الرئيسة \  مشاركات  \  الدَهرُ والعطّار، ومخلوقات أُخَر!

الدَهرُ والعطّار، ومخلوقات أُخَر!

03.06.2020
عبدالله عيسى السلامة




يروى أن أعرابياً ، نزل بأرضِ قوم من الحضر، وكان في ديارهم عجوز متصابية، لاتفتأ تتزيّن وتتجمّل ، وتبذل كلّ غال ورخيص ، لإخفاء آثار الشيخوخة ، التي بدأت تدبّ في أوصالها ، وطمْس مافعَله بجسدها كرّ الأيّام ، وتعاقب الليالي ! فلمّا رآها هذا الأعرابي ، انخدع بمظهرها ، فتقدّم لخطبتها ، ولم يلبث أن تزوّجها ! فلمّا زُفّت إليه،  انكشفت له حقيقة أمرها ، ورأى بين يديه شمطاء ، في ثياب فتاة شابّة ، فقال فيها:
عجوزٌ تُرجّـي أنْ تكون فتيّـة      وقد نَحَل الجَنبان، واحدَودَبَ الظهرُ
تَدسّ إلـى العطّار سلعَة أهلهـا      وهل يُصلحُ العطّار ما أفسدَ الدهرُ؟
دخلـتُ بها، قبلَ المحاقِ بليلـةٍ     فكـان محاقـاً، كلّـه، ذلك الشـهرُ
ومـا غرّني إلاّ خِضابٌ بكفّهـا      وكُحلٌ بعينيها ، وأثوابُها الصُفـرُ!
هذا الأعرابي خدعته عيناه ، ولم يكن ، في عهده ، أجهزة راديو وتلفاز وخلويّات ، ممّا يخدع العين والأذن ، والحواسّ كلها !
فماذا يقول ، اليوم ، مَن يرى ويسمع ، وتُضخّ في عينيه وأذنيه ، معلوما ت من أصناف شتّى ، تمدح هذا وتذمّ ذاك ، وتمجّد الثالث ، وتؤلّه الرابع .. وتقلب الحقائق أباطيل ، والأباطيل حقائق ؟
ماذا يقول ، مَن يرى الخونة المكشوفين ، يمجَّدون ، ويصفَّق لهم ، ويُزعم أنهم رموز الوطنية والإخلاص !؟
ماذا يقول ، مَن يرى المستبدّين ، ينتهكون كلّ شيء في بلاده ؛ كلّ محرّم ، وكلّ مقدّس ، ويسرقون الأموال ، العامّة والخاصّة ، ويزهقون نفوس البشر .. ومع ذلك، كلّه ، يَعدّهم المنافقون ، في وسائل الإعلام : رموزاً للعدالة والنزاهة ، والشرف والعفّة !؟