اخر تحديث
الأربعاء-24/04/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
مشاركات
\ الحُرمَة .. والحَريم .. والجَهلُ الحَرام !
الحُرمَة .. والحَريم .. والجَهلُ الحَرام !
03.07.2019
عبدالله عيسى السلامة
ما كاد المحاضر ينهي إحدى العبارات ، في محاضرته ، حتى هبّت إحدى النساء ، واقفة في منتصف القاعة ، وهي تصرخ :
حرام عليك أيها المحاضر .. حرام عليك يا رجل ..! إنك تهين النساء .. إنك تهيننا .. إنك تهينني أنا شخصياً ! ولا أسمح لك بهذا التطاول ، وبهذا العبث بكرامتي ، وكرامات بنات جنسي ، من النساء!
نظر إليها المحاضر مستغرباً ، وتلفّت جمهور الحاضرين في القاعة ، ليروا المرأة المتحدّثة ، التي قاطعت المحاضرة ، بهذا الشكل الصارخ المفاجىء!
كانت المرأة في العقد الخامس من عمرها ، سافرة متبرّجة ، وضعت على وجهها كمّية ضخمة من الأصباغ ، لتغطّي التجاعيد ، التي ملأت ملامح وجهها كله ، ووضعت على رأسها قبعة ، من الشعر المستعار ، لتخفي شعرها الحقيقي ، الذي لا يعرف الناس عنه شيئاً!
سألها المحاضر ، مبتسماً ، بهدوء:
وكيف أهنتك ، أيتها السيّدة ؟
قالت المرأة :
ألم تقل ، في عبارتك ، التي نطقتها ، أخيراً ، قبل أن أقاطعك:
"إن المرأة حُرمة ، ينبغي أن تصان ، وأن تـُحفظ من عبث العابثين ، ومن أحابيل المغرضين والمفسدين"!؟
قال المحاضر، ببساطة :
بلى ، قلت هذا الكلام ، لكن باختلاف بسيط ، هو أنني قلت :
" إن للمرأة حُرمة ،ً ينبغي أن تصان " ، ولم اقل : "إن المرأة ، نفسها، حُرمة " ! والفرق واضح من حيث اللغة .. وإن كنت مقتنعاً، بأن المرأة ، ذاتها ، حُرمة ، يجب ألآ تُمسّ بأذىً أو سوء !
قالت المرأة متحدّية :
أرأيت !؟ إنها قناعتك التي لاتخفيها ، برغم تلاعبك بالألفاظ !
قال المحاضر بهدوء : صحيح .. إنها قناعتي .. أنا مقتنع بأن المرأة حرمة ، لكن ما علاقتك ، أنت ، بالأمر؟
قالت المرأة محتدّة :
وتسألني عن علاقتي بالأمر، أيضاً ؟ غريب ! ألا تراني امرأة ، أمامك !؟
قال المحاضر : ببساطة :
أمّا كونك امرأة ، أم لا ، فهذا أمر أنت تقدريّنه ، وهو شأن يخصّك ، ولا علاقة لي به ، وليس لديّ وقت ، للبحث في حقيقته!
وأمّا كونك تأنفين ، من كونك "حُرمة"، وتأبين أن تكون لك حرمة ، فأنا أطمئنك ؛ بأنّ كلامي ، هنا ، لا يعنيك ، من قريب أو بعيد .. إنّه خاصّ ، بالمرأة التي تُسرّ، أو ترضى، بأن تكون حرمة ، أيْ : أن تكون لها حرمة.. أمّا المرأة التي تأبى هذا وذاك ، فليست معنيّة بالموضوع ، أصلاً!
قالت المرأة ، بلهجة استفزازيّة :
حسناً .. كان عليك أيها المحترم ، أن تصوغ كلماتك بدقـّة ، احتراماً للمنهج العلمي ، وتعلن بداية: أن كلامك عن " الحريم " و" الحُرمات " خاصّ ، بطراز معيّن من النساء ، لا بالنساء جميعاً ، كيلا تهين المرأة ، التي ناضلتْ طويلاً ، ومازالت تناضل ، ليلَ نهار، لنيل حقوقها ، والتخلّص من تقاليد الماضي، ورواسبه البالية!
قال المحاضر بهدوء ، وهو يبتسم :
اعترف لك ، بأنني أخطأت ، وأعلن اعتذاري ، أمام السادة الحاضرين ، وأُشهدهم ، جميعاً ، بأنني لم أقصد ، في كلامي ، عن " الحريم و الحرمات " هذه المرأة ، ولا أيّاً من النساء اللواتي على شاكلتها ، اللائي "يناضلن لنيل حقوقهن ، والتخلّص من تقاليد الماضي ، ورواسبه البالية" وأنني إنّما أتحدّث، في محاضرتي هذه ، عن أمّي وزوجي، وبناتي وأخواتي ، وعمّاتي وخالاتي، وقريباتي جميعاً ، اللواتي ، إن تعرّض لهنّ سفيه بأذىً ً، أو مسهّن ساقط ، بسوء ، غلى الدم في عروقي ، ولقّنته درساً بليغاً ، في الأدب ، وفي كيفية احترام الآخرين ، واحترام كراماتهم وأعراضهم.. ويدخل في دائرة محارمي، سائر محارم المسلمين ، بل سائر النساء ، اللواتي يحرصن ، ويحرص أهلوهنّ، على أن تكون لهنّ حرمة ، تصان من الأذى والسوء ، وعلى أن يظلّ شرفهنّ، محاطاً بسور منيع، لا تخترقه سهام العابثين، ولا نزوات الفاسدين والمنحرفين.. فهل أرضاك هذا الاعتذار، أيّتها السيّدة ؟
قالت المرأة ، وقد أصابتها الحيرة ، وارتبك تفكيرها:
ولكنك خلطت كلمات كثيرة ، لاعلاقة بينها، مثل: الكرامة ، العرض، الشرف، الحرمة!
قال المحاضر، بهدوء :
هل ترين ، حقاً ، أن هذه الكلمات ، لا علاقة فيما بينها ، ولا رابط يربط بعضَها ببعض!؟
قالت المرأة ، مرتبكة :
الحقيقة أنني لا أدري ، بالضبط .. كلّ ما أعرفه ، أن كلمات من مثل :
"حُرمة .. حَريم.." ثقيلة ، على مسمعي ومزاجي ، وأنفر منها ، نفوراً شديداً !
أمّا الكلمات الأخرى ، مثل : " كرامة .. شرف .. عرض.." فأنا أحرص عليها ، حرصاً شديداً، وأعتز ّبها ، اعتزازاً كبيراً جدّاً!
قال المحاضر، بهدوء وثقة :
حسناً ، أيتها السيّدة .. أنا أعذرك ، إذا كنت تجهلين معنى كلمات مثل " حرمة.. حريم " التي تنفرين منها ، وتجهلين العلاقة ، بينها وبين الكلمات الأخرى ، التي تعتزين بها ، وتحرصين عليها ..
فاسمعي ، إذن ، هذه الكلمات ، لعلـّها تفيدك ، أو تزيل ، من ذهنك وقلبك ، ما علق بهما، من إيحاءات سلبيّة ، لكلمة " حرمة .. حريم .." وما دار في فلكهما ..!
يقال : حَرُم الشيء حُرْمةً: امتنع .
وأحرَم َالرجلُ بفـُلان : نزل في حَرَمِه ، احتماءً به .
وتحَّرم منه بحُرمة : تحمّى وتمنـّع .
وتحرّم فُلان بفلان : عاشَره ومالحَه ، وتأكّـدت الحـُرمة بينهما .
وحَرمُ الرجل : ما يقاتل عنه ويحميه .
والحُرمة: مالا يحلّ انتهاكُه ، من ذمّة أو حقّ أو صحبة ، أو نحو ذلك .. والمرأة ُ، وحَرَم الرجل ، وأهلـُه ، والمَهابة !
الحريم : ما حُرِّم ، فلا يُـنتهك .
المحَّرم : ذو الحُرمة .
المحرَمة والمحرُمة : ما يَحرم انتهاكه ، من عهد ، أو ميثاق ، أو نحوهما... وزوجة الرجل وعياله ، وما يحميه . جمعُها : مَحارم .
فهل الكلمات الأُخرى ، مثل " الشرف .. العرض .. الكرامة " بعيدة عن كلمات " الحرمة .. والحريم " ولا علاقة لها بها ، أم هي مرتبطة بها ، ارتباطا شديداً ؛لأن الشرف الذي لا حُرمة له ، لا يحميه أحد ، حتى صاحبُه ، أو صاحبتُه ! وكذلك العرض ، والكرامة ، والسمعة.. وما شابهها..!؟ أجيبي أيتها السيّدة ، إذا كانت قد اتضّحت لك حقيقةُ الأمر!
قالت المرأة ، بلهجة فيها انكسار، وقد فارقتها نبرة التحدّي:
أنا آسفة .. فقد كان ذهني محشواًّ ، منذ الصغر ، بإيحاءات سلبيّة منفّرة ، لكلمة "حَرُمَ " وكل ما يدور في فلكها.. والمرء عدوّ ما يَجهل! فأنا أكرّر أسفي واعتذاري ، للسيّد المحاضر ، وللسادة الحاضرين جميعاً.
قال المحاضر :
واستطراداً على هذه المصطلحات " الحُرمة .. الحريم .. المحرَمة .. المحرَّم .." دعيني أسألك سؤالاً يخصّك ، أنت ، شخصياً : هل تعتقدين ، وأنت مثقّفة ، ذات موقف فكري واجتماعي ، تعتزّين به ، وتدافعين عنه.. هل تعتقدين أن جهلك ، بمعاني الكلمات المتعلّقة ، بموقفك هذا ، هو نوع من الجهل المباح ، أم المندوب ، أم المكروه ، أم الواجب ، أم الحَرام ! واعذريني ، على هذا التفصيل ، الذي أراه ضرورياً، برغم ما فيه ، من غرابة أو.. طرافة !
قالت المرأة ، بعد صمت قصير:
بل إني أعتقد ، أنه نوع من الجهل الحرام ، لمن كانت تملك موقفاً كموقفي ، وتهتمّ بحقوق المرأة وقضاياها ، مثل اهتمامي..! وإن كان بالنسبة للنساء العاديات ، أمراً غير ذي أهميّة، من وجهة نظري ؛ فهنّ لا يَشغلن أنفسهن ، أصلاً ، بمثل هذه الأمور..!
قال رجل ٌمسنّ:
صدّعتِ رؤوسنا .. اقعدي ، ودعينا نسمع باقي المحاضرة.. يا حرمة!
ضحكت المرأة والمحاضر والجمهور.. وتابع المحاضر محاضرته ، بثقة وهدوء.