الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الرابحون من الأزمة الخليجية

الرابحون من الأزمة الخليجية

22.06.2017
ياسر الزعاترة


العرب
الاربعاء 21/6/2017
يواجه العرب منذ عقود طويلة مشروعاً صهيونياً له أحلام كبرى في المنطقة، في حين بدؤوا يواجهون خلال الألفية الجديدة مشروعاً له أحلام عريضة أيضاً، ولكن على أسس مذهبية، ويريد إعادة تشكيل حقائق التاريخ والجغرافيا بناء على ثارات تاريخية.
المشروع الصهيوني، لا يريد تغيير دين الناس، ولا مذاهبهم، بل هو معني بفلسطين كحكاية تاريخية، وبعدها الهيمنة على المنطقة، كمشروع سياسي يحمي المشروع التاريخي.
مسيرة أوسلو كانت حلماً للسيطرة على المنطقة، ونتذكر تنظيرات "بيريز" عن "الشرق الأوسط الجديد"، وحين فشلت، جاء مشروع غزو العراق الذي أقنع به الصهاينة بوش لإعادة تشكيل المنطقة، وبالطبع على مقاس الأحلام الصهيونية، وكان الفشل أيضاً.
الآن، يحلم نتنياهو بأن ينجح فيما فشل فيه الآخرون في المحاولتين السابقتين، وهنا يجد في هذا الحريق المشتعل في المنطقة فرصة ثمينة لتحقيق أحلامه، وهو حريق استنزف جميع القوى في المنطقة، وما زال يستنزف. وحين جاء ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة، اتسعت أحلام نتنياهو، وبدا جلياً أن الجزء الأهم من نشاط ترمب ينصب على مساعدة الكيان الصهيوني في تحقيق ما عجز عنه في المرتين السابقتين.
قدم ترمب لبعض العرب معادلة إيران مقابل "إسرائيل"، فيما كان آخرون يقدمون لها الخدمات بعيداً عن قصة إيران، وهناك بالطبع هواجس ومصالح داخلية للبعض يعتقد أن موافقة الأميركان عليها ضرورة، مع أن الأمر ليس كذلك في واقع الحال في ظل الضعف الأميركي الراهن، والذي تعيشه من تورطها في مستنقع العراق وأفغانستان.
في هذه الأجواء بدأ الحديث عن "صفقة القرن"، ومشروع تفاوضي لترمب، فيما يعلم الجميع علم اليقين أن حلاً بالمفردات التي يتحدث عنها عباس أو المبادرة العربية ليس وارداً على الإطلاق، وأن المطروح لا يعدو مسيرة تفاوض وتطبيع، تكرس الوضع الراهن في فلسطين مع بعض التحسينات، من دون القول إن ذلك حل نهائي، بل بالحديث عن إمكانية تعديله مستقبلاً، ولكن بعد أن يتحوّل الصراع لنزاع حدودي، وحيث يأمل الصهاينة بأن يتحوّل المؤقت إلى دائم.
لا نريد الدخول في توصيف موجات الغزل المتبادل مع الكيان الصهيوني، والتي ستظهر تباعاً، ونأمل ألا تظهر، لكن الأزمة الخليجية الجديدة ما لبثت أن أضافت معطىً جديداً، وأحلاماً أكبر للكيان، ورأينا حملات الاستغلال لما جرى ويجري تتحرك بسرعة لافتة، ما يعني أننا إزاء أزمة منحت الصهاينة دفعة جديدة غير تلك التي حصلوا عليها من حريق المنطقة.
أما إيران، فاتسعت أحلامها مع الأزمة الخليجية، وها هي تأمل بضمِّ قطر إلى معسكرها، بل يتحدث البعض من ساستها عن تفاهم مع تركيا. وبالطبع في سوريا كنقطة اشتباك كبيرة، لا سيما أن البلدين يتفقان على منع طموحات الأكراد بالاستقلال، تلك التي تبدو مدعومة بقوة من الأميركان والصهاينة.
والحال أنه رغم الإنجازات التي حققتها إيران على الحدود السورية العراقية، والأحلام التي تعززت بسبب ذلك، إلا أن ذلك كله لا يعدو إطالة لنزيفها ونزيف الجميع، لأن تهدئة لن تنجح في ظل إصرارها على مشروعها إياه، لا مع قطر وتركيا، ولا مع الآخرين، لكن حشر قطر في الزاوية، فضلاً عن مناكفة تركيا في القضية الكردية، قد يدفعهما إلى مسار آخر.
يعكس هذا كله كارثية هذه الأزمة، والأسوأ أن تندلع بتبريرات غير مقنعة، تضطر لاستدعاء تسجيلات منشورة منذ 2011، فيما كان بالإمكان التفاهم على حل الأسباب الحقيقية للأزمة بطريقة مختلفة.
والحال أن قطر والسعودية لم تكونا متفقتين منذ زمن طويل كما كانتا متفقتين خلال الأعوام القليلة الماضية، بخاصة حيال مواجهة الجنون الإيراني (لا مصلحة للمملكة ولا لغيرها بتغيير السياسة حيال دولة الصهاينة)، ولعل ذلك تحديداً هو ما يمنحنا الأمل بحل قريب للأزمة بعيداً عن لغة الإملاءات التي لا تصنع حلاً، ولا تفتح أفقاً أفضل لأسئلة المستقبل الملحة.;