الرئيسة \
تقارير \ الحياة الحزبية في سوريا.. تنظيمات نخبوية دون إطار قانوني
الحياة الحزبية في سوريا.. تنظيمات نخبوية دون إطار قانوني
21.09.2025
محمد كساح
الحياة الحزبية في سوريا.. تنظيمات نخبوية دون إطار قانوني
محمد كساح
المدن
السبت 20/9/2025
يؤكد سياسيون وأكاديميون، أن فاتورة غياب الحياة السياسية في سوريا خلال العهد الجديد، أكبر من تنشيطها، نظراً لأن الغياب يؤدي إلى تفكك المجتمع أكثر، ولأن غياب السياسة يفتح المجال أمام العصبيات والهويات ما قبل الوطنية لتتصدر المشهد، ويحذرون من أن غياب العمل المدني المنظم يجعل البلاد رهينة الخارج، حيث تتحول القرارات السياسية إلى انعكاس لمصالح القوى الإقليمية والدولية.
ويسود نقاش كبير في الأوساط الثقافية والسياسية حول الأحزاب والحياة السياسية والأطر القانونية الناظمة للحياة الحزبية، بالموازاة مع إعلان انطلاقة عدد من الأحزاب والتشكيلات السياسية الجديدة التي يناوئ غالبها السلطة، لكن هذه القوى السياسية لا تزال تفتقر إلى الوزن الشعبي والتأثير، وتشترك في كونها غير مرخصة لعدم صدور قانون الأحزاب حتى الآن.
تيارات جديدة
ومن أحدث التيارات المعلن عنها، "الكتلة الوطنية" بزعامة المعارض للنظامين السابق والحالي هيثم مناع، وقد أثار إطلاقها جدلاً واسعاً بين من يرى أنها تفتقر إلى رؤية واضحة، أو أن الوقت وظروف المرحلة الانتقالية لا يسمحان بتشكيل الأحزاب ريثما تتهيأ البلاد للحياة السياسية الملائمة.
ومن التشكيلات الجديدة، نلمح أسماءً عديدة مثل: "المجلس السوري لغرب سوريا"، و"حركة النهج الوسطي"، و"حزب المستقبل الديمقراطي السوري"، وهي أحزاب متباينة التوجهات كما أنها "لا تخرج عن نموذج أحزاب الصالونات"، وفقاً لما يلاحظه الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، في حديث لـ"المدن".
ويحتاج الحراك السياسي الذي بدأ عقب سقوط النظام، وفقاً لعلاوي، إلى وقت وتأطير من أجل ان ينضج كحراك فاعل، معتبراً أن التشكيلات السياسية الجديدة لا تخرج عن إطار النخب أو الفاعلين السياسيين المحليين.
ويرى أن الوقت مناسب الآن لتشكيل الأحزاب، سواء المؤيدة للعهد أو المعارضة شريطة عدم تلقيها التمويل من الخارج، ويلمح إلى "عدم وجود حياة سياسية حقيقية في سوريا، بل هناك حراك سياسي يحتاج إلى قوانين وانتخابات غير متوفرة حالياً".
بيئة غير مؤهلة
ويلاحظ الأكاديمي والباحث مالك الحافظ أن إطلاق التشكيلات السياسية الجديدة في سوريا، يعكس وجود ديناميكية سياسية كامنة، ومحاولة لإيجاد بدائل في ظل فراغ سياسي، مؤكداً لـ"المدن"، أن "البيئة السياسية الحالية غير مؤهلة لتأسيس الأحزاب، لأن المناخ الانتقالي محكوم بسلطة تسعى إلى احتكار المجال العام".
ويلفت الحافظ إلى أن غياب البنية القانونية، حيث لم يصدر بعد قانون واضح ينظم عمل الأحزاب، يجعل أي تشكيل معرضاً للحظر أو التقييد في أي لحظة، لا سيما في ظل وجود هيئة تقبض أو تسيطر على أي نشاط سياسي ومجتمعي تعرف بالأمانة العامة للشؤون السياسية، والغريب أكثر أنها تتبع لوزارة الخارجية.
ويتابع أن المطلوب من الأحزاب أن تعيد تعريف السياسة في سوريا على أنها مجال مدني جامع، لا يُختزل بالخطاب الديني أو الولاءات العسكرية، مرجحاً أن تلعب هذه التشكيلات دوراً محورياً، شريطة نجاحها في صياغة خطاب وطني جامع يعترف بالتنوع السوري، ويعيد الاعتبار للمواطنة المتساوية.
بدوره، يعتبر رئيس "الحركة الوطنية السورية" الفاعلة شمالي غرب البلاد، زكريا ملاحفجي، أن الحياة السياسية والحزبية في سوريا ضرورية بهذا التوقيت كبديل عن العنف، مؤكداً لـ"المدن"، أن "السياق السوري الراهن يحتم على السياسيين تقديم رؤى وأفكار وتنظيمات سياسية وطنية حقيقية قادرة على تلبية تطلعات الشعب السوري واهتمامه بالشأن العام، بشكل واعٍ ووطني يعزز الوعي السياسي والوطني وتكون صلة الوصل بين المواطن والسلطة".
من جانبه، يؤكد رئيس "تيار سوريا الجديدة" ياسر تيسير العيتي، أن "الأحزاب تمارس الآن دور التوعية السياسية، لكن هناك مهاماً أخرى للأحزاب تتجلى في خوض الانتخابات وعرض برامج الحزب على الشعب وتشكيل تحالفات بين الأحزاب"، موضحاً لـ"المدن"، أن هذه المهام "مؤجلة إلى المرحلة الدائمة التي تلي المرحلة الانتقالية والتي تبدأ بإقرار الدستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية على أساسه".
جدل قانوني
ومؤخرا ساد الجدل في الأوساط الثقافية والقانونية حول الإطار القانوني لعمل الأحزاب وهل يمكن تأسيسها قبل إصدار قانون الأحزاب الذي ينظم شؤونها وشروط ترخيصها.
ويرى الحافظ أن الإعلان الدستوري الصادر عن السلطة الانتقالية، وضع إطاراً ملتبساً، فهو لم يمنح حرية تأسيس الأحزاب بشكل مطلق، بل علق ذلك على صدور قانون خاص لم يرَ النور بعد، وهذا التعليق هو أداة سياسية تتيح للسلطة التحكم بالمجال العام.
وكتب المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس على "فايسبوك"، أن "الإعلان الدستور السوري المؤقت ضمن حق تأسيس الأحزاب السياسية، لكنه بنفس الوقت ربط هذا الحق بصدور قانون جديد ينظمه، لذلك، لا يمكن اعتبار النص الدستوري وحده كافياً لتأسيس الأحزاب، بل هو إعلان نوايا وإقرار مبدأ، لكنه يحتاج إلى ترجمة قانونية واضحة".