الرئيسة \  مشاركات  \  التفكير: بين الحقّ والواجب ، والنعمة والنقمة ، والعجز والعبث !

التفكير: بين الحقّ والواجب ، والنعمة والنقمة ، والعجز والعبث !

25.07.2018
عبدالله عيسى السلامة




عقول البشر: مهمّتها التفكير، الدائم ، بتوجيه من أصحابها ، أو بغير توجيه !
والتفكير- من حيث هو تفكير- سهل ؛ فهو العمل الدائم لعقولنا، دون إرادتنا ! وماليس سهلاً، هو التفكير المجدي ، في حلّ الأمور الصعبة، التي تدَع الحليم حيران !
والعقول  تفكّر، دائماً ، سواء : أقصَد أصحابّها ، أم لم يقصدوا ، وسواء أوجّهوها ، أم اتجهت بنفسها ! بل، حتى حين يوجّهها أصحابها ، في اتجاهات معيّنة ، قد تشرد ، في اتجاهات غيرها ؛ كما يحصل ، كثيراً ، في الصلاة ؛ إذ يَشرد العقل ، إلى التفكير، في معان بعيدة ، عمّا يريده أصحابها ، لها ، بينما يريد ، لها ، المصلّون ، التقيّد بمعاني الصلاة ، من حيث : أقوالُها وحركاتُها ! وقد ينسى المرء ، عدد الركعات التي صلاّها ، أو بعض حركاتها، الموجبِ نسيانُها، لسجود السهو !
والعقل يَختنق ، إذا حُرم من التفكير، كما يختنق الجسم ، إذا حُرم من التنفّس ، مع الفارق ، بين اختناق واختناق !
ولمّا كان العقل، هو العنصر الأساسي ، الذي يَميز الإنسان ، عن سائر الحيوانات ، فقد أعطى الإنسانَ ، قيمته الإنسانية ، وأعطاه حقوقاً ، ليست لغيره ، من سائر الحيوانات ، نابعة من حقّ التفكير، مثل : حقّ التعبير، وحقّ الاختيار، بين الأشياء ، والمواقف ، والعلاقات ، وغيرها ! ويتحمّل مسؤوليته ، عن اختياراته ، النابعة من حقّ التفكير! ولو مُنع من التفكير، أو مُنع ، من ممارسة حقّ الاختيار، لسقط عنه التكليف ؛ كما لو كان عاجزاً ، عن التفكير السويّ ، بسبب مرض فيه ، أو خلل في العقل ، أو نحو ذلك !
وإذا كان للعقل، حقّ التفكير، وعلى الإنسان واجبُ، تحمّلِ المسؤولية ، النابعة من حقّ اختياره ، النابع من حقّه في التفكير.. فإن للعقل حدوداً معيّنة ، لا يستطيع تجاوزها ؛ بسبب قصوره ، عن إدراك أمور كثيرة ، ليس مهيّأ ، للتفكير بها ، ولا مؤهّلاً ، لهذا النوع من التفكير ؛ كالتفكير بذات الله ، مثلاً ، وهو الذي قال ، عن نفسه : (ليس كمثله شيء) ! فأيّ شيء ، يفكر فيه الإنسان ، لا بدّ ، أن يكون لديه ، تصوّر عنه ! والله - جلّ شأنه - لايمكن تصوّره ، لأيّ عقل بشري ، لذا ؛ يّعَدّ أيّ نوع ، من التفكير فيه ، ضلالاً ، أو يؤدّي إلى ضلال !
بَيدَ أن الإنسان ، مندوب إلى التفكير، بل مأمور به ، مِن قِبَل مَن وهبه العقل ؛ فهو واجب عليه، كما هو حقّ له ! وإذا امتنع ،عن ممارسة هذا الواجب ، يتحمّل مسؤولية كبيرة ،عن امتناعه هذا: في الدنيا ، يحدث له خلل كبير، في حياته الإنسانية .. وفي الآخرة ، بحاسبه ربّه ، على تعطيل عقله ، عن التفكير: فيما خلقه الله ، من مخلوقات .. وفيما أمر الله عباده ، به ، من تكليفات !
على أن الأمور، التي تحتاج ، إلى : خبرة ، أو معرفة ، أو تخصّص..لايجوز للعقل ، اقتحامُها، مجرّداً ، من : الخبرة ، أو المعرفة ، أو التخصّص ؛ وإلاّ أفسد فيها ، كثيراً ، لاسيّما الأمور، المتعلقة : بحياة الناس ، أو بدينهم ، أو بصحّتهم ، أو بتشييد أبنيتهم ، أو بتعليم أولادهم ، أو بصناعة قراراتهم : السياسية ، والاقتصادية ، والعسكرية .. وغير ذلك !
وإذا كانت التكنولوجيا الحديثة ، مَنحت الإمكانية ، لكلّ مَن هبّ ودبّ ، للخوض ، في المسائل المعقدة ، أو التي تحتاج ، إلى علم ، أو خبرة .. فإن هذا لايعني شيئاً ، سوى الفوضى ، التي تشوّه عقول الناس ، وقلوبهم ، وحياتهم ، كلّها !
فما أكثر مانرى ، على شاشات الفضائبات ، وفي صفحات النتّ ، الجَهلة ، يُفتون في الدين ، أو في السياسة ، أو في الاقتصاد ! بل ، ما أكثر مانرى المشرفين ، على هذه الوسائل التقنية ، يَحضّون بعض الجهلة ، حضّاً ، على إبداء آرائهم ، في المسائل التي يجهلونها ! ولكلّ ، من هؤلاء المشرفين ، أهدافُه الخاصّة ، مِن حضّ الجهلة ، على الإفتاء ، بما لاعلم لهم به .. ويندر أن يرى العاقلُ ، بينَها ، هدفاً نبيلاً !