الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران في مواجهة الشعوب العربية

إيران في مواجهة الشعوب العربية

21.11.2019
عباس شريفة


نداء سوريا
الاربعاء 20/11/2019
من المشاريع الشريرة التي تزدحم بها منطقتنا العربية يأتي مشروع نظام الولي الفقيه في رأس الشر بين هذه المشاريع، فهو يستهدف الوجود المادي والمعنوي للشعوب والأوطان ، ولا يتركها إلا خراباً يباباً يطحنها بالحروب الطائفية وينتهب ثرواتها ، بدفع الخمس ويعمل على التغيير الثقافي والديموغرافي في الأوطان التي يحل بها .
لقد كانت ومازالت مشكلة نظام الولي الفقيه في تركيبته التي تجمع كل الوجوه القبيحة و الشريرة بهدف جمع كل الأشرار من حوله كجنود في معركته الطويلة نحو بناء إمبراطوريته العظمى.
فهو من جهة يظهر تعصبه للعرق الفارسي لجذب غلاة القومية الفارسية وتصوير معركته أنها معركة فارس الإمبراطورية مع الموالي العرب شيعة كانوا أم سنة.
ومن جهة أخرى هو يظهر وجهه الطائفي ليجذب من حوله عتاة الطائفية والصفوية وتصوير معركته مع العرب السنة أنها معركة أهل البيت والشيعة مع بني أمية والنواصب.
والوجه الثالث هو وجه الحكم الديني الذي يريد من خلاله الظهور بمظهر خليفة المسلمين من خلال نظرية دينية ملفقة تجعل من مرشد الثورة قائماً بنيابة المهدي في الولاية العامة على المسلمين وهو ما أورثه كره القوى المدنية والعلمانية الديمقراطية من الشعب الإيراني.
لكن وراء كل هذه الوجوه القبيحة التي يرتديها النظام الإيراني تختفي مصالح نظام الملالي في النفوذ والسيطرة والتوسع كدوافع حقيقية وراء كل السياسات التي ينتهجها هذا النظام، وهذا ما نستشفه اليوم من طبيعة الأهداف التي يتم استهدافها بالحرق من قبل المتظاهرين الإيرانيين ( البنوك ، الحوزات ، مراكز الأمن والباسيج ) ثلاثية تعكس طبيعة البنية المتحالفة بين المال والدين والعسكر لتشكل أقسى أنواع الاستبداد الديني الشيفوني.
لقد حاول نظام الولي الفقيه و منذ بداية الربيع العربي أن يخترق ثورات الربيع العربي لامتطائها نحو تحقيق مصالحه في تحقيق مزيد من النفوذ والتمدد ، لكن ما يحدث اليوم وبعد سنوات من الحصاد المر في معارك طائفية ومذهبية أججها هذا النظام في المنطقة وهو يسعى جاهداً لإطفاء جذوة الثورة السورية من خلال ميليشياته الطائفية، يمتد صدى الثورة السورية اليوم إلى شوارع العراق ولبنان وما إن اشتد هذا الحراك حتى لقي صداه في الأحواز العربية و ليمتد اليوم إلى كل المحافظات الإيرانية فقد أراد نظام الملالي أن يخترق الربيع العربي فاخترق الربيع العربي شوارع إيران .
في مواجهة واضحة ومعركة واحدة تمتد من بيروت إلى طهران مروراً بدرعا وبغداد وفي انتفاضة شعبية سنية شيعية ضد نظام بات يصادر مستقبل هذه الشعوب من خلال أدواته الحاكمة في لبنان وسوريا والعراق.
إن ما نراه اليوم في العراق ولبنان والأحواز هو ثورة ضد المشروع الإيراني، لأنه ببساطة كان ولا يزال مركز التحكم في بسط الهيمنة على شعوب هذه الدول ،لا هيمنة اقتصاد وسياسة فقط، ولكن هيمنة على الوجدان العربي الشيعي حتى الذي كان مطوقاً من داخل الحي ومن داخل المدينة ومن داخل الدولة، ومن داخل الذات.
و ما يجمع اليوم شعوب لبنان وسوريا والعراق وإيران أنها تثور ضد نظام ديني ثيوقراطي يقتل ويذبح الشيعة والسنة معاً بمبررات دينية وذريعة النيابة عن المهدي المنتظر ليقيم إمبراطوريته الخاصة .
فالمتظاهرون الذين يسحلون اليوم من ميليشيات القمع في ساحة التحرير في بغداد وشوارع طهران هم من الشيعة وليسوا من السنة .
وما يجمع هذه الشعوب اليوم أنها تواجهه طبقة أوليغارشية فاسدة بددت الثروة وسرقة الأوطان لجيب مشروع الولي الفقيه .
تواجه هذه الشعوب أنظمة هي واجهات سياسية تابعة لمنظومات ميليشياوية عقائدية مسلحة ومستعدة لارتكاب أفظع الجرائم في سبيل حماية نظام الولي الفقيه ،وذات خبرة ومهارة في استخراج ورقة الإرهاب وتوظيفها.
لذلك تجمع هذه الشعوب اليوم معركة واحدة هي معركة تحمل في طيات فلسفتها معاني من الوعي بالحرية والكرامة وبناء المجتمع المدني وإعادة الاعتبار للدولة الوطنية المستقلة عن تبعية مشاريع الخارج أو الدولة المتدخلة في شؤون الخارج بعد أن دمرها نظام الولي الفقيه وأذرعه في لبنان والعراق وسوريا لتتحول إلى دول فاشلة .
فالشعوب العربية مع الشعب الإيراني الثائرة في وجه نظام الملالي اليوم بحاجة لوضع تصور ـ أداتي وغائي ـ لثورتهم التي هي صدى موجة الربيع العربي الثانية التي جاءت في الجزائر والسودان وربما يصح تسميتها بالموجة الثالثة.
ففي التصور الأداتي لهذا الحراك يجب الحرص على الطبيعة السلمية لهذا الحراك مهما حاولت أذناب إيران جر المتظاهرين لحمل السلاح من خلال الاستفزازات والإجرام بحق المتظاهرين فقد فاق عدد شهداء المظاهرات العراقية 200 شهيد ولا يزال شباب الحراك متمسكين بسلميتهم، فهم يدركون أنهم يواجهون أذرع سياسية لميليشيات مسلحة لا تعرف إلا ميدان العنف والقتل، وهي تحرص على نقل خصومها لهذا الميدان لتبرر عنفها حيث يظهر في صورة العنف الذي يرد على العنف.
وأما التصور الغائي لهذا الحراك فهو الحرص على طبيعة المطالب والأهداف ذات الطبيعة المدنية والديمقراطية وكف يد المفسدين والاحتماء بالأسوار الوطنية كإطار جامع، فمن شأن ذلك أن يجمع أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية حول الحراك ومن كل التوجهات، وأن يعيد الاعتبار للدولة الوطنية المفقودة، ومن شأن هذا أن يمنع أعداء هذ الحراك من وضع الثورة في مسارات الفتنة الطائفية أو الحرب على الإرهاب لتأخذ أنفاسها من جديد، فمن المعلوم أن الحراك اليوم يواجه أقوى وأكبر مشروع في منطقة يحظى بتأييد دولي لتفتيت الدولة الوطنية وإثارة الحروب الطائفية لتهشيش المنطقة أمام التمدد الإيراني ، وهذا المشروع لا يمكن كبحه والإجهاز عليه إلا بمشروع الدولة الوطنية ورفع قيم الحرية والعدالة والديمقراطية.
صحيح أن القناعة التي وصل إليها الفرد الشيعي في عام 2019 لم تكن من خلال كراريس الفكر وإنما من خلال ضنك العيش وإهدار الكرامة الذي تعامت عنه المرجعية، لكن لا شك أن عجلة الأحداث عندما تتحرك لا بد أن تتحرك معها عجلة الأفكار والبحث عن النور في نهاية النفق المظلم.
لكن في الوقت الذي يرى المشروع الصهيوني في المشروع الإيراني مشروعاً مفيداً في تفتيت المحيط العربي وإغراق المنطقة في صراعات مذهبية طائفية تخدم المصالح الإسرائيلية ، يبقى السؤال الملح هل تنجح الشعوب العربية في مواجهة مشروع الولي الفقيه حيث فشلت الأنظمة العربية الرسمية و التي لحسابات ضيقة ومصالح آنية حيث اعتبرت المشروع الإيراني هو أخف الضررين مع مشروع التحول الديمقراطي في ثورات الربيع العربي، لكن مها تكن النتيجة فلم يعد أمام الشعوب العربية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والشعب الإيراني مندوحة من مواجهة الأخطبوط الإيراني وقطع أذرعه من أجل حماية المنطقة العربية كلها من سيناريو الفوضى والفتنة بعد أن تخاذلت الأنظمة العربية في مواجهة هذا الخطر الداهم على الوجود العربي.