الرئيسة \  تقارير  \  الاختفاء القسري يتحول إلى ظاهرة وابتزاز

الاختفاء القسري يتحول إلى ظاهرة وابتزاز

22.04.2024
حسام محمد




الاختفاء القسري يتحول إلى ظاهرة وابتزاز : سوريا من أسوأ الدول على مستوى العالم في إخفاء مواطنيها والنظام يتصدر قائمة الانتهاكات
حسام محمد
القدس العربي
الاحد 21/4/2024
هدأت أصوات المدافع وهدير الطائرات في سوريا مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن المواطن لا يزال مستهدفا من قبل عدة جهات في البلاد بأساليب وأدوات أخرى لا تقل خطورة عما كان ينتج عن القذائف والصواريخ، فعمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري تأخذ منحى تصاعديا ما بين فترة وأخرى، مستهدفة كل من ينتقد أو حتى يفكر بالانتقاد، ولا تتوقف هنا، بل تتوسع لتطال النساء والأطفال للمساومة عليهم طمعا بالمال تارة وبالابتزاز تارة أخرى.
منظمة العفو الدولية، تعرف المختفون قسريا على أنهم أشخاص اختفوا فعلياً بعيداً عن أحبائهم ومجتمعهم. ويختفون عندما يقبض عليهم مسؤولو الدولة (أو أي شخص يعمل بموافقة الدولة) من الشارع أو من منازلهم ثم ينكرون ذلك الأمر، أو يرفضون الكشف عن مكان وجودهم. ففي بعض الأحيان، قد يقوم بعمليات الإخفاء عناصر مسلحة غير تابعة للدولة، مثل جماعات المعارضة المسلحة. والإخفاء يعد دائماً جريمة بموجب القانون الدولي.
وفي سوريا، فالنظام الذي يتزعم قائمة مرتكبي الجرائم والانتهاكات في البلاد، ما زالت أجهزته الأمنية في أوج أنشطتها التعسفية بحق المواطنين، في سبيل تعزيز سلطة رئيس النظام بشار الأسد، خاصة أن حكومته عاجزة أو رافضة لإجراء أي إصلاحات في البلاد ما عدا تلك التي تصب في خانة بسط النفوذ بقوة السلاح والترهيب في سبيل منع أي آراء ناقدة أو مناهضة للأسد أو حتى تلك التي تشتكي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
شهر آذار/مارس المنصرم، شهد بدوره تصاعد وتيرة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سوريا، في حين وثقت مصادر حقوقية سوريا ما لا يقل عن 203 حالة احتجاز تعسفي بينهم 8 أطفال و5 سيدات، قد تمَّ توثيقها خلال الشهر الفائت، فيما يواصل النظام انتهاكه لقرار محكمة العدل الدولية.
هذه الجرائم والانتهاكات تسببت في ارتفاع حالات اختفاء أعداد هائلة من المواطنين السوريين والتي أصبحت بمثابة ظاهرة، لتكون سوريا من بين البلدان الأسوأ على مستوى العالم في إخفاء مواطنيها.
والنظام السوري، وفق تقارير حقوقية غير حكومية تفوق على كثير من الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية بأنه صاحب سلطة مطلقة على السلطتين التشريعية والقضائية، ما مكنه من إصدار ترسانة من القوانين والمراسيم التي تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان كما تنتهك مبادئ قانون ومحددات الاعتقال والتحقيق في التشريعات المحلية ودستور عام 2012 الحالي.
إحصائيات مرعبة وواقع مرير
وثق تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان “منظمة غير حكومية” وتلقت “القدس العربي” نسخة منه، خلال شهر آذار/مارس المنصرم ما لا يقل عن 203 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 8 أطفال و5 سيدات “أنثى بالغة”.
مدير الشبكة الحقوقية فضل عبد الغني أكد لـ “القدس العربي” خلال اتصال به، أن عمليات الاعتقال التي تلاحق السوريين مستمرة ولم تتوقف كما يتصور البعض، وأن الإحصائيات التي تم سردها هي المؤشر على مدى ما يواجه المواطن السوري على أيدي أطراف الصراع في البلاد، خاصة من قبل النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية. مشيرا إلى توسع عمليات ملاحقة السوريين واعتقالهم وتكميم الأفواه لتصل إلى أي مواطن يوجه انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما وصفه المتحدث بوجود “قبضة أمنية متوحشة” من قبل عدة جهات في سوريا، ويترأس القائمة النظام، إذ ما زال في أعلى مستوياته، وهو ما يؤدي في الكثير من الحالات إلى الاختفاء القسري للمواطنين بالإضافة إلى الاعتقالات وممارسة أشد انتهاكات التعذيب بحقهم.
حيث لم تقف الانتهاكات عند سقف الاعتقال، إذ تحوَّل 168 منها إلى حالات اختفاء قسري. كانت النسبة الأعلى منها على يد النظام، من خلال 91 حالة، بينهم 2 سيدة، حيث قامت أجهزة وقوات النظام السوري بعمليات اعتقال/ احتجاز موسعة استهدفت مدنيين في محافظات ريف دمشق ودمشق وحماة وحلب وحمص، بذريعة التخلف عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، وحصل معظمها ضمن أطر حملات دهم واعتقال جماعية وعلى نقاط التفتيش ومن بينهم أشخاص أجروا تسويةً لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية مع النظام.
فيما كانت قوات سوريا الديمقراطية في المرتبة التالية من خلال 64 اعتقالا تعسفيا، بينهم 8 أطفال و2 سيدة.
فيما سجَّل التقرير 9 حالات على يد هيئة تحرير الشام، و39 حالة على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني بينهم سيدة.
الأسد عراب الأجهزة الأمنية
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان عبد الغني قال: رأس هرم السلطة في سوريا هو الجهة المسؤولة عن هذه الأجهزة الأمنية، فهو من يمدها بالمال والسلاح والسلطة لتنفيذ هذه الانتهاكات بحق السوريين، حتى أن رئيس النظام بشار الأسد يسخر عائدات استصدار جوازات سفر والحوالات المالية وصولا إلى ما يصله من مساعدات أممية لتمويل هذه الأجهزة الأمنية التي تفتك بالسوريين، كون الأسد يراهن على هذه الأجهزة كثيرا، فبقاء هذا البطش هو العامل الأساسي في بقاء الأسد بالسلطة، وهو من يساهم في بسط نفوذ النظام ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته وبالتالي إنعاش النظام الحاكم. هذه الأجهزة الأمنية وفق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يقع على عاتقها الحفاظ على أمن النظام، وبالتالي تلاحق من ينتقده سواء في الواقع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تعمل على وأد أي أفكار قد تؤدي إلى ولادة رأي شعبي معارض له أو مطالبة بالإصلاح وتحسين الأوضاع الاجتماعية والواقع الاقتصادي المتدهور للغاية في البلاد، خاصة وأن النظام فشل في إدارة أي أزمة سواء كانت محلية أو على نطاق أوسع. لذلك تلجأ الأجهزة الأمنية التابعة للنظام إلى سياسة ترهيب السوريين وتخويفهم وتعذيبهم كونه لا يملك ما يغير أوضاعهم أو ينعش الاقتصاد المتردي، ما جعل بشطهم دون أي حدود، حيث تتم عمليات الاعتقال بدون أي مذكرات وسط غياب أي محاكم قضائية مستقلة ولا وجود للقانون، وهو ما جعل أجهزة الأسد الأمنية تتخذ من هذه الجرائم سوقا لابتزاز السوريين وسرقة أموالهم من خلال المساومة على حياة أبنائهم أو أي معلومة تخصهم. عبد الغني، نوه إلى أن السواد الأعظم من عمليات الاعتقال التعسفية تتحول غالبا إلى اختفاء قسري، وهو ما يجعلنا نشير إلى أن عمليات الاعتقال يمكن وصفها بعمليات خطف للسوريين، وأن الاختفاء القسري يجعل مصير المعتقل غير معروف، وفي العديد من الحالات يكون مصيره القتل.
النظام ينتهك القوانين الدولية والمحلية
النظام السوري لم يفِ بأي من التزاماته في أي من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسية، كما أنَّه وفق ما أكده التقرير الحقوقي، قد أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمرَّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين من دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ومن دون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوَّل قرابة 68 في المئة من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وأضاف التقرير أنه وفقاً لحالات الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري الموثَّقة لدينا في سوريا من قبل قوات النظام فلا يوجد لدينا أي مؤشر ينفي استمرار النظام في عمليات التعذيب، أو قيامه بأدنى الإجراءات كاستجابة لقرار التدابير المؤقتة الصادر عن محكمة العدل منذ صدوره في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
فضلاً عن استمرار النظام في احتجاز لما لا يقل عن 135638 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، ويعانون من التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة له، ما يؤكد استمرار انتهاك النظام بشكل واضح لبنود اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سوريا في عام 2004 ولم يفِ بالتزاماته بموجب الاتفاقية.
من جانبه، أكد عضو نقابة المحامين الأحرار في سوريا، المحامي عبد الناصر حوشان، أن الاعتقال التعسفي أو حجز حريات الأفراد أمر غير مقبول وغير مبرر، وهو اعتداء على حق الحرية الذي كفلته الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية.
إذ أن هذه الانتهاكات تؤدي إلى إرهاق المعتقل وذويه نفسيا ومعنويا وماديا، بالإضافة إلى كون في كثير من الحالات التي تطول فيها مدد الاعتقال تؤدي إلى تفكك الأسرة وانتشار الطلاق وتسيب الأطفال وغياب المعيل والرقيب والمربي، وبالتالي احتمال دخول هؤلاء في مستنقع الجريمة الأخلاقية أو الانحراف السلوكي وربما التورط في تجارة المخدرات.
حوشان، أشار خلال تصريحات أدلى بها لـ “القدس العربي”: أن سياسة الاعتقال التعسفي من ركائز سياسة النظام في التعامل مع السوريين بالعموم والمعارضين على وجه الخصوص، من خلال قيامه بحجز حرية الأفراد على خلاف القانون، والتي تخلف بدورها عدة مظاهر، منها التوقيف بموجب الأحكام العرفية دون عرض المعتقلين على السلطات القضائية، والاعتقال من قبل أجهزة المخابرات لدواع أمنية ولفترات زمنية طويلة، والتوقيف القضائي لمدد تتجاوز المهل التي حددها، واستمرار توقيف الأشخاص رغم صدور قرارات إخلاء السبيل أو انتهاء المحكوميات”.
ابتزاز وضغط
الاعتقال التعسفي، وفق ما فصله حوشان لـ “القدس العربي”: هو جريمة دولة، أي لا ترتكبه سلطات الأمر الواقع، كونها ليست دولا ولا حكومات شرعية، ويمكن توصيف اعتقال الأفراد من قبل هذه السلطات جريمة حجز حرية وهو أقرب إلى التوصيف القانوني لأن حجز الحرية هو جرم يرتكبه الأفراد وجماعات.
أما النظام السوري، فهو يرتكب جريمة الاعتقال التعسفي لضمان بقاء معارضيه في السجون وتخويف وترهيب معارضيه خارج السجون، كما يستخدم المعتقلين ورقة ضغط سياسية، وورقة ابتزاز لاستجلاب موارد مالية من خلال مساومته على حرياتهم مع أهاليهم مقابل دفع مبالغ مالية طائلة.
في حين أن سلطات الأمر الواقع في أغلب الأحوال يكون حجز الحرية إما بسبب الفلتان الأمني والهاجس الأمني لدى الجميع بسبب تداخل أسباب الصراع وانتشار السلاح وتداخل أطراف الصراع في المناطق المحررة، فيكون الاحتجاز على الشبهة هو القاعدة وهو نوع من أنواع الأمن الوقائي. وفق ما قاله المتحدث.
أما تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد أشار إلى أن النظام السوري شرعن جريمة التعذيب، على الرغم من أن الدستور السوري الحالي، يحظر الاعتقال التعسفي والتعذيب حسب المادة 53.
كما أنَّ قانون العقوبات العام وفقاً للمادة 391 ينصُّ على الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات على كل من استخدم الشدة في أثناء التحقيق في الجرائم،ويُحظر التعذيب في أثناء التحقيق وفقاً للمادة 391.
لكن هناك نصوصا قانونية تعارض بشكل صريح المواد الدستورية الماضية، والمادة 391 وتُشرعن الإفلات من العقاب، بما فيها القانونرقم 16 لعام 2022 لتجريم التعذيب.