الرئيسة \  مشاركات  \  الجنائز حافلة ، والناس يختلفون ، حول مَن فيها !

الجنائز حافلة ، والناس يختلفون ، حول مَن فيها !

11.01.2020
عبدالله عيسى السلامة




إنها سنّة ، من سنن المجتمعات البشرية ، منذ تكوّن المجتمع البشري ، على ظهر الأرض !
الموت حَتمٌ على البشر، جميعاً ، وهو قدر الناس ، جميعاً ! لكن الناس يختلفون ، حول نظرتهم إلى الميت ، حسب قربهم منه ، وبعدهم عنه .. وحسب تأثيره في كلّ منهم ، حين كان حيّاً .. وتأثير موته ، على كلّ منهم ، بعد أن فارق الحياة !
ولن نتحدّث ، هنا ، عن رؤية بعض الأحياء ، للكيفية التي سيموتون بها ، وقد أدركهم الموت .. ولا عن الكيفية ، التي يرغب بعض الأحياء ، بالموت بها ! بل ، سنتحدّث ، عن كيفية تعامل بعض الأحياء ، مع موت بعض مَن يحبّون ، أو يُجلّون ويحترمون !
التعامل مع الموت ، في الشعر!
رثى أحدهم قيسَ بن عاصم المنقري ، فقال :
وما كان قيسٌ ، هُلكُه هُلكُ واحدٍ    ولكنّه بُنيانُ قومٍ تهدّما !
وقالت الخنساء ، في رثاء أخيها صخر:
ولولا كثرةُ الباكين حولـيْ    على إخوانهم ، لقتلتُ نفسي
وما يَبكون مِثلَ أخي، ولكنْ    أعَزّي النفسَ عنه ، بالتأسّي
ووصفَ الشاعر أبوتمّام ، موتَ القائد العسكري ، محمد بن حُمَيد الطوسي ، قائلاً :
غَدا غدوةً ، والحمد نسجُ ردائهِ   فلمْ ينصرفُ ، إلاّ وأكفانُه الأجرُ!
ورثى أحد هم ، رجلاً فاضلاً ،  قتله أحد الأمراء وصلبه ، فقال قصيدة ، منها هذه الأبيات :
علوٌّ في الحياة ، وفي المَماتِ     لحَقٌّ تلكَ إحدى المُعجزاتِ
كأنّ الناسَ حولك، حينَ قاموا     وفودُ نَداكَ ، أيّامَ الصِلاتِ
كأنّكَ واقفٌ فيهـمْ ، خَطيبـاً     وكلّهُمُ وقـوفٌ للصَـلاةِ
وقد قيل ، إن الأمير، الذي قتله وصلبه ، تمنّى أن لو كان مكانه ، ليُرثى بالقصيدة، التي رُثي بها!
وقد مات أحد الزعماء المجرمين ، في العصر الحديث ، فحزن عليه أنصاره ، حزناً شديداً ، وشمت به بعض الناس ، الذين ظلمهم ، وسمع أكثر الناس خبرَ موته ، دون اكتراث ! وقال أحد الظرفاء، متمثّلاً بقول الشاعر، الذي رثى حماراً له ، قائلاً :
ثَوى المِصَكُّ ، الذي قد كنتُ آملُهُ     ذخراً، وخُيّبَ فيه ذلك الأملُ !
تعامُل الناس ، عامّة ، مع الموت ، ومواقفهم المختلفة ، من الموتى ، وحالات الموت :
قد يختلف بعض الأضداد ، حول ميت ، اختلافَ آكلَي الجَدي المطبوخ ؛ إذ قال أحدهما للآخر: مالك تسرع ، في نهش لحم الجدي ، كأنّ أمّه نَطحتك ! فردّ عليه ، قائلاً : وأنت ، مالك تُشفق عليه ، كأنّ أمّه أرضعتك !
من الطبيعي ، أن يتفجّع أهل الميت ، على فقده ؛ إذ تترمّل الزوجة ، ويَتيتم الأبناء ، ويحزن الآباء والأمّهات والإخوة .. ومن الطبيعي ، ألاّ يكترث أكثر الناس ، لموت شخص بعيد عنهم.. ومن الطبيعي ، أن يتأثّر بعض الناس ، سلباً أو إيجاباً ، بوفاة شخص ما ، بحسب  كرههم ، أو مودّتهم له .. لكن الغريب ، هو أن تتفجّع أسَرٌ، لا تربطها بالميت صلة قرابة ، وحين تُسأل ، عن السبب ، تكشف سرّاً مكتوماً ، لا يعرفه أحد من الناس ، وهو أن الميت ، كان يرعاها مالياً ، وينفق عليها ، سرّاً ، بصورة لا يعلمها إلاّ الله ! وحين مات ، فقدت هذه الأسر المستورة ، أهمّ معين لها ، بين البشر!
قال أحدهم ، متحدّثاً عن موت الفضلاء :
لعمرُك، ماالرزيّة فُقد مالٍ    ولا شاةٌ تموتُ ، ولا بَعيـرُ
ولكـنّ الرزيّـة فقد حُرٍّ     يَموتُ ، بموته ، خَلقٌ كثيرُ!