الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية الاستثنائية في ذكراها العاشرة

الثورة السورية الاستثنائية في ذكراها العاشرة

29.03.2020
د. أحمد موفق زيدان



العرب القطرية
السبت 28/3/2020
كان النظام السوري على مدى تاريخ السلالة الأسدية استثناء في كل شيء، طريقة تعامله الدموية الرهيبة مع من يُفترض أن يكون شعبه، وطريقة تعاطيه مع خصومه وأعدائه، والتحول مائة وثمانين درجة بين ليلة وضحاها، كما حصل في وقوفه مع الأميركيين بحرب العراق الأولى، إضافة إلى سياسته بقتل المعارضين في الخارج، فضلاً عن استدعاء ميليشيات طائفية واحتلالات أجنبية للبقاء في السلطة، ولو كان ذلك على حساب مليون شهيد، وتهجير 12 مليون شخص، وتدمير أكثر من 70% من البلاد.
في هذا المقال، وفي الذكرى العاشرة للثورة السورية التي دخلتها في مارس، نودّ رصد الاستثناءات المهمة للثورة السورية، والتي يقف على رأسها صمود الثورة والثوار على الرغم من استخدام النظام ومشغليه الروس والإيرانيين لسلاح الدمار الشامل، وسط صمت العالم ومراقبته لأول مرة ربما، في حين كل العلوم العسكرية والخبرات القتالية السابقة، تتحدث عن أن أي جيش أو شعب يتعرض لسلاح دمار شامل يرفع الراية البيضاء ويعلن استسلامه، وقد حصل هذا في غير مكان وغير موطن، وبالتالي فإن سلاح التدمير الشامل هو سلاح آخر الدواء الكيّ، وسلاح لفرض الاستسلام بالقوة، ولكن بالرغم من استخدام النظام للسلاح الكيماوي عشرات المرات، فإن الشعب السوري واصل قتاله وتحديه للنظام ولمشغليه المحتلين، ولا يزال يصرّ على الحرية.
أما الاستثناء الثاني المهم فقد انهارت الجغرافيا في القرن الماضي أمام سلاح التدمير الجوي، فكان انتصار قوى التحالف الدولي في حرب العراق الأولى عام 1990، وإعلان هزيمة نظام صدام حسين بفعل الغارات الجوية الرهيبة، والأمر نفسه حصل بعدها بسنوات في البوسنة والهرسك عام 1998، ليعلن لاحقاً عن هزيمة ميلوسوفيتش، وتكرر هذا في حرب العراق الثانية من عام 2003، حين تم استخدام التكتيك الجوي نفسه، وسبق هذا حرب التحالف الدولي على أفغانستان عام 2001، حين انهارت حكومة "طالبان" الضعيفة عسكرياً أمام طائرات البي 52 العملاقة، وإن كانت "طالبان" قد سعت لاحقاً إلى اللجوء لحرب عصابات طويلة الأمد، ففرضت بعض شروطها بعد مرور 18 عاماً على تلك الحرب، لكن هذه الحرب الجوية التي أفلحت ضد كل من استخدمت بحقه فإنها لم تفلح في القضاء على الثورة السورية، رغم استخدامها لتسع سنوات من قبل النظام السوري ومشغليه الروس والإيرانيين، ومع هذا فشل الجميع في تركيع الثورة السورية.
الاستثناء الثالث طريقة التعاطي الشعبية والثورية مع تهديد "داعش"، حيث شنّت الفصائل الثورية بأطيافها وألوانها كافة حرباً شعواء على هذا التنظيم، الذي دفعت الثورة أثماناً باهظة لظهوره، وبدعم مجتمعي قلّ نظيره، وهو ما ساعد على القضاء عليه والتخلص منه، وتحديداً في الشمال السوري المحرر و المجاور لتركيا، فكان قضاء مبرماً لم يكلف الشعب هناك كثيراً كما كلف الشعب الأكثر في المناطق الشرقية، حين أعلن التحالف الدولي الحرب على التنظيم، فدفع مئات الآلاف من الأهالي وربما أكثر، ثمناً باهظاً بتدمير بيوتهم وإخلاء قراهم، وهو ما لم يحصل مع الشمال السوري المحرر.
ويأتي الاستثناء الرابع وهو الأهم، بقدرة الفصائل الثورية السورية حتى ممن كان محسوباً على تنظيم القاعدة، على الانفكاك منه والابتعاد عنه، مما قطع الطريق على المتذرعين بقتال الشعب السوري تحت هذه الذريعة، وهو ما استقبله الغرب إيجابياً بإرسال وفوده إلى الشمال المحرر الذي كان متهماً قبل أيام بالسواد، وقد حقق هذا ربما لأول مرة نقلة نوعية في الحرب على ما يوصف بالإرهاب، بنقل معركة الغرب من الحرب على الإرهاب السني المسلح إلى الحرب على جماعات طائفية كما حصل بالاستهدافات الأميركية والإسرائيلية من قبل بحق هذه الجماعات في سوريا والعراق، ساعد في ذلك النجاح القطري الأخير في الوساطة الأميركية-الطالبانية بالدوحة، ووقف الحرب التي كانت أسّ وجوهر الحرب على ما يوصف بالإرهاب السنّي.