم وتضامن معظم فئات الشعب السوري، لكن مع سقوط ذلك النظام، اتخذت بعض القوى في المحافظة موقفاً مستغرباً يميل إلى التصادم مع السلطة الجديدة التي وصفها الزعيم الروحي البارز في السويداء حكمت الهجري بأنها جهادية وإرهابية، مواظباً على طلب الحماية الدولية من هذه السلطة، وهو ما يشكل فعلياً قطيعة مع الحكومة في دمشق، حيث لا يستقيم التفاوض مع طرف يعتبره الطرف الآخر إرهابياً، ويطالب المجتمع الدولي بأن يحميه منه.
من هنا، يترتب على القوى الفاعلة الأخرى في محافظة السويداء أن تنأى بنفسها عن هذا الخطاب التحريضي على الحكومة، وأن تتجاوب مع الجهود المبذولة لحماية المحافظة من عواقب مثل هذا السلوك الذي لا يقود إلا إلى الصدامات والفتن، دون أن يعود على المحافظة بأية فائدة، علماً أن شرائح واسعة من أبناء السويداء يشتكون من السلاح المنفلت في محافظتهم وتفشي الجريمة والمخدرات مع تعطل سلطة الدولة والضابطة العدلية، نتيجة عرقلة دخول قوات الحكومة ومؤسساتها، وهم يطالبون حقيقة بفرض الدولة لسلطة القانون، بعيداً عن سطوة السلاح الفصائلي أو الفردي، بحيث يصبح من لا يملك سلاحاً او فصيلاً أو عائلة كبيرة تحميه، بلا حماية، وغير قادر على تحصيل حقه.
وفي المقابل، يجب على الدولة أن تحضر بقواتها وعناصرها فقط، من دون فصائل مساندة غير منضبطة، ولا تخضع للمساءلة القانونية على نحو ما حصل في أحداث الساحل السوري.
وفيما يتعلق بقوات "قسد"، لا شك ان تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باارك حول موقف هذه القوات من جهود الحل السياسي في سوريا، لا تروق كثيراً لقادتها، حيث طلب منها باراك الانخراط في الحل السياسي الذي تشارك واشنطن في بلورته مع الإدارة في دمشق، بما يفضي إلى إندماجها بشكل كامل في الجيش السوري الجديد، وليس ككتلة مستقلة كما يجادل قادة "قسد".
وطالب باراك قيادة "قسد" بالتقليل من حجم توقعاتهم إزاء الموقف الأميركي، الذي لا ينكر مساهمتهم في محاربة تنظيم "داعش"، لكن المكافأة التي ينتظرونها من واشنطن لن ترقى إلى تأييد إقامة كيان كردي منفصل، معلناً بوضوح أن هدف واشنطن، الوصول إلى دولة سوريّة واحدة وجيش واحد وعلم واحد، ولن تؤيد وجود كيانات أقلوية داخل هذا الجيش، تحت أي مسمى.
قيادة "قسد" تبدو متباطئة جداً في قراءة المتغيرات التي جرت، ولم تصلها بعد الرسالة التي تحاول واشنطن بطرق شتى إيصالها إليها، وهي أن عليها إعادة حساباتها بما يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة ليس في سوريا فقط
قد يكون لدى قيادة "قسد" هواجس من الإندماج الكامل في مؤسسات الدولة السورية الجديدة، العسكرية والسياسية، على نحو تخسر معه وضعها الحالي المهيمن في شرقي سوريا، وهي بذلك ما زالت مرتهنة لحسابات قديمة مرتبطة بالميزات التي حصلت عليها في تحالفها مع الولايات المتحدة خلال عهد نظام الأسد، ما جعل واشنطن تضع رهانها كله على "قسد"، وسط تعذر التعاون مع نظام الأسد المخلوع.
أما وقد زال هذا النظام، فان قيادة "قسد" تبدو متباطئة جداً في قراءة المتغيرات التي جرت، ولم تصلها بعد الرسالة التي تحاول واشنطن بطرق شتى إيصالها إليها، وهي أن عليها إعادة حساباتها بما يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة ليس في سوريا فقط، بل في الجارة تركيا أيضاً حيث أعلن حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح، وإنهاء حقبة العمل العسكري ضد تركيا، وهذا متغير هام آخر، تحاول قيادة قسد المعاندة في تقبله.
ومن غير المعروف إلى أي حد تستطيع "قسد" التمسك بهذه المواقف التي بدأت تثير حنق واشنطن علناً، وسط تساؤلات مشروعة عن الخيارات المتاحة أمامها إذا ما قرّرت مواصلة التعاطي السلبي مع الجهود الأميركية لوضعها في مسار سياسي واحد مع الحكومة في دمشق.