الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اختبار آخر للتفاهمات التركية الروسية

اختبار آخر للتفاهمات التركية الروسية

08.12.2019
حسن النيفي


سوريا تي في
السبت 7/12/2019
لعلّه بات من اللوازم الموازية لمسار أستانا، أن يمهّد الروس لأي لقاء مرتقب بتصعيد عسكري على محاور القتال وخطوط التماس بين الفصائل العسكرية المقاتلة وقوات النظام في إدلب، ذلك أن استراتيجية بوتين العسكرية لم تكن تحتاج لمزيد من الوضوح منذ الأيام القليلة التي أعقبت عدوانه المباشر على السوريين نهاية أيلول 2015، والتي تفضي دائماً إلى استهداف جوّي وحشي للسكان المدنيين والبنية التحتية، بما فيها المستشفيات والنقاط الطبية، بغية إحداث حالة شلل تامة، إضافةً إلى تكريس مشاهد مأساوية بين السكان، من شأنها أن تكون عامل ضغط  يسهم في تقهقر الفصائل المقاتلة وتراجعها، إلّا أن التصعيد الراهن في ريفي ادلب الجنوبي والشرقي ربما ينطوي على بعض المعطيات التي تشير بلا أدنى ريب، إلى أن كلاًّ من الطرفين، الروس والفصائل المقاتلة، بات يفهم استراتيجية الآخر، ويحاول استباق المواجهة بمبادرة على الأرض، من شأنها مفاجأة الخصم، أو إرباك خططه، ولعلّه على ضوء هذه المسألة يمكن تفسير الخطوة الاستباقية التي قامت بها الفصائل المقاتلة بمهاجمة قوات النظام والميليشيات الإيرانية المنتشرة ما بين منطقتي أبو ظهور وسنجار جنوب إدلب، في أواخر شهر تشرين ثاني وأوائل كانون الأول الجاري.
المعارك المحتدمة في جنوب وشرق إدلب تأتي في موازاة حدثين لا يمكن تجاهلهما، أولهما لقاء أستانا المرتقب في 10 – 11 من الشهر الجاري، وثانيهما اتفاق قوات سورية الديمقراطية وروسيا، الذي يفضي إلى انتشار القوات الروسية في كل من عين عيسى وتل تمر وعامودا شرقي البلاد.
وفي الوقت الذي لم ينفك فيه بوتين عن المطالبة في السيطرة على طريقي حلب - دمشق، دمشق - اللاذقية الدوليين، إضافة إلى استئصال جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً) من منطقة إدلب، فإن تركيا باتت ترى في منطقة إدلب وريفها حيّزاً لا يختلف من حيث استراتيجيته، عن مناطق درع الفرات وعفرين، وتل أبيض ورأس العين، فلماذا لا تكون إدلب ضمن المنطقة الآمنة التي طالما طالبت أنقرة بإنشائها كضرورة لحفظ أمنها القومي؟ ولعلّ هذا التباين في الرغبات والأهداف قد بدأ يتجسّد على الواقع الميداني بالفعل، ففي الوقت الذي بدأت فيه الفصائل العسكرية هجومها المباغت على عدّة بلدات في جنوب إدلب، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف قوات نظام الأسد، فإن بوتين سارع إلى تصعيد جوي وحشي كعادته، مستهدفاً مواقع مدنية (سجن إدلب المركزي والمعرة وسراقب) موقعاً العشرات من القتلى والجرحى، وهو بذلك يسعى إلى إحكام الطوق على معرة النعمان والوصول إلى خان شيخون، بغية السيطرة على الطرق الدولية. ولئن كانت الحرب هي تجسيد فعلي لتضارب المصالح الروسية التركية، دون مواجهة عسكرية مباشرة، يحرص الطرفان على تحاشيها، إلى أن نبرة خطاب كلا الطرفين باتت توحي بإصرار كل جهة على رغبتها في ترسيخ نفوذها، ولعل تصريحات وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في الثاني من الشهر الجاري كانت تحمل رسالة ذات مضامين واضحة، تؤكد للروس أن الدعم التركي للفصائل المقاتلة من شانه أن يقلب الموازين، وينسف جميع التفاهمات الروسية التركية السابقة، بما فيها اتفاق سوتشي (أيلول 2018)، كما من شأن هذا الدعم – وفقاً لأنقرة – أن يمتدّ إلى جبهات أخرى، مما يسهم في تراجع في نسبة التفاهمات المبرمة بين الطرفين، وهذا ما لا ترغب به موسكو في الوقت الراهن.
وعلى أيّة حال، فإن رغبة أنقرة في إذكاء المواجهة مع الروس، والدفع بوتيرة المعارك نحو التصعيد في مواجهة قوات النظام في إدلب، قد عززّه استياء تركي شديد، مبعثه شرق الفرات، وأعني التفاهمات بين بوتين وقوات قسد، والتي أفضت بانتشار القوات الروسية في كلٍّ من (عين عيسى وتل تمر وعامودا)، الأمر الذي يضع حدّاً لامتداد النفوذ التركي شرقي الفرات، ويجعله محصوراً في منطقتي تل أبيض ورأس العين، بينما كانت تركيا ترغب في بسط نفوذها على تلك المناطق، وصولاً إلى المالكية، وطرد قوات الحماية الكردية من هذا الشريط الحدودي كاملاً.
ما يريده بوتين لا يتوقف عند حدود حربه الوحشية فحسب، بل استثمار وحشيته إلى حدودها القصوى
ما يريده بوتين لا يتوقف عند حدود حربه الوحشية فحسب، بل استثمار وحشيته إلى حدودها القصوى، إذ كما أفضت التفاهمات السابقة إلى ضغط تركي على فصائل أستانا للحوار والتفاوض المذل مع الروس، فإن على أنقرة – كما يرغب بوتين – أن تمارس نفوذها اليوم أيضاً على ما تبقى من الفصائل المقاتلة لتمكين موسكو من السيطرة على كامل الريف الإدلبي، وبالتالي السيطرة على الطرق الدولية وإحكام الطوق على إدلب المدينة، ولئن انتهت ثلاث من مناطق خفض التصعيد إلى سلطة نظام الأسد (الغوطة ودرعا وريف حمص الشمالي) فلماذا بقيت إدلب خارج هذه المعادلة؟ ولعلّ هذا ما يدفع بوتين إلى البحث عن وسائل ضغط جديدة على الجانب التركي، ولعلّ تحالفه مع قسد كان أحد أشكال هذه الضغوط، فضلاً عن المسعى الروسي نحو دفع أنقرة للتطبيع التدريجي مع نظام الأسد.
هذه السخونة التي ترفع حدّة التوتر بين موسكو وأنقرة، ليس من المتوقع تراجعها أو انخفاض سخونتها في لقاء أستانا المقبل (10 – 11 من الشهر الجاري)، كما يمكن أن يكون اللقاء المرتقب كما اللقاءات السابقة من حيث النتائج، وخاصة أن مارتون تشكيل (اللجنة الدستورية) انتهى بتشكيلها، ولكنه دخل منعطفاً جديداً، ويتمثل بمجموعة الشروط التي طرحها وفد النظام، وأكّد عليها بشار الجعفري، وهي تلك التي أُطلق عليها (الركائز الوطنية)، وهي بلا شك، تدخل في حيّز التفاصيل التي هدّد وزير خارجية النظام وليد المعلم، بإغراق المعارضة بها.
لعلّ رهان الطرفين على ما ستفرزه المواجهات العسكرية من نتائج، لن ينتهي بحلول لقاء أستانا المقبل، بل الأرجح أن يمتد إلى ما سيسفر عنه لقاء بوتين – أردوغان في الأسبوع الأول من العام المقبل.