الرئيسة \  مشاركات  \  أيها السوريون لندافع عن وطن يوسف العظمة

أيها السوريون لندافع عن وطن يوسف العظمة

30.05.2020
المحامي فوزي مهنا



هل يفعلها رامي مخلوف ويذهب لمصرف سورية المركزي ويكنس كل ما فيه من مبالغ نقدية، هي ما تبقى من قوت الشعب السوري وعلاج أوجاعه؟ كما فعلها من قبله رفعت الأسد في عام 1984، فيقتل الشعب السوري ثلاث مرات، الأولى بسرقة أمواله وحرمانه منها، والثانية بتعويم الليرة السورية، كما هو حالها اليوم، عندما قام رفعت بجريمته تلك كان الدولار يِومها يساوي أربع ليرات، بعدها صار الدولار يساوي خمسين ليرة.
أما المقتلة الثالثة فهي نقل الأموال المنهوبة إلى الخارج، المفارقة هنا هي أن شعوب جملوكيات الموز العربية، المسكينة تأخذ على حكام الدول الخليجية النفطية أنهم يملكون الدول وما عليها، لم تُدرك هذه الشعوب أن ما يتم نهبه من ثرواتها يتم إرساله إلى المصارف السويسرية والفرنسية والروسية واللبنانية، في حين حكام الخليج يقومون باستثمار ما نهبوه من أموال في تنمية أوطانهم ورخاء شعوبهم.   
التاريخ يكرر نفسه، نفس القاتل ونفس المقتول، مع فارق أن رفعت الأسد كان يملك الدبابة و22 ألف عنصر من سرايا الدفاع، في حين يملك مخلوف 60% من الاقتصاد السوري، لذلك ما أن أطلّ من خلال مقطع فيديو مسجل على صفحته، حتى قفز الدولار ليلامس 1800 ليرة ، ليقوم بقتل السوريين من جديد.
سورية باقية رغم أنف كل باغ وكل متآمر وكل جبار، لم يسقط رامي مخلوف ومن قبله والده من الفضاء بالباراشوت، وفقاً لما يحاول تصويره بين كل فترة وأخرى بعض السوريين، مثلما لم يسقط كل من الشقيقين رفعت وجميل الأسد، ومثلهم بالطبع خدام وطلاس والزعبي وآخرون، وإنما كانت أموالهم وحجم ثرواتهم تكبر على مدار الساعة (كل شبر بنذر) كما يقول المثل الشامي، كان الجهاز الرسمي شريكاً بنهوضهم وتربيتهم ورعايتهم، ساعة بساعة ويوماً بيوم.
بالقطع ليست المؤامرات هي التي تهدم الأوطان، إنما سوء بناء الإنسان، عندما أراد الصينيون القدماء أن يعيشوا في أمان؛ بادروا لبناء سور الصين العظيم، اعتقدوا حينذاك أنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، إلا أنه خلال المئة سنة الأولى من بنائه تعرّضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو بحاجة إلى اختراق السور أو تسلقه، إنما كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب، أليس هذا هو حال السوريين, الذين لم تفعل بهم سنوات الحرب التسع ونيف، ما فعله بهم وبالوطن شياطين الرشى والفساد؟. 
من موظف بسيط في شركة الطيران السورية، جاء مخلوف الأب، إلى مدير عام مؤسسة التبغ، إلى السيطرة على الأسواق الحرة، فتهريب الدخان الأجنبي، إلى إدارة المصرف العقاري، إلى تأسيس شركة تتعلق بصناعة النفط، واحتكار كل شيء يتعلق بهذه الصناعة، إلى السطو على أغلب المجالات الاقتصادية المربحة كالكهرباء والنسيج والمصارف، إلى جانب عدد كبير من الشركات والتي بلغت أكثر من خمسين شركة معلنة، وفقاً لتحقيق نُشر في "العربي الجديد" بتاريخ 12 أغسطس/آب عام 2015 عدا عن الشركات المخفية، هذا عن مخلوف الأب.
أما عن رامي الابن فحدث بلا حرج، باختصار يملك منذ عدة سنوات أكثر من 60 بالمئة من الاقتصاد السوري، بعد أن تلاعب بالنظام القضائي السوري واستخدم المسؤولين في الدولة لترهيب منافسيه في الأعمال، ووظف هذه التقنيات عند محاولة الحصول على تراخيص حصرية لتمثيل شركات أجنبية في سوريا والحصول على العقود، وفقاً لتقرير وزارة الخزانة الأميركية، من الجدير بذكره هنا أن إسقاط مملكة رامي مخلوف، التي بات يشير إليها الشعب السوري اليوم، كانت أولى المطالب التي نادت بها الاحتجاجات التي سارت في درعا، والتي رماها نفس هذا الشعب بسهامه القاتلة.
بدوره رفعت الأسد من عريف في الجيش لرئيس المحكمة الدستورية العليا فرئيس مكتب التعليم العالي، فنائب رئيس الجمهورية، إلى شريك في مشروع بحر المانش، عندما سافر إلى روسيا بعد نشوب الخلاف بينه وبين أخيه حافظ  بالعام 1984 طلب رفعت أربع مليارات دولار، دفعت الخزينة السورية منها مليار ونصف المليار، فيما دفع الباقي العقيد القذافي كقروض، وفقا لما أورده رفيق العشيرة مصطفى طلاس، بكتابة ثلاثة أشهر هزت سورية.
من استغلّ القانون لمصلحتك اليوم استعمله لخراب بيتك غداً، لم يسقط هؤلاء وغيرهم بالباراشوت، وإنما كان القانون ومجلس الشعب وكل قوى السلطة وفقراء الشعب في خدمتهم، حتى لحظة انشقاقه في 31/12/2005 كان اسم عبد الحليم خدام واسم أولاده من المقدسات، يخشع له الكبير قبل الصغير، تربّع خدام في الحكم أكثر مما تربع الأسد الأب، بعد ساعات على انشقاقه سارع مجلس الشعب لعقد جلسةً خاصة، الهدف منها محاكمته وتخوينه، والمجاهرة بكل صفقات نهبه وفساده عن جرائم يعلمها جميع السيناتورات في المجلس، قبل ذلك بكثير، لكنهم صمتوا عنها صمت القبور، ومثله كان مصير رفعت الأسد والزعبي، كما هو مصير رامي مخلوف اليوم.
هل هذه هي سورية العظيمة التي نريد؟ إلى متى سيبقى الشعب السوري مجرد شاهد زور؟ تَتَنقّل ثرواته وخيراته من رامي إلى رامي آخر؟ بينما هو وأطفاله يتضور جوعاً، من شركات وأبراج وقصور وسيارات الفراري، إلى الفواتير، التي تكاد تطعم أطفال الشعب السوري بأكمله، روي أن تكاليف إقامة رفعت الشهرية في فرنسا مع حاشيته البالغ عددهم من (100 ـ 150) شخصاً، كانت تصل إلى خمسة مليار فرنك فرنسي، دفعتها الخزينة السورية على مدار عدة سنوات، لقد خسـر رفعت الأسـد في ليلة واحدة على موائد القمار (8) مليون دولار، في الوقت الذي عجز المواطن الشريف عن تأمين خبز أولاده وطعامهم.
كم هو مسكين فاروق الشرع! يقول عضو مجلس الشعب السابق محمد حبش أنه عند بداية المظاهرات الاحتجاجية كنا نعمل مع الشرع لاحتواء الأزمة، كان الشرع يقول: أعطوني توصياتكم وأنا أحولها إلى مراسيم! إلى متى سيبقى هذا الشعب يشاهد هذا الرالي الدوري من الفساد؟ كلٌ يسلِّم الراية إلى الآخر، فيما الشعب يصفق مكسوراً، المدهش في الأمر أن المصفقين هم أنفسهم الضحايا.
يُقال أن الأشياء بخواتيمها دعونا نجرى جردة حساب بسيطة، في عام 1970 كان الدولار أقل من أربع ليرات سورية، اليوم بات الدولار يفوق 1700 قبلها بحوالي عشرين عام، يروى أن باحثاً ألمانياً بالاقتصاد زار سورية، خلص لاستنتاج مفاده أن سورية لو تستمر بهذا الخط الاقتصادي، سيصبح سعر الليرة مساوياً لسعر الفرنك السويسري، كانت هناك بورصة وشركات صناعية صاعدة، كانت النسوة السوريات يبعن مصاغهن لشراء أسهم بتلك الشركات، اليوم تبيع النسوة كل ما لديها لتشتري بها خبز لأطفالها.
قبل 1963 كان الجيش منذ تأسيسه في الأول من آب 1945 يأخذ بقاعدة الحياد السياسي البعيد عن أي فكر تحزبي أو الانتصار لحزب على حساب آخر، كانت سورية دولة مستقلة ذات سيادة، حرص رجال الاستقلال ومن جاء بعدهم على عدم إلحاقها بأي معسكر شرقي أم غربي، لذلك ساهمت سورية مع كل من (عبد الناصر ونهرو وتيتو) في تأسيس منظمة عدم الانحياز، اليوم باتت سورية ضعيفة منهكة محطمة، فاقدة السيادة، تنتشر القواعد العسكرية الأجنبية والتنظيمات الارهابية المسلحة في طولها وعرضها. 
نعود للعنوان والذي اقتبسناه من النداء التاريخي، الذي كان أطلقه عبر المذياع، خلال الحرب العالمية الثانية، "ستالين" إلى عموم الشعب الروسي، من أجل مقاومة المعتدين النازيين، حينما كانوا على أبواب موسكو، صائحاً بهم: "دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي".
لم يكتفِ ستالين بتذكير الشعب الروسي بوطن أجدادهم وأدبائهم وعظمائهم، بل سارع لتوزيع مئة ألف نسخة على المواطنين الروس، من رواية "الحرب والسلام" للروائي الروسي"تولستوي" بهدف إذكاء حماسة المقاومة في نفوسهم، بما يضمن دحر المعتدين، بالمناسبة بوتين في أحد اجتماعاته مع محافظي الاتحاد الروسي أوصاهم بضرورة قراءة روايات الأديب الروسي دوستويفسكي.
بالمقابل ما الذي فعلته السلطة السورية عند بدء الأزمة، فبدلاً من توزيع كتاب نزار قباني "الياسمين لا يموت أبداً" أو قصيدة "هذي دمشق" أو "سأخون وطني" لمحمد الماغوط، أو "أعدائي" لممدوح عدوان، أو مسرحية الفيل يا ملك الزمان لسعدالله ونوس، أو دمشق الحرائق لزكريا تامر، قامت بتقسيم الناس لفريقين متكارهين، ليس ذلك فحسب أكثر من تسع سنوات من عمر المحرقة السورية ومراسيم العفو تمطر على كل قاطع طريق، لم تذكر بحرف واحد القابعين في المعتقلات والمشردين في المنافي والمهجرين.
بالمناسبة لم يكن الماغوط على استعداد لخيانة وطنه، الذي عشقه حتى الثمالة، رغم ما تعرّض له من ظلم وتهميش، لذا عاش حالة من التناقض، وهو ما عبّر عنه بقوله: "ما من مرة قررت فيها السفر لخارج الوطن إلا وتمنيت أن يكون مقعدي بجانب السائق كي أكون أول من يبتعد عنه، وما من مرة كنت فيها خارج الوطن، إلا وتمنيت أن يكون مقعدي بجانب السائق كي أكون أول الواصلين إليه" لم يكن الماغوط بالمطلق على استعداد لخيانة وطنه، لكنه كان يستصرخ عالياً، بأن الخيانة قادمة فيما إذا بقيت نفس السياسة ونفس الطريق.
فيا أيها السوريون لندافع عن وطن يوسف العظمة ونزار قباني وحنا مينا وممدوح عدوان ومحمد الماغوط، من كان يعبد غير الوطن، فهو يهدم كل البنيان، ومن كان يعبد سورية فسورية باقية إلى الأزل.