الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اتفاق إدلب وفُرَص المسار الروسي للحل السوري

اتفاق إدلب وفُرَص المسار الروسي للحل السوري

15.10.2018
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 14/10/2018
يعبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مراسم اعتماد 22 سفيرا روسيا، الخميس الماضي، عن رضاه التام على سير اتفاق المنطقة العازلة في إدلب، وامتدح الدّور التركي في تنفيذ جزئها الأول المتعلق بإخراج السلاح الثقيل من الشريط المتفق عليه إلى عمق 15 حتى 20 كم، بدءا بريف اللاذقية الشمالي نزولا إلى أرياف إدلب وريف حماة الشمالي ثم باتجاه ريف حلب الغربي.
لكن بوتين أيضا يعود في خطابه لطرح سلة “إعادة الإعمار وعودة المهجّرين”، مع الدعوة الصريحة للمجتمع الدولي والغرب إلى ضرورة المساهمة في ما سمّاه “المسار الإنساني”، أي تمويل “إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية” في سوريا بعد تدميرهما، وعودة الأمن واللاجئين لتخفيف ضغط الهجرة على الكثير من الدول الأوروبية.
ردّ بوتين على تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مساء الأربعاء، حول رفض واشنطن تقديم أي مساهمة في تمويل إعادة إعمار سوريا دون خروج القوات الإيرانية والميليشيات الداعمة لها من سوريا؛ وعاد للحديث عن مخرجات مؤتمر “الحوار الوطني السوري” في سوتشي مطلع هذا العام، باعتبارها، إضافة إلى القرار الأممي 2254، أساسا لما سمّاه “مفاوضات السلام السورية”.
في إدلب، أُخرج السلاح الثقيل من المنطقة العازلة، وهيئة تحرير الشام موافقة على تراجع عناصرها إلى مقراتهم في عمق إدلب، ولا تواجد في الأصل للعناصر الأكثر راديكالية من حراس الدين والحزب التركستاني داخل الشريط المعني، وستبقى عناصر من “الجبهة الوطنية للتحرير” بسلاح خفيف ومتوسط، ومن الجيش التركي، فيما ستتواجد شرطة عسكرية روسية ضمن مناطق النظام.
وبالتالي الفرصة مهيَّأة لاستكمال باقي بنود الاتفاق، المحدَّدة مدَّتُه حتى نهاية العام الحالي، أي بأن يتم فتح الطريقين الرئيسيين: دمشق- حلب المقطوع في مناطق المعارضة من خان شيخون حتى معرة النعمان وسراقب، وطريق اللاذقية- حلب المقطوع في جسر الشغور باتجاه أريحا وسراقب؛ على أن يتم ذلك بحماية فصائل من الجيش الحر في الجبهة الوطنية للتحرير وبرعاية تركية، وفق تصريح القيادي في “فيلق الشام” أبوعمر فيلق.
استكمال اتفاق إدلب يحقِّق للروس عدة مكاسب: فتح الطرق التجارية وتأمينها، وحصر المتطرفين في منطقة ضيّقة على الحدود التركية بانتظار حل نهائي لها، وتطويع الفصائل المعارضة وربطها عسكريا بالجانب التركي بشكل كلي، ما يعني رضوخ المعارضة السياسية أيضا، ممثلة بهيئة التفاوض للضغوط التركية كليا.
أما أنقرة، التي تعاني من خلافات مع واشنطن، ومن عقوبات اقتصادية أميركية، فالاتفاق يعني لها بقاء إدلب منطقة نفوذ عسكري لها، لتأمين حدودها، وتأمين عمق مناطق سيطرتها في عفرين وغصن الزيتون، خاصة أنها تبقى منطقة توترات بسبب ما حصل بها من تغيير ديموغرافي، وبسبب انتهاكات الفصائل التابعة لتركيا للسكان الأصليين.
هذا الانسجام، وتقارب المصالح الروسي التركي، لا يعني أن تركيا موافقة على الحل الروسي للأزمة السورية، بإعادة إنتاج النظام مع تعديلات غير جوهرية في بنيته؛ فتركيا المنشغلة بأمنها القومي وأزمتها الاقتصادية كأولوية، لم تتخلَّ بعد عن شرط التغيير في سوريا ومشاركة المعارضة في الحكم، وإن كانت تراجعت عن تصريحاتها في هذا الشأن منذ تقاربها مع روسيا وإيران مع بدء جولات أستانة.
تركيا تلعب على الخلاف الروسي الأميركي في ما يتعلق بالتغيير في سوريا، وقد تدفع الهيئة العليا للمفاوضات إلى تلبية دعوة موسكو إليها للتشاور، دون الرضوخ للمطالب الروسية بتجميد مسار جنيف وإحياء مسار سوتشي للحل.
في الأصل الهيئة العليا للمفاوضات ليست في وضع يسمح لها بتقديم الكثير من التنازلات، خاصة مع الرفض الشعبي لها في تظاهرات إدلب الجمعة قبل الماضية؛ من هنا عليها أن تتمسك بالمسار الأممي للحل، مستغلة الضغوط الغربية على موسكو.
روسيا، بعودتها إلى مسار سوتشي للحل السوري، تصرُّ على وضع كل رهاناتها في سلّة النظام وإبقائه في الحكم، حيث عقدت معه جملة صفقات، ومعاهدة احتلال تضمن لها جني مكاسب تدخلها العسكري في سوريا منذ أواخر 2015، وهي تستمر في تقوية تواجدها العسكري على الأرض وفي البحر وفي الجو، لتدعيم موقفها.
لكن بوتين لا يصيب حين يطرح مسارا إنسانيا أمميا، أي تمويل إعادة الإعمار دوليا، يكون مترافقا مع مسار سياسي روسي، غير أممي، يبقي على النظام. هو يعلم أن إبقاء النظام بشكله الحالي دون تغييرات عميقة يعني بقاء إيران وميليشياتها، رغم أنه لا يدافع عن الوجود الإيراني، ومتضرر من منافسته في السيطرة على مراكز القرار السوري وفي عقود الاستثمار، وسمح مرارا لـ”إسرائيل” بضرب المواقع الإيرانية في سوريا.
يبدو أن موسكو تنتظر من واشنطن تقديم صفقات تضمن لها مصالحها واستثماراتها في سوريا، لذلك يبدو أنها تتمسك بالنظام وبإيران مؤخرا، بعد تعطيل الهجمات الإسرائيلية على الأجواء السورية، بتسليم النظام منظومة أس-300، إثر حادثة إسقاط طائرة الاستطلاع التابعة لها. وهي تتقوّى بالحديث عن انتصاراتها العسكرية ودحر الإرهاب، وتضيف نجاح اتفاق إدلب إلى تلك الانتصارات.
الاستعجال الروسي على طرح تمويل أممي لإعادة الإعمار يشكّل عامل ضعف لروسيا، وورقة بيد واشنطن، غير المستعجلة، لممارسة الضغوط على موسكو، يضاف إليها تعزيز واشنطن لوجودها العسكري شرقي الفرات وفي منبج، بعد إعلانها البقاء في سوريا، وبالتالي إعطاء حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية الكردية العربية دورا في الحل السياسي، وطرح فكرة اللامركزية الإدارية والاقتصادية بقوة. وبالتالي واشنطن شريك أساسي مقرر في الحل السوري، ولا يمكن تجاهل شروطه بإخراج إيران من سوريا، وتجميد النظام والعودة إلى المسار الأممي للحل.
بالمحصلة الحل الممكن لسوريا مرتبط بإمكانية تحقيق جملة من المصالح للدول المتدخلة؛ التعقيد هو في تشابك خلافات تلك الدول، وأن خلافاتها خارج سوريا أكبر وأعمق، وبالتالي ستبقى سوريا ساحة لتصفية الحسابات وتبادل أوراق الضغط. لكن المتضرّر الأكبر من استمرار هذا الوضع هو روسيا، فيما ستكون إيران أكبر الخاسرين إذا ما تلاقت المصالح على حل سياسي.