الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إسرائيل الكبرى: في الكنيست الحادي والعشرين… بين "القدس والجولان"

إسرائيل الكبرى: في الكنيست الحادي والعشرين… بين "القدس والجولان"

20.04.2019
د. محمد عبدالرحمن عريف


القدس العربي
الخميس  18/4/2019
نعم نتنياهو ما كان له أن يجرؤ على الكشف عن نيته ضم أجزاء بعد انتخابات الكنيست الحادي والعشرين، لولا "ضوء أخضر" من واشنطن، يصل حد التواطؤ… فإدارة ترامب، تثبت المرة تلو الأخرى، أنها الأكثر تماهياً مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، وكيف لا تكون كذلك، فيما يكشف رئيسها على الملأ، أنه يتلقى دروساً مختصرة في التاريخ من ديفيد فريدمان، ممثل المستوطنين وأبيهم الروحي، تدفعه لاتخاذ قرارات سريعة بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ومن قبلها القدس، وغير ذلك من "انقلابات" في السياسة الأمريكية الشرق أوسطية.
حزب أزرق أبيض
هي أطروحات جاءت حاضرة في نسخة "الكنيست الـ21"، للأحزاب المؤثرة في المجمل، إن لم يكن كلها، برفضها حل الدولتين وتأييد الاحتلال "الاستيطان" في الضفة الغربية وكذلك "القدس والجولان" وغيرهم من النهر للبحر. فبالإضافة إلى "الليكود"، الذي يتزعمه بنامين نتنياهو والمعروف ببرنامجه اليميني المتطرف، جاء على رأس الأحزاب المنافسة حزب "أزرق أبيض"، الذي يزعم أنه حزب "يسار وسطي" وحزب القيادي "الوسطي" (يئير لبيد) "يش عتيد"، الذي يشمل برنامجه الدعم لقدس "موحدة" كعاصمة لإسرائيل، وإن كان في المجمل توافق برنامجه مع سياسة اليمين وأحياناً اليمين المتطرف، بل هو يتجاوزها في قضايا عديدة. كذلك "اليمين الجديد" بموقفه "اليمين هو ضد إقامة دولة فلسطينية، وضد إطلاق سراح الأسرى".
هو الحال مع حزب "هوية" الذي شكل برنامجه السياسي صدمة مرعبة، كونه يدعو لإلغاء الوجود الفلسطيني والاكتفاء بدولة واحدة: هجرة طوعية للفلسطينيين، وطرد للسلطة، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى وبناء كنيس فيه، والضفة الغربية ضمن الدولة اليهودية، ويزعم أن ("القدس" بشكل عام وجبل الهيكل على وجه الخصوص، هي في جوهر الوجود القومي اليهودي عبر الأجيال)… وأن "القدس" الكبرى ستضم كذلك "بيت لحم ومستوطنات غوش عتصيون في الجنوب، وبيت شيمش وموديعين في الغرب، ومدينة رام الله في الشمال، ومعاليه أدوميم وأريحا في الشرق".
في سياق دعايته السياسية جاء إعلان نتنياهو عن خطط لبناء 23 ألف وحدة استيطانية جديدة في شرق "القدس" المحتلة، خلال السنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، "وقّعنا اتفاقية لبناء 23000 شقة جديدة في القدس باستثمار قدره مليار شيكل (276 مليون دولار) فـ"القدس" ليست مستوطنة، "القدس" هي عاصمة إسرائيل للأبد، 3 آلاف سنة جزء من وجودنا الأبدي". هكذا تحدث نتنياهو. ولا يخفى الجانب الدعائي في هذا الإعلان عشية انتخابات الكنيست، لكنّ ذلك لا ينفي خطورتها، بل يؤكّد عزم الاحتلال على المضيّ في مخطّطاته الاستيطانية والتهويدية في "القدس" المحتلة.
في الوسط تتلاعب حكومات إسرائيل وسلطات الاحتلال في وسائل السيطرة على أراضي الفلسطينيين بحجج أمنية مختلفة وتحولها لاحقاً إلى مجال حيوي للنشاطات الاستيطانية وفق ما هو معروف وما جاء كذلك في أحدث تقرير صدر عن جمعية "كيريم نافوت" الإسرائيلية غير الحكومية قالت الجمعية أن إسرائيل استولت خلال 50 عاما على 10 الاف هكتار (100 ألف دونم) من الأراضي الفلسطينية بذرائع أمنية، لكن نصف تلك الأراضي في نهاية المطاف تحولت إلى مستوطنات في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، حيث يعيش فيها باستثناء "القدس" 450 الف مستوطن ويعتبر القانون الدولي تلك المستوطنات غير قانونية.
يكمن الخطر الحقيقي في أن الحكومة "الإسرائيلية" اليمينية المخولة، بعد أن أثبتت لشعبها أن السلام المتفاوض عليه ليس خياراً، مستعدة لتجربة بديل، والخطر الحقيقي هو ما ستفعله الحكومة، التي تعتمد سلطتها على الأحزاب ذات الأيديولوجيات التي تطالب بطرد الفلسطينيين، في المرة المقبلة التي ستتاح لها الفرصة لتغيير الوضع الراهن بشكل جذري، الخطر الحقيقي هو إلى أي مدى ستذهب الحكومة القومية المتطرفة التي أبدت بالفعل رغبتها في إسكات المعارضة، في هذا المسعى.
خريطة الشرق الأوسط
في الوقت الذي أصبح فيه اليأس السياسي يغلف المعسكر المناهض للاحتلال في السنوات الأخيرة، خاصة في عهد ترامب. ففي إطار مساعيه لرسم خريطة الشرق الأوسط؛ فجّر كارثة جديدة لصالح الحليف الإسرائيلي، بضرورة الاعتراف الأمريكي بـ(سيادة إسرائيل على "الجولان" السوري المُحتل). واعتبر ترامب أن منطقة "الجولان" (ذات أهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل واستقرار المنطقة". في حين قرر الكنيست "ضمّ" الجزء المُحتل من الجولان الواقع غربي خط الهدنة 1974 إلى إسرائيل، والذي عُرف بـ"قانون الجولان"، في خطوة يرفضها المجتمع الدولي حتى اليوم.
قد تكون هي حروب الموارد.. حيث تجادل إسرائيل إذن – ومن خلفها إدارة ترامب على ما يبدو- أن تغير بنية التهديدات في البيئة الأمنية السورية هو ما يقف وراء مطالباتها الحثيثة مؤخراً بالاعتراف بسيطرتها على "الجولان" -خلافاً لمقررات الشرعية الدولية-، مؤكدة أن التفوق النوعي لإسرائيل في مجال الأقمار الصناعية والقوات الجوية لا يبرر التخلي عن موقعها الإستراتيجي على ارتفاع 9 آلاف متر (عند قمة جبل حرمون أو جبل الشيخ)، والذي لا يمدها فقط بمنصة لرصد جميع التحركات على الأراضي السورية، ولكنه يُسهّل عليها أيضاً مهمة تأمين السهول الإسرائيلية المحيط ببحيرة الجليل، التي تعد مصدر ثلث المياه العذبة في إسرائيل.
يبقى أن الصراع في إسرائيل لم يعد اليوم، كما كان يحلو لنا رؤيته قبل عقدين، بين (يمين ويسار) أو بين (صقور وحمائم)، بعد أن باتت إسرائيل دولة ومجتمعاً أكثر تطرفاً وتعصباً وعنصرية. فمؤسسات الدولة باتت تعكس التحولات السياسية اليمينية المتطرفة في المجتمع ذلك أنه مع خسائر ما يسمى "اليسار" المتتالية على مدى السنوات الماضية، تحول اليمين المتطرف من عقيدة إلى مشروع دولة. والحال كذلك، المتوقع أن يكون "الكنيست" المقبل تحت سيطرة أغلبية يمينية كاسحة، والحكومة الجديدة بغض النظر ممن ستشكل ستؤشر على أن اليمين هو المكون الأساس في الدولة الصهيونية.
بعد أن صمتت دهراً منذ إطلاق نتنياهو لتصريحاته الاستفزازية تلك، قرر مايك بومبيو أن ينطق "كفراً"، ففي حديث لـ"سي إن إن" يعلن أن قرار نتنياهو لا يلحق ضرراً بالخطة المعروفة باسم "صفقة القرن"، والتي تزعم واشنطن أنها "متوازنة" وتحفظ حقوق مختلف الأطراف. بومبيو محقاً، يؤكد ما كنا نعرفه: هذه الصفقة مصممة أساساً على مقاسات اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، وهذا الفريق، لن يرضيه سوى تدمير "حل الدولتين" وبذل كل جهد ممكن لمنع قيام دولة مستقلة قابلة للحياة، وضم الضفة الغربية، جميعها أو أجزاء واسعة منها.
هذه هي سياسات الكنيست ليس تبنياً للمواقف المتشددة فقط، بل تنفيذاً وإذعاناً للطموحات الصهيونية. ذلك أبعد من "الاعتراف" بالسيادة على "الجولان"، أو اعتبار "القدس" عاصمةً لإسرائيل، أو "الاعتراف" بالسيادة الإسرائيلية على المناطق "ج" في الضفة الغربية. فكيف الرد على سؤال طريقة مواجهة الصهيونية في العالم، فهو بالطبع أكبر بكثير من مقال، لكنه يبدأ بإحباط العرب لـ"صفقة القرن" الجاري تنفيذها. لكن كيف يحبطونها وهم منشغلون بالتآمر على شعوبهم؟.
كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية