الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران عبر البوابة السورية

إيران عبر البوابة السورية

22.05.2018
عاصم عبد الخالق


الخليج
الاثنين 21/5/2018
بصرف النظر عن موافقتهم أو رفضهم للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، يتفق الخبراء الأمريكيون على أن هذا القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب مجرد إجراء لا يمثل سياسة متكاملة، ولا يشكل ملامح استراتيجية واضحة تحدد الخطوات التالية للتعامل مع إيران واحتواء وتقليص تمددها ونفوذها الإقليميين، والحد من قدراتها العسكرية والنووية.
الفريقان المعارض والمؤيد للانسحاب يعتبران أن الخطوة الأولى لمواجهة النفوذ الإيراني لابد أن تبدأ من سوريا باعتبارها الجبهة التي تشهد وجودا عسكريا إيرانيا مباشرا. المشكلة الأساسية هنا هي أن الإدارة الأمريكية ليس لديها بالفعل استراتيجية محددة وواضحة ومتماسكة للتعامل مع الأزمة السورية نفسها.
وكما أن الانسحاب من الاتفاق النووي لا يرقى لمستوى الرؤية الشاملة لمواجهة إيران، فإن القضاء على "داعش" وهو المبرر الرسمي المعلن للوجود الأمريكي في سوريا، لا يمثل سياسة واضحة ومتكاملة لإدارة الأزمة السورية.
الوصفة الشافية التي يقدمها منظّروا اليمين الأمريكي للتعامل مع الملفين السوري والإيراني تقوم على أساس فكرة بسيطة هي أن إسقاط النظام السوري هو الحل لكلتا المعضلتين الإيرانية والسورية معاً. رحيل الأسد كما يرون سيكفل القضاء على "داعش" وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي سمح بتواجدها لإثارة مخاوف الغرب من سقوطه باعتبارها البديل الوحيد لنظامه. كما أن سقوط الأسد سيحرم إيران وروسيا أيضاً من الحليف الأوثق لهما في سوريا.
أما كيف تحقق أمريكا هذا المكسب التاريخي المهم الذي يبدو حتى الآن أقرب إلى التمنيات، فهو ما يتبارى الخبراء السياسيون في طرح تصوراتهم بشأنه. من بين عشرات، إن لم يكن المئات، من الطروحات التي تفيض بها وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث السياسية الأمريكية، ننتقي واحدة نشرها قبل أيام اثنان من الخبراء العسكريين والسياسيين من ذوي التوجهات اليمينية المحافظة، هما الجنرال المتقاعد جاك كيان النائب السابق لرئيس أركان الجيش والرئيس الحالي لمعهد دراسات الحرب الأمريكي، ودانيل بليتكا نائبة معهد "أمريكان انتربرايز" لشؤون الدراسات السياسية الدفاعية والخارجية. والمعروف أن هذا المعهد هو الحاضنة الأشهر في واشنطن للفكر اليميني وكان بؤرة تفريخ للكوادر السياسية في إدارة بوش الابن خلال حرب العراق.
يرفع الخبيران شعاراً مقتضباً يلخص استراتيجيتهما المقترحة هو "سوريا بلا أسد". ويقصدان أن إسقاط الأسد هو السبيل الوحيد لتسوية الأزمة السورية من ناحية، وإخراج إيران من ناحية أخرى. وتحقيق ذلك يكون بدعم الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا، أي من شرق الفرات حتى الحدود الدولية. ويضمن ذلك تطهير تلك المنطقة من فلول "داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية، فضلا عن تصفية آلاف الجيوب العسكرية التابعة للنظام أو الحرس الثوري الإيراني. ويجهض هذا الانجاز الحلم الإيراني بمد جسر بري للوصول إلى البحر المتوسط غرباً عبر الأراضي السورية.
ويدعو الكاتبان إلى تشكيل قوة عسكرية محلية جديدة بعيدا عن القوة الكردية الحالية وبما يضمن استقطاب العناصر العربية السورية ويبدد في الوقت نفسه المخاوف التركية. بالتزامن مع ذلك ستعمل واشنطن على تشكيل قوة عسكرية سورية جديدة في الغرب وتمدها بالمال والسلاح وتوفر لها الغطاء الجوي اللازم للقيام بعمليات ضد النظام. ولكي تضمن واشنطن حرمان إيران وروسيا من الإمدادات لابد (والحديث للخبيرين) من تدمير المطارات السورية، مع تأمين الأجواء المحلية للطيران الأمريكي. ولعل الغارات الأخيرة على المطارات السورية تصب في هذا الاتجاه غير المعلن حتى الآن.
باختصار، يرى اليمين الأمريكي أن الطريق إلى إيران يمر عبر الأراضي السورية، وأنه يبدو ممهدا الآن. وسيكون النصر مضمونا ولا يحتاج إلا إلى قائد لديه الشجاعة للتقدم وهي ميزة لا تنقص ترامب من وجهة نظرهم. خلاصة ما نفهمه من حديثهم أنها دعوة إلى حرب جديدة لا تختلف عن الدعوات التي مهدت لكل الحروب السابقة.