الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب في الحسابات الروسية

إدلب في الحسابات الروسية

15.06.2019
بسام مقداد


المدن
الخميس 13/6/2019
آخر ما كانت تريده وسيا هو أن تتصدر معركة إدلب ، قبل أن تتحول إلى معركة شاملة ، عناوين المواقع الإعلامية في العالم ونشرات الأخبار، وتضطرها إلى استخدام مايشبه "الفيتو" في مجلس الأمن للحؤول دون صدور بيان عنه بشأن المجازر، التي ترتكبها مع الأسد هناك الآن.  حتى الرئيس الأميركي ترامب بدا كناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان ، وهو يتوجه إلى روسيا والنظام السوري بشأن إدلب بقوله " العالم يراقب هذه المجزرة . لماذا ، ماذا يعطيكم هذا ؟ توقفوا!" . لكن روسيا ، التي لم تكن لتلتفت سابقاً إلى ما يقوله السياسيون الغربيون والإعلام الغربي"المعادي لروسيا" ، تغيرت ظروفها الآن بنتيجة "انتصاراتها" على سوريا والسوريين، وليست مستعدة للسماح  بالمس بها في إدلب ، بل تسعى لتوظيفها في مخططاتها اللاحقة في سوريا والمنطقة ككل .
لكن إذا كانت الوقائع السورية قد تغيرت نتيجة "انتصارات" روسيا على السوريين منذا العام 2015، فإن مخططات روسيا لم تتغير، بل أصبحت أكثر وضوحاً وتحديداً . فهي لم تأت إلى سوريا ، فقط من اجل إعادتها إلى سلطة الأسد، بل هي اعتبرتها منصة مؤاتية للعودة إلى الشرق الأوسط وترسيخ نفوذها فيه . وبعد أن تمكنت من سوريا والسوريين خلال الأعوام الماضية، تسعى الآن لتثبيت الوضع الراهن، من خلال التعجيل بوضع دستور جديد لسوريا، وإجراء انتخابات نيابية وفرض استقرار الحكومة ، تمهيداً للمباشرة بإعادة إعمار البلاد ، على ما نقلته نوفوستي عن هآرتس الإسرائيلية. وهي تعمل لتوظيف سوريا "المستقرة" هذه ، ليس في خدمة للأسد، بل من أجل تحسين العلاقات القائمة مع السعودية وسواها من بلدان الخليج ، وإقامة تحالف إقتصادي مع مصر ومدها بالسلاح، والتخلص من العقوبات الأميركية والأوروبية وترسيخ وضعها في العالم ككل ، على قول الصحيفة .
وإذا كانت المعركة الدائرة في إدلب الآن، تسبب بعض الحرج لروسيا في علاقتها بتركيا ، التي تحرص عليها أشد الحرص، وتعتبرها بين أهم إنجازاتها السورية ، ترفض أن "تتقاسم" مع إيران سوريا ، التي تسعى لبلورة صورتها الروسية القادمة . وهي تعمل على تعزيز نفوذها في القوات المسلحة السورية، وتقوم بتدريب العسكريين السوريين عن طريق الشركات العسكرية الروسية الخاصة ، واصبح ضباطها يتولون مباشرة قيادة بعض الوحدات العسكرية السورية ، حسب الصحيفة
التناقض المتزايد بين روسيا وإيران في سوريا، جعل هآرتس تذهب بعيداً في توقعاتها لتطور الوضع في المنطقة ككل، وتتحدث عن تطابق في الموقف من إيران، بين كل من روسيا وأميركا وإسرائيل، أسفر عن ولادة فكرة اللقاء الثلاثي في القدس بين مسؤولي الأمن القومي في الدول الثلاث، أواخر الشهر الجاري. وتصف اللقاء العتيد هذا بأنه "غير اعتيادي" ، وبأنه لو لم يسفر عن أي شيئ ملموس ، فسوف يجعل إيران والشرق الأوسط ككل ، يفهمون أن "المحور الروسي الأميركي الإسرائيلي" ، يمكن أن يضع مشروع خريطة طريق لقيام شرق أوسط جديد .
قد تكون "الإخفاقات" الروسية في معركة إدلب الراهنة، التي تحدث عنها الإعلام الروسي في الأيام الماضية والتباطؤ الروسي الواضح في فتح المعركة على مصراعيها حتى الآن ، تعود ، في جزء منها ، إلى الآمال ، التي تعقدها روسيا على "المحور" الجديد في الشرق الأوسط ، وما سيسفر عنه اللقاء الثلاثي المنتظر أواخر الشهر الجاري. فقد تحدثت صحيفة الكرملين "VZ" في 7 من الشهر الجاري عن "إشاعات" عن انسحابات للوحدات العسكرية الروسية في سوريا في شمالي محافظة حماة. وتحدثت صحيفة القوميين الروس "SP" عن "هزيمة يتكبدها جيش الأسد في إدلب "، وقالت بأن معارك جديدة تنتظر روسيا في إدلب. ونقلت الصحيفة عن خبير عسكري روسي قوله ، بأن الإخفاقات الأخيرة لدمشق في معركة إدلب تعود إلى عدم كفاية الانضباط العسكري في جيش الأسد وتشكيلات المتطوعين التابعة له .
ويؤكد هذا الخبير ، بأن غياب الانضباط العسكري هي المشكلة الرئيسية في الجيش السوري ، والتي برزت سابقاً في المعارك حول دمشق وغيرها من الإتجاهات في بداية الصراع السوري . ويقول بأن العسكريين الروس حين توجهوا إلى سوريا ، لاحظوا كم يختلف مفهوم الجيش بين الروس والسوريين ، مما دفع الإختصاصيين الروس ، وما زال يدفعهم ، إلى القيام "بعمل هائل" من أجل التوصل إلى جعل العسكريين السوريين فعالين في المعارك الحربية . وهو يرى أن عمل الخبراء العسكريين الروس لم يسفر عن نتيجة مرضية سوى في فيلق عسكري سوري واحد ، أثبت فعاليته في حلب ودير الزور، أما بقية وحدات الجيش السوري، فما زالت حتى الآن تعمل على بلوغ المستوى الضروري المطلوب. وهو يرى أن التصعيد في العمليات العسكرية في إدلب حتمي، بعد أن فشل جميع الأطراف في التوصل سلماً إلى معالجة "معضلة" إدلب.
ونقلت الصحيفة عينها في 12 الجاري عن خبير آخر قوله ، بأن "روسيا تعد لهجوم كبير على إدلب"، ويفترض أن توقيت العملية العسكرية الشاملة ضد المقاتلين في إدلب ، تتعلق بسلوك هؤلاء ، وأن الأشهر القليلة القادمة قد تشهد وضع خطة عملانية ما، تبدأ العملية بعدها. ويرى أن موسكو سبق لها أن حذرت جميع الأطراف في إدلب ودعتها إلى الإلتزام ببنود الإتفاق حول نزع سلاح المحافظة ، إلا أن أحداً لم يستمع إلى هذه التنبيهات. وبدلاً من أن يشير إلى تركيا ويسميها بالإسم ، قال بأن ممثلي المخابرات الأميركية لعبوا دوراً مهماً في التصعيد الراهن للوضع ، وأن الجانب الروسي لن يتحمل طويلاً استفزازاتهم ، التي يعاني منها العسكريون السوريون وتعاني منها "سمعة روسيا". وقال بأن موسكو عهدت بالمحافظة الى تركيا لتسوية وضعها وجعلها خالية من "الإرهاب" ، إلا أنه ، "وكما نرى" ، عجزت تركيا عن القيام بالمهمة ، ومازال السكان المدنيون والعسكريون السوريون يقتلون هناك ، مما يجعل "صبر روسيا" ينتهي قريباً ، وتبدأ العملية، التي "نضجت" منذ زمن بعيد ، ومن "لم يسمع لافروف ، سوف يضطر لسماع شويغو"، على قوله .
وحول مشاركة تركيا بالهجوم، الذي يتحدث عنه هذا الخبير، يقول بأن من المحتمل أن تكون المشاورات ناشطة الآن مع الجانب التركي من أجل استيضاح موقفه من هذه المسألة. إلا أن أنقرة، باعتقاده، تعترف بصحة موقف الجانب الروسي، الذي يدعمه السوريون والإيرانيون ، مما يسمح بإنهاء عملية "تنظيف" سوريا من المقاتلين. ويرى أن العملية بمجملها سوف يقوم بها الجيش السوري  بمساعدة وحدات الحرس الثوري الإيراني ودعم الطيران الحربي الروسي من الجو. ويعتقد هذا الخبير أن العملية قد تبدأ بعد انتهاء المشاورات مع تركيا خلال شهر أو شهرين من الآن، إلا أنه يستدرك هو نفسه ، ويقول بأن التنبؤات ليست أمراً مستحسناً ، وجميع الأمور قد تتغير في أية لحظة .
مشكلة روسيا التاريخية، على قول الروس أنفسهم، أنها تتوهم دائماً قدرتها على صداقة جميع الأطراف، والقفز فوق تناقضاتهم. فالإخفاقات الأخيرة ، التي أصابتها مع جيش النظام السوري في إدلب ، تحاول روسيا تقديمها ، إما بانها إشاعات لا غير، أو أنها تنازل غير معتاد من جانبها أمام صوت العالم ، الذي يحذر من كارثة إنسانية غير مسبوقة، أو بأنها تنازلات مؤقتة للجانب التركي، قبل فتح المعركة النهائية في إدلب ، التي تصورها بأنها ستضع النهاية للمقتلة السورية .