الرئيسة \  مشاركات  \  الثورة المضادة في سورية .. أمريكية الصنع ، روسية التنفيذ

الثورة المضادة في سورية .. أمريكية الصنع ، روسية التنفيذ

08.01.2017
مجاهد حامد الرفاعي




عندما حدثت الثورة السورية ضد الدكتاتور المدعوم أمريكيا .. وظهرت بوادر نجاحها اجتماعيا وسياسيا  .. كانت ردة الفعل الأمريكية ( بعد أن حفظت درسها من العراق ، وأفغانستان ) هي اتباع سياسة بثلاثة مسارات :
* النقد الصريح والمعلن لانتهاكات حقوق الإنسان ، والمطالبة بإصلاحات ديمقراطية .
* إرسال إشارات سرية دعم للعصابة القرداحية .
* تبحث عن نخبة بديلة  ، يمكن أن تحل محل النظام القائم  ، وتحافظ على أجهزة الدولة وأنظمتها الاقتصادية وتدعم مصالح أمريكا الاستراتيجية الامبريالية .
ففي السياسة الأمريكية .. لا توجد علاقات استراتيجية دائمة ، بل فقط مصالح امبريالية  .. أي المحافظة على أجهزة الدولة العميلة .. وعندما يقترب الخطر من مؤسسات الدولة وأجهزتها ..حينها تقوم بتدبير الاغتيالات للحكام الغير راغبين في الاصلاح أو التنحي ، او توفر لهم ملاذا آمنا بالخارج .. أو تمارس الضغوط على البعض الآخر من أجل تقاسم السلطة .. فكل من يعتقد بوجود علاقة استراتيجية بينه وبين واشنطن فهو واهم ، ومصيره إلى محرقة التاريخ .
أما عن موعد إجراء هذه التعديلات على العصابة القرداحية .. فتتوقف حسابات واشنطن على عدة معايير :
* قدرة العصابة القرداحية على الصمود في وجه الثورة الشعبية، وقمعها عسكريا قبل أن تتمكن من تغير النظام وجهاز الدولة.. سواء بتحالفها مع إيران أو حزب الله اللبناني أو روسيا .
* قدرة وقوة القوات المسلحة ، والأجهزة الأمنية وولائها .
* وجود تحالف بديل .. مرن ومطواع .. تحت مسمى ( المعارضة )  والتي هي ضد الراديكالية.
وبناءاً على ذلك كله .. فإنه لا يوجد رفض أمريكي للتواجد الروسي أو الإيراني في سورية .. بل يمكن القول بأن فيها تشجيعاً على توريط روسيا في سورية أكثر وأكثر .. وقد وعد اوباما بأن روسيا سوف تفشل في استراتيجيتها في سوريا (بمعنى أننا لن نسمح لروسيا أن تنجح في حربها في سورية) وهذا بيت القصيد .  وهو مطالبة روسيا بمقاتلة الجهاديين في سورية أولاً .. أي زيادة اشتعال النيران في سورية وتدميرها أكثر .. ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى تثبت الأسد، أو إنهاء الصراع  .. والمهمة المرجوة عند امريكا من التواجد العسكري الروسي والإيراني ان يتم استثماره لفرض حل سياسي .. يمكن أن تستخدم فيه القوة العسكرية الروسية لضرب المعارضين للحل السياسي الدولي .. أي ضرب الشعب السوري الذي يعمل لإقامة دولة سورية حديثة  ، مستقلة وحرة.
 
وفي الوقت ذاته .. فتحت واشنطن عن طريق روسيا مباحثات مع القطاعات المعادية للأسد .. سواءاً كانت مسلحة أو مدنية .. محاولة في البداية إقناعهم بالتفاوض مع القرادحة .. ومن ثم تسويق وعد من زعيم العصابة القرداحية بعدم ترشيح نفسه مرة أخرى للرئاسة .. وإذا تم رفض ذلك كله .. تتحرك عندها واشنطن بحزم للتضحية بزعيم القرادحة مقابل الحفاظ على الدولة ومؤسساتها .. ما دام أن الخيار البديل المطروح على الطاولة .. هو المعارضة المصطنعة والمخترقة .
وبعد ذلك تبحث واشنطن عن صياغة سياسية بديلة .. بحيث يتم ازاحة الرئيس  ، مع الحفاظ على السلطة السياسية لجهاز الدولة وتقويتها .. مع دمج بديل منتخب او متفق عليه ، كوسيلة لتفريغ حماس الثورة الشعبية الهائلة دون تبلور توجهات راديكالية لها .. وبالتالي فإن واشنطن بحاجة الى إقناع قوات الأمن وكبار جنرالات الجيش بالتخلي عن الرئيس والاطاحة به .. مع أنهم مدينون له بالولاء التام ، بسبب أنه هو من سمح لهم بتكوين ثروات طائلة وهائلة في عهده ، وتحكمهم في كبرى الشركات التجارية التي تدر عليهم الأرباح الهائلة .. ومن بعد اقناعهم بذلك .. يأتون بنظام جديد يمتص غضب وحماسة الجماهير ، ويجري انتخابات تأتي بمسئولين يتبعون الخط العام للنظام السابق .. بحيث لا يسألونهم عن ميزاتهم المالية والاقتصادية ... أي ( سورية الأرنب ، من دون الأرنب ) .
وهنا تدخل ( الثورة ) مرحلة حاسمة وخطرة .. بحيث يحدث تنافس على السلطة بين جميع القوى التي لحقت بالثورة والتي لا علاقة بها أساسا ( بحيث ضمت المتعاونين مع النظام ، والمتواطئين مع أمريكا ، والمتسلقين )وبين ممثلي الثوار ، والاشتراكيين ، والديمقراطيين ، والإسلاميين ، وشيوخ العشائر .
ونظرا لافتقاد هذه القوى لقيادة قومية ، او تنظيم سياسي .. فإنها سوف تفشل بالوصول إلى السلطة ، وتحقيق مطالب الثوار الحقيقيين .. وبالتالي فإن أحد القيادات الأمنية العليا التي هي صنيعة النظام السابق سوف تكون المرشحة للسلطة من خلال مجلس عسكري يحدد مسار العملية السياسية كما هو مخطط لها .. بحيث تحمي الثروات المنهوبة لأتباع الرئيس السابق وضمان عدم المطالبة بها ، وكذلك حماية المصالح التجارية والشركات لكبار الجنرالات .. والأهم من ذلك كله ضمان التبعية لواشنطن .
وبمجرد سقوط الديكتاتور .. يحتفل القائد الأمني ، والمعارضة الزائفة بنجاح الثورة .. ومن ثم العمل سريعا على تسريح الحركة الثورية ، وتقويضها .. من أجل التمهيد لإجراء التفاوضات بين السياسيين الليبراليين ، وواشنطن ، والمجلس العسكري الحاكم .. من أجل تشكيل انتقال سياسي يتوافق مع أهواء واشنطن ومصالحها الامبريالية .
وفي الختام : نذكر ونحذر من لديه بقية من ذاكرة ووعي أن بعض الغلمان اليوم .. ينحون منحى غلمان الثمانينات في العبث بمصير الثورة السورية المظفّرة .. عندما أذعن حافظ أسد لقوة الحالة المناهضة له يومئذ ، وأرسل يطلب التفاوض.. وقرر القائمون على أمر الحالة السورية إذاك التجاوب مع رضوخ الطاغية الهالك.. وكُتب مشروعٌ للتفاوض ووضعت خطةٌ لآلياته واعتمد ذلك من المؤسسات المعنية.. واختيرَ فريقٌ التفاوض للمرحلة الأولي.. وعينَ الهالكُ حافظ أسد رئيس مخابراته إذاك رئيساً لفريقه للتفاوض.. واتُفق على المكان.
والمفاجأة الذهبية التي ما كانت لتخطر على بال حافظ أسد.. هي أن موفده للتفاوض عندما وصل للمدينة الأوروبية المضيفة للتفاوض.. وجد نفسه أمام طوابير تنتظره كل يريد الحوار والتفاوض معه..؟؟أولها طابور الفريق المعتمد.. وثانيها طابور فريق يمثل تنظيماً آخر.. وثالثهما طابور فريق شيوخ المناهضين.. واحتار الموفد القرداحي مع من يتحاور ومع من يتفاوض ..؟؟؟ ومن حقه أن يَحار ويحتار .. والتقى الجميع ، ولعب ما شاء له أن يلعب على أوراق التنافس (..) وعاد إلى سيده ( برأس كليب) وليقول له بالشامي: (هدول طلعوا خروء سيدي) واستأسد الأرنب من جديد وحشد قواه.. وشطب من دماغه وباله رقماً كان يحسب له حساب.. واستتب له الأمر وقرر أن يتحول بسورية إلى مملكة قرداحية يتوارث أبناؤه حكمها من بعده وقد كان.
واليوم وقد أورقت من جديد شجرة دماء الشهداء الذين حرروا سورية وبنو صروح استقلالها وكرامتها وشموخها الحضاري منذ مطالع القرن المنصرم وما بعده .. وها هي ثورتهم المباركة تستأنف مسيرتها وتلقي بظلالها الوارفة على أرجاء سورية كلها .. وهاهم فرسانها بكل إخلاص يردون تحية الوفاء لمن قضوا من قبل في سبيل الله من أجل تحرير سورية واستعادة كرامتها وسيادتها.. وأمام هذا الزحف الهادر المصمم على التغيير والتحرير والتطهير الكامل الشامل .. يخرج علينا من جديد غلمانٌ يريدون أن يعبثوا بدماء الشهداء كما عبث بها رفاق لهم من قبل ..
ولكن هيهات ..هيهات .. هيهات . فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ..فقد وعيت الأجيال الدرس تماماً ، وهناك قيادات راجعت تجربتها بدقة وموضوعية.. وأعادت حساباتها ونهج تعاملها مع الموازنات الإقليمية والدولية بهدوء وروية بعيداً عن الأضواء والتسابق الدنيوي واستعجال قطف الثمر قبل أوانه.....