الرئيسة \  مشاركات  \  الثورة السورية ولعبة شد الحبل بين إيران وتركيا

الثورة السورية ولعبة شد الحبل بين إيران وتركيا

25.08.2016
د. محمد أحمد الزعبي





السؤال المتكررالذي بدأت أسمعه منذ زيارة أردوغان إلى روسيا وتبادل الزيارات بين وزيري خارجية تركيا وإيران هو : هل ستغير تركيا موقفها من دعم الثورة السورية ؟ وبالذات من رحيل بشار الأسد ؟.إن جوابنا على هذا السؤال المركّب الذي ورد أعلاه ، يجب ألّا يتوقف عند حدود ال " نعم " أو ال " لا " وإنما لابد أن يتجاوزهما إلى " لماذا ؟" . إن مانعتقده نحن هنا ، وكإجابة أوليّة ، هو أن تركيا لن تغير موقفها الإيجابي من ثورة آذار 2011 السورية ، ولا من ضرورة رحيل بشار الأسد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو " لماذا ؟" وهو مايشكل موضوع هذه المقالة.
عندما جاء بوش الإبن بجحافله البشرية والتكنولوجية من مغارب الأرض إلى مشارقها لكي تحتل بلدا عربيا صغيراً ( بالمقاييس الديموغرافية والجغرافية ) هو " العراق " عام ٢٠٠٣ ، كان ذنب حكامه الوحيد يومها ، هو محاولتهم الجادة أن يرتقوا ببلدهم العراق من بلد متخلف يأكل ويشرب ويلبس مما ينتجه الآخرون ( الغرب خاصة ) إلى شعب متطور يأكل ويشرب ويلبس مما تنتجه عقول وأيادي أبنائه وبناته أنفسهم ، الأمر الذي سيجعله يتحول من بلد مستهلك إلى بلد منتج ، ويجعله بالتالي في غنى عن استيراد حاجاته من الدول الأخرى والتي هي غالباً الدول " الاستعمارية " ، ومن بينها الدولة التي يرأسها السيد بوش الإبن نفسه ، والتي غزت العراق عام 2003 .
لقد أتيت بمثال العراق هنا لكي أشير ، إلى أن الإمبريالية العالمية قد دأبت منذ القرن التاسع عشر على وضع العصي في عجلة تطور بلدان العالم الثالث ، ومنها وطننا العربي ، الذي تمثلت العصي التي وضعوها في عجلات مسيرته التطورية والتنموية بـمثلث التجزأة ( سايكس ـ بيكو ) وإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين ، وخلق شبكة من الرؤساء وشيوخ العشائر العملاء الذين يتقاسمون اليوم مع الدول الإمبريالية ثروات أوطانهم ، وعرق جبين أبناء وطنهم .
إن إقدام الدول الإمبريالية على تأهيل حافظ الأسد في ستينات القرن الماضي للهيمنة الكاملة على السلطة في سورية عام 1970 ،وتوريثها من بعده لولده بشار، إنما يدخل ـ بتقديرنا ـ في إطار هذهالعملية الاستعمارية الخبيثة التي ينفذونها في سوريا ، ذلك أن هذه العائلة الأسدية ممثلة بالأب والإبن ، قد أثبتت عملياً وعلى مدى نصف قرن من الحكم قدرتها وبكفاءة عالية على تنفيذ السياسة الإمبريالية في المنطقة العربية وخاصة السياسة المتعلقة بمهادنة الكيان الصهيوني (تمهيداً للاعترا ف به والتطبيع معه ) ، وبمحاربة التيارين : القومي والإسلامي في سورية . وبموجب رؤيتنا الشخصية ، فإن سياسة حزب العدالة والتنمية الديموقراطية والإسلامية في تركيا لا يجمعها جامع موضوعي مع سياسة نظام عائلة الأسد الديكتاتوري والطائفي في سوريا ، بالرغم من بعض المظاهر السياسية التي طفت على سطح الأحداث في المنطقة مؤخراً والتي حملت معطيات جديدة في العلاقات بين مثلث تركيا إيران موسكو ، وإمكانية انعكاس هذه العلاقات على موقف هذه الدول الثلاث من الصراع بين النظام المدعوم من روسيا وإيران ، والمعارضة المدعومة من تركيا .
لا يجهل الكاتب - بطبيعة الحال - مايقرره عادة بعض " المحللين الاستراتيجيين !!" الذين كثيراً مايظهرون على صفحات الجرائد و/ أو الفضائيات ، من أسبقية المصالح على المبادئ في السياسة الدولية المعاصرة . إن ما نعتقده نحن في هذا الموضوع ( والله أعلم ) أن المصالح والمبادئ توأم متلاصق يصعب فصله لانظرياً ولا عملياً ، لأنه عبارة عن جسدين بروح واحدة . وبالتالي فإن سياسة " إما ... وإما " قد لاتكون مصيبة ولا صحيحة في هذا المقام . إن تمسك حكومة العدالة والتنمية بمبادئها وقيمها الوطنية والإسلامية ، لا يلزمها ـ وفق رؤيتنا ـ أن تتخلى عن مصالحها ، ولا سيما الاقتصادية منها ، سواء مع روسيا أو مع إيران والعكس بالعكس . ولعل جوابنا ب " لا " على السؤال المطروح أعلاه ( هل ستغير تركيا موقفها من دعم الثورة السورية ؟ ) إنما يدخل في إطار هذا التصور للدور الإيجابي المبدئي الذي لعبه ( وربما سيلعبه ) حزب العدالة والتنمية في دعم ثورة الربيع العربي السورية ، بغض النظر عن بعض التصريحات الظرفية لهذا المسؤول التركي في حكومة و/ أو حزب العدالة والتنمية أو ذاك .
 إن لعبة شد الحبل بين تركيا وإيران على الأرض السورية ، هي واقع الحال لعبة غير متكافئة ذلك أن الدور الإيراني هو دور طائفي ، مؤيد ومسنود من الدول الاستعمارية الكبرى ( أمريكا وروسيا بصورة أساسية ) ومن بعض الأقليات العربية والسورية ، والذين تلتقي مصالحهم جميعا في ـ على مانرى ـ محاربة كل من العروبة والإسلام ، سواء تحت مسمىً " محاربة الإرهاب " ، أو تحت أي مسمى آخر تختزنه بنوك معلوماتهم .
إن الإرهاب ظاهرة اجتماعية عيانية سلبية ومدانة بدون شك ، وآخر ماشاهدناه من سلبياتها هو التفجير الإنتحاري يوم أمس الأول في تركيا ، والذي زاد عدد ضحياه عن الخمسين مواطناً تركياً بريئاً. ولكن لابد من الإشارة هنا إلى وجود إرهاب آخر غير إرهاب داعش هو " إرهاب الدولة " ، إرهاب من قسّم و يقسّم هؤلاء الإرهابيين إلى سنة وشيعة ، وعرب وكرد ويمدهم بالمال والسلاح ، بل ويمد بعضهم بالإضافة إلى المال والسلاح بالحماية الإعلامية والعسكرية (!!) . نعم إنها مؤامرة مكتملة الأركان والشروط ضد العروبة والإسلام وإن لعبة شد الحبل بين إيران وتركيا في سوريا هي واقعياً لعبة الصراع بين الحق والباطل ، وليس في تصورنا أن بمقدور الباطل ، الذي يمثله نظام ولاية الفقيه في طهران ، يمكنه أن ينتصر على الحق ، الذي يمثله نظام حزب العدالة والتنمية ، مهما تنوعت عمائم وعباءات أصحابه ، ومهما تنوعت طائرات ودبابابات أنصاره ، ومهما ازداد عدد قواته أتباعه ، ومهما كان عدد وإمكانات جنرالاته .
لقد قامت حكومة حيدر العبادي الطائفية يوم أمس ، بإعدام 36 " محكوماً بالإعدام !!" من قبل قضاة أتباع ولي الفقيه في طهران الذين يعلقون فوق رؤوسهم لوحة " العدل أساس الملك " المكتوبة باللغة الرسمية لدولة العبادي ( اللغة العربية ) ، والتي ربما لايستطيع قضاته الطائفيين قراءتها بهذه اللغة .
ومع كل هذا ، بل وبالرغم من كل هذا ، فإننا نقول لإخوتنا في الدين والإنسانية في طهران ( إنما المؤمنون إخوة ): الحق أحق أن يتبع أيها الإخوة ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل . وإذا كان للباطل جولة ، فإن للحق جولات .
اسحبوا قواتكم هي وقاسم سليماني معها من سوريا ، وأوقفوا تعاونكم مع من يحتل هذا البلد العربي بالاتفاق المخجل والمخزي مع عميلكم وعميلهم بشارالأسد ،ونعني بهم " الروس " . واعلموا أن التاريخ لن يرحم من خان ويخون شعبه ، و أمته ، ودينه ، وأيضاً من ساعده ويساعده على اقتراف هذه الخيانة . فالطائفية صنو الإرهاب ، وحاضنته ، ومرضعته بدماء الأبرياء ،وهما ( الطائفية والإرهاب ) مرفوضان ومدانان من أي وعاء خرجا .