الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  أيها المسلمون: الحرب الصليبية تستهدف حاضِرَكُم ومستقبلَكم فماذا أنتم فاعلون!؟

أيها المسلمون: الحرب الصليبية تستهدف حاضِرَكُم ومستقبلَكم فماذا أنتم فاعلون!؟

17.08.2021
الدكتور محمد بسام يوسف




بسم  الله الرحمن الرحيم
أيها المسلمون: الحرب الصليبية تستهدف حاضِرَكُم ومستقبلَكم فماذا أنتم فاعلون؟!..
الفصل الأول: زوال الباطل مرهونٌ بانخراط المسلمين في سنّة (التدافع)
بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف

ما يأتي، هو الفصل الأول، من كتابي الذي كتبته ونشرته، بُعيد شنّ أميركة وحلفائها حربها لاحتلال أفغانستان، منذ عشرين سنة، وهو بعنوان: (أيها المسلمون: الحرب الصليبية تستهدف حاضِرَكُم ومستقبلكم، فماذا أنتم فاعلون؟!..). أجد من المفيد إعادة نشره وتعميمه، بمناسبة تحرير أفغانستان، البلد المسلم المجاهد.
يوم الاثنين في 16 من تموز 2021م
*     *     *
لا نشكّ مطلقاً أنّ الحرب الصليبية الأميركية الغربية على العالم الإسلامي، التي بدأ فصلها الأول في أفغانستان المسلمة.. لا نشكّ أنها ستنتهي لصالح المسلمين -بإذن الله-، وستُفضي إلى إقامة دولةٍ إسلاميةٍ قويةٍ موحّدةٍ في العالَم الإسلاميّ، تحكم بما أنزل الله، وتعمل على تحقيق وحدة الدول العربية والإسلامية بشكلٍ ما، وتكون أول مهماتها بعد تحكيم منهج الله عز وجلّ في شؤون الحياة كلها.. القضاء على الكيان الصهيوني الدخيل، الذي زرعه الصليبيون في قلب عالمنا العربيّ والإسلاميّ، ليكون خنجراً مغروزاً في خاصرة الأمة الإسلامية، ومصدراً للفرقة والتشتّت وسفك الدم، ولإذلال هذه الأمة وإضعافها، واستعبادها، ونهب ثرواتها، والتآمر عليها، وعلى حاضرها ومستقبل أجيالها.
لكن ذلك لن يتحقق في فترةٍ وجيزةٍ -كما يظنّ الناس ويأملون-، بل سيستغرق سنواتٍ كثيرة، بعد حروبٍ عاتيةٍ مدمِّرة، تعظم فيها الجراحات والآلام، وتؤدي لإيقاظ المسلمين من سباتهم وغفوتهم.. وكل ذلك مرهون باستثمارهم للأحداث الجارية، وللّتي ستجري وتستمر، بشكلٍ لا يدع مجالاً للشكّ أو اللبس، بأنها حرب صليبية قذرة، تستهدف القضاء على كل بذرة خيرٍ غرستها الصحوة الإسلامية في هذه الأمة.
 
*العزّة أو الزوال*
 
إنّ سنّة (التدافع) التي قدّرها الله عز وجل على البشر، ستسير قُدُماً بين المسلمين من جهة، والصليبيين واليهود من جهةٍ ثانية.. تلك السنّة الإلهية التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: (.. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية 251)، إذ لم يبقَ من جهةٍ تقف بوجه الطغيان والجبروت الأميركي والصليبي واليهودي في هذا العالَم، بعد استخذاء القوى العالمية، التي برهنت على أنها ليست سوى قوىً خاوية من العبيد، الذين يُساقون بسلاسل سيّدهم الجبار الصهيونيّ والأميركيّ.. لم يبقَ إلا الإسلام بكل ما يزخر به من قوةٍ روحيةٍ، وقدرةٍ فائقةٍ على تفجير الطاقات البشرية، وبُعْدٍ حضاريٍ رفيعٍ، وصلاحٍ ربّانيٍ عادل، بكونه منهجاً وحيداً شاملاً لجوانب الحياة المختلفة، ومُحقِّقاً سعادة الإنسان في الدارَيْن: الدنيا والآخرة.
سيجد المسلمون أنهم أمام مصيرَيْن اثنيْن: إما الزوال والاستعباد لأعدائهم، أو النهوض والوحدة وخلع عباءة الضعف والاستخذاء، وبالتالي تحقيق المنَعَة والعزّة، والتصميم على تقديم منهج الإسلام العادل، بلسماً شافياً لكل ما سبّبته المناهج البشرية الوضعية، من ذلٍّ للإنسان وعبوديةٍ لغير الله عز وجلّ، ومن خللٍ وشقاءٍ وظلمٍ وظلامٍ للبشرية.
 
*أفغانستان ساحة ( التدافع ) الأولى*
 
لو دقّقت أميركة النظر في السبب الأساس الذي أدى إلى سقوط الطغاة والجبّارين والإمبراطوريات عبر التاريخ.. لوجدت أنها وقعت رهينة ذلك السبب نفسه: الغرور والارتهان إلى القوّة الغاشمة.. وهل سقط فرعون ونيرون وكسرى وقيصر.. وغيرهم، الذين كان آخرهم الاتحاد السوفييتي.. إلا حصائد غرورهم، وما جرّه من ظلمٍ وقهرٍ وشقاءٍ واستعبادٍ لبني الإنسان؟!..
قد تستطيع أميركة تدمير أفغانستان، بمدنـها وقُراها وبواديها ومساجدها وبيوتـها الآمنة ومدارسها ومؤسساتها الرسمية والأهلية.. وقد تستطيع أن تقتل الأطفال والرضّع والعجائز والجَوْعى والبائسين، وتنبش بقنابلها وصواريخها الفتّاكة قبورَ الأموات ومقابر الشهداء.. وقد تستطيع أن تحقّق انتصاراً على (طالِبان)، وحتى أن تقتل الرئيس (الملا محمد عمر) وحليفه (أسامة بن لادن).. قد تستطيع أن ترتكب كل تلك الجرائم، لكن يفوت أميركة أنّ هذا كله لا يدعو إلى الفخر، وأنّ الانتصار الآنيّ بهذا الشكل، الذي يمثل استقواء مَن يملك كل شيءٍ، على مَن لا يملك شيئاً بالمعنى الماديّ.. هو الهزيمة بل الفضيحة!.. ويفوت أميركة وحلفاءها أنّ لكلّ فعلٍ ردّ فعلٍ على قَدْره ووزنه، وأنّ الوحشية والظلم والطغيان والقوّة الغاشمة، والاستقواء على مَن تظنّ فيه الضعف.. لن يولّد -عند الإنسان السويّ المؤمن العزيز- إلا المقاومة والجهاد والعمل الجادّ المتميّز، لدحر العدوان وتلقين المعتدي الدرس الذي يفهمه!.. ويفوت أميركة أنّ (طالِبان) وُلِدَت من رحم هذه الأمة، وأنّ (الملا محمد عمر) هو واحد من أبناء أمّةٍ يزيد عدد أفرادها على المليار وربع المليار، فما الذي يحول دون ظهور ألوفٍ مثله؟!..
لعلّ الحقيقة الوحيدة الثابتة حتى الآن في الحرب الصليبية التي بدأت في أفغانستان المسلمة.. هي أنّ أميركة التي انجرّت وراء غرورها وصلفها وتعطّشها للدماء المسلمة، قد تورّطت في ذلك البلد الأشمّ أيما تورّط، ولم يعد بمقدورها التراجع، وبدأت تحفر قبر إمبراطوريتها الغاشمة بيديها وعمى بصيرتها.. أفلا يكفي (الملا عمر) و(طالِبان) الانتصار على القوّة العظمى، التي يمكن أن تتهاوى بعد اندحارها في أفغانسان كما تهاوى الاتحاد السوفييتي؟!.. إنها سنّة ( التدافع )، التي قدّرها الله عز وجل في أرضه، وهو وحده الذي يُسَيِّرها كيف يشاء، ويضع سرّها في مَن يشاء، وينصر فيها دِينه وأنصاره بالشكل الذي يشاء!..
لنتأمّل في المشهد الآتي: أميركة تصرف مليارات الدولارات، نفقات حربها العدوانية في أفغانستان، وثمن بقائها في بلدٍ مُدَمَّرٍ ليس فيه ما يخسره، وستتكبّد لاحقاً خسائر بشريةً، نقدّر أنها ستكون فادحة.. بينما عمليات الجهاد والاستشهاد التي سيقوم بها الأفغانيون الذين هالَهُم ذبح أطفالهم ونسائهم، واندثار أبنائهم أمام أعينهم، تحت الأنقاض التي خلّفتها أعمال القصف الهمجيّ الأميركيّ الصليبيّ.. ستكلّف أميركة وربما الغربَ الصليبيّ كله، خسائر ماديّةً وبشريةً جسيمة!.. ولنتأمّل كيف ستكون عليه الحالة النفسية لملايين الأميركيين والغربيين، عندما يحصل ذلك طال الزمن أو قصر!.. ومَن يُنعم النظر في ذيول تفجيرات نيويورك وواشنطن على صعيد الخسارة المادية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية.. فسيجد أنها أفدح بكثير من مجرّد انهيار برجين عملاقين!.. ويكفي أن نعلم أنّ قطاع الطيران فحسب، قد تكبّد من الخسائر ما يقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، فضلاً عن خسارة عشرات الألوف من الموظفين الأميركيين والغربيين لوظائفهم في هذا القطاع الهام!.. ولنقُلْ مثل ذلك على سندات الأسهم والأسواق المالية وقطاع السياحة.. وغير ذلك. فأيّ شقاءٍ تجرّه أميركة على نفسها وشعبها وحلفائها؟!.. نقول هذا والحرب في أفغانستان لا تزال في بدايتها، باعتراف القادة الأميركيين أنفسهم!..
هناك في أفغانستان تآمرٌ من الأقربين قبل الأبعدين، لإخراس صوت الحق الذي تحدّى جبروت الجبارين، وجرَّهُم إلى مأزقٍ لن يخرجوا منه سالمين بإذن الله.. هناك تبقى العصبة المؤمنة والفئة الصادقة، ثابتةً على الحق لا تأخذها في الله لومة لائم ولا تآمر منافقٍ تافه، راسخة الإيمان بأنّ الباطل سيزول مهما علا وتجبّر واستكبر، عارفةً حق المعرفة أنّ زواله مرهون بالانخراط في سنّة الله عز وجل: سنّة (التدافع)، بدفع هذا الباطل الظالم بالجهاد والمقاومة والتضحية، وهو الشرط الحقيقي الوحيد لظهور الحق، وعلوّ أنصاره والمؤمنين به والذائدين عن حِياضه،  لأنه عندئذٍ فحسب، تُستَكمل شروط استحقاق نصر الله، حيث لا نصر إلا نصره:
( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)  (يوسف :110).
22 من كانون الأول 2001م
*     *     *