الرئيسة \  مشاركات  \  البعد القومي لثورة آذار 2011 السورية

البعد القومي لثورة آذار 2011 السورية

26.11.2014
د. محمد أحمد الزعبي





1.لفت نظري في الأيام والأسابيع الأخيرة ، فيض الكتابات والكتاب ، حول ثورة آذار 2011 السورية ، من حيث قرب توصل الدول الكبرى ، ولاسيما أمريكا وروسيا ، إلى حل متفق ومتوافق عليه بين طرفي الصراع ، أي بين النظام السوري (ببشار أو بدونه) والمعارضة السورية ( ممثلة ببعض الشخصيات من داخل الائتلاف وخارجه ).مايلفت النظر في ذلكالفيض من الكتابات ، هو مسألة " القصور النظري والأيديولوجي " عن رؤية اشكالية الثورة السورية من جميع جوانبها ، ومن مختلف أبعادها وزواياها . فالثورة السورية هي ثورة شعب أعزل ، لخصت الثورة مطالبه المشروعة ( باعتراف بشار الأسد نفسه ) بكلمتين اثنتين هما : الحرية والكرامة، ذلك أن حكم عائلة الأسدين الطائفي، قد احتكر لنفسه أعمدة القوة الثلاثة المعروفة : السلاح والمال والإعلام، انتظاراً لمقدم هذه الثورة ،التي ـ وبسبب وضعه غيرالشرعي ـ كان يدرك هو وعائلته وأتباعه أنها قادمة ذات يوم لامحالة . وفي إطار استخدامه لسلاح الإعلام ، لجأ النظام ومنظريه ، لتبرير وضعهم غير الشرعي ، إضافة إلى الكذب والتزوير والتضليل ، إلى الهروب من المأزق ، تارة إلى الأمام ، وتارة إلى الوراء ، تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال ، تارة إلى الغرب وتارة إلى الشرق ، وقد كانت نتيجة هذا الهروب المدروس والمتفق عليه ، نصف قرن من " مكانك راوح " ، ومن التداول الوراثي للسلطة .
2.إن ماينبغي قوله في هذا المقام ، أن بعضاً من أجنحة المعارضة ، قد وقعت في فخ أيديولوجية النظام ، وإن بصورة مختلفة ، من حيث أن التيار الإسلامي عامة ، وجماعة الإخوان المسلمين خاصة ، كانوا واقعياً هم الأعداء رقم واحد للنظام ، وما زالت ترن في أذني جملة بشار الأسد التي قالها قبل حوالي العامين : لقد حاربناهم طوال خمسين عاماً (يقصد الإخوان ) وسنبقى نحاربهم.
ولكنالإخوان بدورهم قد أداروا ظهرهم للتيارالقومي العربي ، ولا سيما المجموعات التي شردها وقمعها وسجنها حافظ الأسد ، سواء قبل استيلائه على السلطة عام 1970أو بعده ، وذلك بحجة علمانيتهم أو بعثيتهم أو ناصريتهم . إن بعض المحاولات العابرة من قبل الإخوان ، لتعاملهم الإيجابي مع بعض رموز هذا التيار لايغير من حقيقة موقفهم السلبي من مجمل هذا التيار شيئاً . إننا لاننكر هنا أيضاً أن قسماً كبيراً من التيار القومي ( البعثيون والناصريون بصورة أساسية ) ، قد اختزن في شعوره ولاشعورهموقفاً سلبياً لامبرر موضوعي له من التيار الإسلامي ، الأمر الذي وجد انعكاسه في موقف الطرفين ( القومي والإسلامي ) السلبي المؤسف من بعضهما بعضاً ، سواء في إطار ثورة آذار 2011 ، أو خارجها .
أما التيار اليساري ( الأممي )، فقد كان معارضاً لكل من النظام والإخوان المسلمين والتيار القومي العربي على حد سواء ، وبطبيعة الحال ، فإن موقف المعارضة القومية والإسلامية من هذه المجموعات اليسارية ، لم يكن بأفضل من موقف هذه المجموعات من هذه المعارضة . ولقد استغلت كل من روسيا وأمريكا هذا الوضع ووظفته في إطار مشاريعها لشق صفوف المعارضة ، بداية بتشكيل الإئتلاف كبديل للمجلس الوطني ، ونهاية بشق الائتلاف نفسه إلى" متطرفين و معتدلين " ! ، ( كما هي الحال اليوم ) وذلك على أساس القرب أو البعد من المبادراتالقديمة والمتجددة والجديدة ، التي يجري طبخها في الكواليس بين كافة الأطراف المعادية لثورة الحرية والكرامة ، بل ولثورات الربيع العربي بصورة عامة ، وذلك على المستويات الدولي والإقليمي والعربي .
3.إن دور بعض مثقفي السلطان ( بمن فيهم بعض رجال الدينين الإسلامي والمسيحي ) في محاولة تشويه الثورة السورية ، وإبعادها عن حقيقة كونها ثورة شعبية تهدف إلى الحرية والكرامة ، وبالتالي  
إلى إعادة سوريا إلى دورها القومي الإيجابي المعروف ، وإظهارها في صورة مؤامرة عصابات مسلحة (حدد بشار في آذار 2011 عددها بـ 64000 إرهابي ، ثم رفع العدد لاحقاً إلى المليون / هي مليون ولكننا نقول ملايين !!ثم جاءت داعش لتزيد في الطنبور نغماً )، إنما هو دورمدروس ، وربما مدفوع الأجر بالبترودولارأوباليورو أو بهما معاً ، من أجل عرقلة ومن ثم وقف وقف وتشويه ثورات الربيع العربي ولاسيما في مصر والعراق وسورية .
4.إن ترويجالبعض ولاسيما "محبكجية " نظام الأسد لشعار" سورية وبس!" أو" أنا سوري ويانيالي!" ، إنما يصب عملياً في طاحونة سايكس ـ بيكو، أي عملياً طاحونة " سورية الأسد "!! (على حد وصف البعض) ، ولقد وصل هذا الترويج المشبوه ، إلى أن بعض أطراف المعارضة قد ارتأىـوهذا مع الأسف الشديد ـأن تحذف كلمة "العربية" من إسم" الجمهورية العربية السورية " ، إرضاء لبعض الأقليات السورية غير العربية . وأقول من جهتي كمواطن عربي سوري لهؤلاء الإخوة من غير العرب:إن من لايقبل أن يكون مواطناً في جمهورية تحمل اسم الجمهورية العربية السورية فليسمح لي أن أقول له : إننا سنظلّ جميعاً وبالرغم من ذلك إخوة في الإنسانية وشركاء في الوطن والمواطنة ، وستظل لكل منا رؤيته الخاصة ، التي من حقه أن يدافع عنها .
5.يفرق السوسيولوجيون (علماء الاجتماع )عادة بين مفهوم " الفرد" ومفهوم " الشخص " من حيث أن الأول مفهوم إحصائي رقمي ، في حين أن الثاني مفهوم إجتماعي تكويني ، يظل هذا الشخص بموجبه عرضة للتطوروالتغير اللذين تفرضهما عوامل الزمان والمكان مادام هذا الشخص على قيد الحياة . إن ماينطبق على الأشخاص هنا ، إنما ينطبق أيضاً على المجتمعات ، حيث عبر عن ذلك احد الفلاسفة بقوله ، إن المجتمع يشبه شخصاً في حالة نمو وتطور دائمين . وإذا كان علم النفس يطلب منا في دراستنا لسلوك الأفراد / الأشخاص ، ان ندرس ماضيهم ( مرحلة تكونهم في رحم أمهاتهم ، ومن ثم مرحلة طفولتهم ، فشبابهم ، الخ ) لكي نفهم حاضرهم ومستقبلهم ، فإن علم الإجتماع ومعه الفلسفة إنما يطلبان منا بدورهما ، أن ندرس ماضي هذه المجتمعات ، لكي نفهم حاضرها ، وأن ندرس حاضرها لكي نستطيع التكهن بمستقبلها . إن الماضي والحاضر والمستقبل إنما تمثل مقولة جدلية واحدة ، أو بتعبير هندسي ، تمثل مثلثاً ( متساوي أو مختلف الأضلاع ) قاعدته الحاضر وضلعاه الآخران الماضي والمستقبل . حقاً إن العنصر الأساس في أي مثلث هو قاعدته (الحاضر)، ولكن التضحية بأي من أضلاع هذا المثلث ، إنما هي تضحية بالمثلث كله ، أي بأضلاعه الثلاثة .وغني عن الإشارة إلى أن مثل هذا التصور البيولوجي ـ الهندسي ، لايجمعه جامع لامع نظريات الدورات الحضارية ، ولا مع علم الإجتماع الميكانيكي ، إنه منهج جدلي علمي أقرب إلى هيغل وماركس منه إلى أي منهج سوسيولوجي آخر .
6. تمثل العروبة والإسلام ، من وجهة نظرنا ، وجه الميدالية وظهرها ، وإذا ماخطر للبعض أنه يمكنه أن يمسح أحد وجهيها دون الإضرار بقيمتها المادية والروحية ، فليسمح لي أن أستخدم حيال تصوره الخاطئ هذا حق " الفيتو " ، ذلك أن قيمة أية ميدالية ذهبية ، إنما هي بما هو مرسوم ومكتوب على وجهيها معاً، وبالتالي فإن التضحية بأحد الوجهين إنما هو تضحية أيضاً بالميدالية كلها ، وخروجها بالتالي من عالم التداول الاجتماعي والمجتمعي ، إلى عالم المتاحف الأثرية ،
إن الإشكالية النظرية والعملية التي تطرحها العلاقة الجدلية بين العروبة والإسلام ( تبادل التأثّر والتأثير أفقياً وعموديّاً )، إنما تتماهى واقعياً مع جدلية " التراث والمعاصرة " وهوماينبغي أنيصب في طاحونة الحاضر، وبالتالي في طاحونة الحداثة والتنمية ، والخروج من حلقة " التخلف" الشيطانيةالمفرغة إلى عالم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان . إن التفاعل الإيجابي بين العروبة والإسلام إنما يصب في مصلحة الطرفين ، وإن على من يرفع شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " رعاية وتشجيع هذا التفاعل، قبل فوات الأوان .