الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجلاء طريق السوريين نحو راية عالية وحدود مصونة وشعب حر

الجلاء طريق السوريين نحو راية عالية وحدود مصونة وشعب حر

18.04.2019
شمس الدين الكيلاني


سوريا تي في
الاربعاء 17/4/2019
عندما استلم الرئيس القوتلي راية الجلاء/الاستقلال، وعد شعبه بألا يخفق في سماء سوريا بعد الآن "إلّا علمكم، ولا تعلو فيه إلّا إرادتكم"، وقد حافظ السوريون على عهد رئيسهم وقائدهم الوطني، فلم يسمحوا بأن يدنِّس أرضهم معتدٍ، أو تُرفع راية فوق علم الاستقلال، فقط لمرة واحدة اتفقوا مع رئيسهم القوتلي على رفع علم الوحدة السورية - المصرية (علم الجمهورية العربية المتحدة )، ثم أعادوا رفع علمهم ذي الثلاثة نجوم بعد حدوث الانفصال (بانقلاب عسكري) بين سوريا ومصر، وبقي هذا العلم مرفوعًا في سماء سوريا، وحافظوا على حدود وطنهم حتى أصبحت عصية على العدوان الإسرائيلي إلى أن قام حافظ الأسد ورفاقة بانقلابهم الغادر في (8 آذار 1963) الذي أسس لقيام دولة ضد الشعب ومعها التفريط بالعلم الوطني وبأرض الوطن وبحرية السوريين.
فقد عملت هذه الطغمة على التغطية على جريمتها الانقلابية - كعادتها التي لازمتها دائمًا  - بادعائها الكاذب أن هدفها استرجاع الوحدة مع مصر  (الجمهورية العربية المتحدة) مع ضم العراق، فثابرت على عقد الاجتماعات والمؤتمرات، والمواثيق مع الرئيس عبد الناصر وقادة العراق تحت حجة السعي لقيام وحدة ثلاثية بينهم، بينما كانت تقوم هي بالفعل وفق مقاصدها الحقيقية المتمثلة بتثبيت وجودها بالسلطة، فكان من الطبيعي أن تكون حصيلة تلك الاجتماعات المديدة المراوغة هو رفع علم الاتحاد الثلاثي على سماء سورية ومصر والعراق، لكن بدون أن يقوم الاتحاد، رفعوا علم الاتحاد وحاربوا  الاتحاد، وهذه مفارقة غريبة أقدموا عليها دون حياء، بل أعقبوا فشل هذه الاجتماعات (الوحدوية) افتعال العداء مع مصر عبد الناصر، ثم مع العراق فحرموا السوريين زيارة العراق لأكثر من عشرين سنة، ولم يتورعوا عن شرب الأنخاب عندما إعلن الرئيس عبد الناصر الاستقالة عقب هزيمة حزيران 1967، وقد غاب عن ذاكرتهم مسؤوليتهم عن هذه الهزيمة!
لقد استغلت هذه الطغمة مباحثات الوحدة لتعزيز مواقعها السلطوية في الجيش والمخابرات والمؤسسات السلطوية الأخرى وفي تسريح الضباط الوطنيين بذرائع مختلفة حتى فرغوا الجيش من القوى الوطنية لحساب اللحمة الطائفية ولتكوين عصبة عسكرية طائفية، فأسست بذلك لانقسام أبناء الوطن، بل بنت القاعدة الصلبة لحرب تلك العصبة العسكرية الطائفية على الشعب، وهو ما أقدمت عليه في كل مرة حاول فيها الشعب السوري أن ينهض في مجابهتها. فبينما كانت المظاهرات في عام 1963، تعمّ المدن السورية كافة، مطالبة باستعادة الوحدة مع مصر، كانوا هم ينشطون على جبهتين، يعملون في الأولى على قدم وساق لتأسيس مؤسسات تابعة لهم ولنهجهم الفئوي التسلطي مستقوين بتظاهرهم بالإخلاص لقضية الوحدة، ومن جهة ثانية جهدوا على تشتيت انتباه الشعب السوري والقيادة المصرية في مباحثات واجتماعات لاطائل منها مع عبد الناصر والعراقيين.
لم يقتصر ضررهم على مجال الخيانة للوحدة وعلى القيام بتمثيلة غريبة وهي رفع علم الوحدة والعمل ضدها في الوقت نفسه
لم يقتصر ضررهم على مجال الخيانة للوحدة وعلى القيام بتمثيلة غريبة وهي رفع علم الوحدة والعمل ضدها في الوقت نفسه، بل كرَّروا تمثيل مسرحية الإخلاص للوحدة، وطبقوها على المقامرة بالأرض الوطنية ليبرروا ابتعادهم عن الوحدة، فقد رفعوا شعارًا مضللًا وهو: عبر تحرير فلسطين نحو الوحدة العربية، لمواجهة الشعار الذي رفعه عبد الناصر: عبر الوحدة والتقدم الاجتماعي نحو تحرير فلسطين.
لهذا الغرض حركوا الحدود لتصبح مسرحًا (استعراضيًا) لـ(نضالهم) لإحراج سياسة عبد الناصر التي سمحت بتمركز قوات الطوارئ الدولية على الحدود بين مصر و(إسرائيل). فاستقدموا مجموعة من الفلسطينيين للقيام بعمليات عسكرية داخل الحدود، دون اكتراث بالتبعات والعقابيل، فكان همّهم الأساسي التعريض بسياسة عبد الناصر الفلسطينية والهروب من استحقاقات الوحدة والتضامن العربي، والتنافس على الموقع القومي الأول، كل ذلك لكسب الشرعية أمام الشعب السوري المجبول دمه بالعروبة وفلسطين، باختصار كانت جماعة الأسد تلعب لعبة جهنمية كلَّفت السوريين والعرب بما فيهم الفلسطينيين الأرض والعرض ونهر من الدماء.
والحال، فبينما كان الأسد وطغمته يلهون بمسرحيتهم المضلِّلة، كانت (إسرائيل) تبتهل الفرص للانقضاض على العرب، وتبحث بشكل محموم عن الحجج والذرائع للتوسع مجددًا، ولاستجلاب اعتراف العرب بها كأمر واقع لا يمكن إزاحته، فلقد بنى بن غوريون تصورًا استراتيجيًا مفاده أن إسرائيل تحتاج لهزيمة العرب مرة ثانية لتكسب اعترافهم. ولقد خلق نظام الطغمة في سوريا الحجج المناسبة وأيضًا الضعف المناسب في الجيش والمجتمع السوريين، وفي الصفوف القيادية التي بدلًا من أن تهيئ نفسها لحماية حدود الوطن انصرفت للهو في الخمارات، وعلى إيقاع أغاني لودي شامية: (من قاسيون أطل ياوطني)، تاركين حراسة الحدود للأغنية الشهيرة: نهر الأردن ما بيتحول!؟
وهكذا، هيأ النظام كافة الشروط السياسية والعسكرية  لاجتياح (إسرائيلي) للأرض العربية، فاستطاعت جرّ أقدام عبد الناصر إلى المعمعة وهو غير مهيأ لها تحت الضغط النفسي والمعنوي والدفاع عن الموقع القيادي، فأقدم عبد الناصر تحت ضغط (المسرح) الذي أُعدَّ على حدود الوطن السوري، وتحت تأثير تشجيع الاتحاد السوفياتي للانخراط بجدية في مجابهة الخطر الذي يحيط سوريا من قبل الحشود الإسرائيلية، فسحب عبد الناصر قوات الطوارئ الدولية من على حدوده وأغلق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية، فاعتبرت (إسرائيل) هذا الأمر بمثابة إعلان للحرب، وصدقها العالم كله، ثم ما كان منها إلّا أن اجتاحت في الخامس من حزيران 1967 أراضي مصر والأردن وسوريا: غزة  وسيناء، الضفة الغربية، الجولان السوري العصي عن الاختراق بحكم الطبيعة، ووطنية شعبه، قاومت مصر بعدة رصاصات ومثلها الأردن، أما النظام السوري صانع مسرح الجريمة/ الهزيمة فلم يطلق رصاصة واحدة، بل سلّم وزير الدفاع (حافظ الأسد) القنيطرة عاصمة الجولان بإعلانه الكاذب: أن القوات الإسرائيلية احتلت المدينة، فاتخذت القوات الإسرائيلية هذا الإعلان بمثابة السماح لها باحتلالها بينما كان وزير الصحة السوري يتجول في شوارعها فما كان منه إلّا أن قدَّم استقالته احتجاجًا على ما فعله وزير الدفاع، وفعلًا احتلتها إسرائيل بعد ساعات من إعلان الأسد المشبوه. فعلّق حنّا بطاطو على سلوك الأسد بالقول: من المحتمل أنّ الأسد اختار  التضحية بأرض سورية وبمصالح الجيش من أجل المحافظة على النظام. وما عزز ذلك الشك أنّ وحدات الجيش الضاربة -خصوصًا اللواء 70 المدرع بقيادة العقيد عزت جديد، وكتيبة الدبابات بقيادة النقيب رفعت الأسد - كانت أوّل من ترك الجبهة تحت جنح الظلام.
وزير الدفاع الذي سلّم الجولان بدون طلقة رصاص هو  نفسه ملأ الأرض بشعارات تحرير فلسطين كمقدمة للوحدة العربية
والغريب في الأمر، أن وزير الدفاع الذي سلّم الجولان بدون طلقة رصاص هو  نفسه ملأ الأرض بشعارات تحرير فلسطين كمقدمة للوحدة العربية، أما المفاجأة الكبرى، هو ارتقاء وزير الدفاع المهزوم إلى موقع الرئيس، فلقد كوفئ أو كافأ نفسه بأن نصَّب شخصه رئيسًا للجمهورية وأودع زملاءه السجون حتى الموت! مفتتحًا فصلًا من المظالم لبناء مملكة الرعب ،فتحولت سوريا في عهده إلى سجن كبير،  وأبقى على علم الوحدة مرفوعًا بدون وحدة بل مع العمل ضدها، وحوَّل علاقات سوريا مع الجوار العربي إلى مستوى من العداء لم تشهده من قبل، بل أصبحت  أكثر توترًا وقلقًا من العلاقة الحدودية مع (إسرائيل). وبدلًا من صرف طاقة سوريا وإمكانياتها لتحرير أرض سوريا، جند قدراته المعززة من الاتحاد السوفياتي ضد جيران سوريا العرب، أغلق الحدود مع العراق لأكثر من عشرين عامًا، ولم يتردد في الوقوف مع إيران، الدولة الثيوقراطية، في حربها على العراق، وجند عملاءه الكثر ضد الأردن، غير أن لبنان كان الضحية الكبرى لبراثن قواته الأمنية العمياء، ليعطي أسوأ مثال للعلاقة بين بلدين عربين.
وبين هذا وذاك نسي الأرض السورية، اكتفى باحتلال لبنان بعد أن رتب الخطوط الحمر مع إسرائيل، والخطوط الخضر على مرتفعات الجولان. لكنه والحق يُقال لم يُقصر هو وخليفته من بعده، في تنظيم الخطب بإحياء ذكرى الجلاء بعد أن حول تلك الاحتفالات إلى مناسبة لإعلان الولاء للقائد الخالد.  أما الشعب السوري فكان الضحية الأول لنظام الطغمة.
لذا كانت  ثورة الشعب السوري عام 2011  عميقة وشاملة بقدر الألم والظلم والعسف الذي شملت مصائبه، الشعب السوري من جنوبه إلى شماله، ارتفع صوته الحر المليوني في آذار 2011، مطالبًا بالحرية والكرامة، مؤكدًا أن الشعب السوري واحد، رافعًا مجددًا علم شكري القوتلي، وأجيال الاستقلال، لا كرهًا بالوحدة فالسوريون هم صنّاع الوحدة، ومن مآذن دمشق صدح صوت العروبة عاليًا، بل قرَّر السوريون إنهاء المهزلة وعبث النظام (يرفع علم دولة الوحدة ويقوم بكل ما هو ضار بالعروبة والعلاقة العربية وراهنًا سوريا لدولة ولاية الفقيه في إيران)، رفع الشعب رايته مجددًا فكان بذلك صادقًا مع الواقع والمبدأ، وأوقف بذلك مهزلة الهزء بالوحدة، وأنهى هذه الفضيحة والمفارقة اللفظية والتاريخية.
وأكد السوريون على وحدة أرض الوطن شبرًا شبرًا، وعلى كرامة الشعب وحريته، وهي وصايا سطرتها قيادة نضالنا الوطني، في مقدمتها القوتلي وهاشم الأتاسي وفارس الخوري وباشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو، التي دمجت بين النضال من أجل الاستقلال والحياة الدستورية الديمقراطية، وكانت سورية سبَّاقة في تسطير دستور ديمقراطي منذ عام 1920، في مؤتمرها الوطني الجامع، سبقت فيه العديد من الدول الأوربية، ولحقتها مصر بعد ثورة 1919 بدستور 1923، فكان هذان الدستوران بمثابة الإعلان ببدء مرحلة بناء الدولة الوطنية العربية على أسس ديمقراطية، لم يستمر هذا في سوريا قطعه الاحتلال الفرنسي، واستمرت مصر بتجربتها إلى أن قطع تطورها الدستوري الوطني، نظام جديد اعتمد المركزية الاقتصادية وعلى رأسه العسكر، وقدَّم وعودًا عريضة انتهت بالنتيجة على صورة الرئيس السيسي الذي وقف وراءه القومجية ورفاق عبد الناصر وأبنائه.
لكن إذا استخدمنا المقارنات تكون تجربة سوريا مع العسكر أشد وطأه، كانت كابوسًا ممتدًا يخلو من الأحلام والوعود، فهي عسكرية ملوثة بالطائفية والتمييز الطائفي والتي توجّها النظام الأسدي بمذابح في كل الأرض السورية، ولم يكتفِ بذلك بل استقدم المستعمرين من كل صوب، استجلب إيران مع تقيحاتها الطائفية وميلشياتها التي استقدمتها من كل صوب من لبنان إلى أفغانستان، ومعها الرغبة بالاستيطان على حساب السوريين، فعمل النظام على قتل مئات الألوف من شباب ونشطاء سوريا في سجونه، وطرد نصف السوريين خارج الحدود أو داخلها خارج ديارهم ودمّر المدن والقرى والدساكر بادئًا بالأفران والمدارس والمستشفيات، ولما عجزت إيران وجيشه الذي تحول إلى ميليشيا طائفية موصفة، استقدم جيوش روسيا فدمرت الكثير مما تبقى من بناء ومدنية، وأعادت تدمير ما تدمَّر وعقدت الصفقات مع إسرائيل، وعمل النظام أيضًا على تسهيل فتح الطريق لقدوم داعش والقاعدة (النصرة) كي يوصم الثورة السورية النبيلة بالإرهاب، وليجعل المسألة الأساسية أمام العالم والنظام الدولي هي الإرهاب، فيتوارى إجرامه وراء تلك الصورة المرعبة للإرهاب. ثم أقدم على مشاركة تنظيم أوجلان الإرهابي في إدارة الجزيرة السورية، ليضع الأكراد في وجه العرب وليمهد الطريق أمام الولايات المتحدة لتركب حصان هذا التنظيم الفاشي لتقتحم أرض الجزيرة السورية، وهذا ما حصل فالرئيس ترامب بحسه التجاري المقامر وجدها مناسبة ليستخدم هذا الجسم الإرهابي للسيطرة على شمال سوريا، مع بترولها ولتحجيم دور تركيا المتنامي.
هكذا أورث النظام المجرم، السوريين بلدًا ممزقًا تتناهشه الدول الغازية، وتلطِّخ ربوعه ميليشيا مجنونة استقدمتها إيران من كل أصقاع الأرض، وإلى جانبها وفوقها قوى الاستبداد الأبدي الروسي، ومن ورائهم جيش ترامب، وميليشيا قنديل ،فحول النظام وطننا السوري إلى مسرح للغزاة والمستعمرين والميليشيات المعتوهة، فيبدو المشهد السوري العام أننا بصدد وضع استعماري أخطبوطي متطاول الأبعاد، يبدو أمامه الاستعمار الفرنسي نوع من لعب الأطفال قياسًا إلى صراع الحيتان الذي يدور على أرض بلادنا الحبيبة، فهذا النظام المجرم لم يترك نوعًا من الشر إلّا واستخدمه ضد الشعب، فوضع أمام السوريين مهام وطنية عظمى لا يحتمل القيام بها سوى الرجال والنساء الشجعان، فعلى السوريين أن يعدوا العدة لبناء إطار جامع يحضنهم كلهم، ليقود نضالهم على طريق الاستقلال والحياة الدستورية الديمقراطية، مقتدين بجيل (الكتلة الوطنية) الأوائل الذي ربط في نضاله الكبير من أجل الاستقلال الوطني بالحياة الدستورية الديمقراطية، ويشد من عزمهم أصوات موجات الربيع العربي الهادرة في الجزائر والسودان، وأيضًا حصيلة تجربة الثورة السورية نفسها ما بين نقاطها المضيئة وعثراتها، ولتكون هذه الدروس والتجارب هدايا لنا لبناء مستقبل سوريا الحرة الأبية لكل مكوناتها، وكلنا ثقة أن الشعب السوري يملك المقدرة والتجربة والحكمة الكفيلة بتذليل كل الصعاب والعثرات الجسام في طريقه لنيل الحرية والكرامة والعيش الكريم، فقد دخل العرب أخيرًا في مرحلة الانتقال العسيرة والنبيلة نحو الديمقراطية.