الرئيسة \  تقارير  \  اشتباكات السويداء: غياب الدولة وسيادة الأجندات

اشتباكات السويداء: غياب الدولة وسيادة الأجندات

17.07.2025
رأي القدس
رأي القدس



اشتباكات السويداء: غياب الدولة وسيادة الأجندات
رأي القدس
القدس العربي
الاربعاء 16/7/2025
يسقط عشرات المواطنين السوريين في محافظة السويداء جنوب سوريا ضحية الاقتتال وأعمال العنف والخطف والسلب واجتياح المساكن والأملاك، التي اندلعت مؤخراً بين مجموعات مسلحة درزية من جهة أولى، وأخرى مسلحة بدورها تتبع لعشائر بدوية متعددة تقيم في المحافظة. ورغم حالة التعايش السلمي والآمن بين الموحدين الدروز الذين يشكلون غالبية سكان المحافظة، وعشائر عريقة مثل البقارة والعنزي والمحاميد، فإن الماضي شهد مواجهات بين المجموعتين، كما في سنة 2000 وسقوط عشرات القتلى والجرحى، أو قبلها في سنة 2018 مع هجمات “تنظيم الدولة” وارتياب البعض في أن عناصر بدوية تورطت في القتال.
وكان النظام السوري البائد قد حرص على إذكاء الصراع بين المجموعتين بهدف إشغال المحافظة عموماً والطائفة الدرزية خصوصاً، وإبقائها بعيدة عن الانخراط في الانتفاضة الشعبية لسنة 2011. وإذا كان من غير المنطقي استبعاد حال الاحتقان هذه عند قراءة أسباب الاشتباكات الأخيرة، فإن من الخطأ تفسير شدّة العنف استناداً إليها وحدها، وثمة اعتبارات أخرى ليست أقل مغزى وتأثيراً في المشهد الراهن.
فالسلطات الانتقالية الحاكمة اليوم في سوريا كانت مطالَبة، مثلما هي عليه اليوم، ببسط سلطة الدولة على سائر أرجاء محافظة السويداء، وتفعيل مختلف المؤسسات الكفيلة بضبط الأمن والسهر على أمان المواطنين وضمان المساواة في الحقوق والواجبات من جهة أولى، وبالتالي قطع الطريق على الأطراف التي عاشت وتواصل العيش على الاحتقان بين الدروز والعشائر من جهة ثانية.
كما تتحمل بعض السلطات المشيخية الدرزية مسؤولية التحريض ضد دمشق والحكم الانتقالي من منطلقات انفصالية وانعزالية، لا تتورع عن الاستقواء بقوى خارجية فتعطي ذريعة للمطامع الإسرائيلية في الجنوب السوري. ولقد رفضت دخول الجيش السوري أو الأمن العام إلى المحافظة طوال سبعة أشهر أعقبت سقوط النظام، وشجعت تنامي الفصائل المسلحة ذات الصفة الطائفية، وبلغ أحد مشايخ العقل درجة اعتبار الرئيس السوري أحمد الشرع مطلوباً للعدالة الدولية.
وك-ان طبيعياً أن غياب مؤسسات الدولة سوف يغذي تيارات تدعو إلى تسعير الخصومة داخل المحافظة، خدمة لأجندات متقاطعة أو متكاملة ضمناً. هنالك أطراف تحلم بمشاريع انفصالية، رغم إصرار الغالبية الساحقة من أبناء المحافظة على الانتماء إلى سوريا واحدة موحدة. وأطراف أخرى تتشبث بالعيش خارج القانون، وتمارس التهريب والتسلح والإفساد وتجارة الكبتاغون.
معضلات سوريا ما بعد سقوط النظام متشعبة ومستعصية وثقيلة الوطأة، قد تبدأ من الاقتصاد والخدمات والبنى التحتية والسيادة الوطنية ووحدة الأرض والكيان، وهذه وسواها تركها النظام البائد في حال من التدمير شبه التام. ولكنها تمرّ أيضاً بما شهده الساحل السوري من تمرد الفلول وارتكاب المجازر، ومعاناة مناطق شرق البلاد تحت سلطة قسد، وحال الاقتتال الراهنة في السويداء.
الوقفة الوطنية مع الذات مطلوبة بإلحاح من السوريين كافة، وعلى عاتق السلطة الانتقالية تقع واجبات الحوار والانفتاح وتفعيل المؤسسات وضمان الحقوق وتمكين المجتمع المدني، ثمّ الالتزام بما شرّعت له هي ذاتها من واجبات واشتراطات دستورية.