الرئيسة \  تقارير  \  أين سوريا من الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟

أين سوريا من الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟

19.06.2025
محمود علوش



أين سوريا من الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟
محمود علوش
سوريا تي في
الاربعاء 18/6/2025
خلال الحرب التي جرت في سوريا، تحوّلت سوريا إلى ساحة للصراع بالوكالة بين إسرائيل وإيران، لكنها اليوم تنأى بنفسها عن الحرب الجارية بين الطرفين.
يعود ذلك إلى التحول السياسي الذي أطاح بنظام حليف لطهران، وأخرج إيران من سوريا، وأتى بحكومة جديدة يقودها أحمد الشرع، تسعى إلى إعادة صياغة الهوية الجيوسياسية لسوريا ضمن المنظومة العربية-الإقليمية المناهضة لإيران ومشروعها التوسعي، وكحليف جديد للولايات المتحدة في المنطقة. يبدو أن هذا التحول وفر لسوريا شبكة حماية من تداعيات الحرب الراهنة، لكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة من إسرائيل، التي احتلت أجزاء جديدة من الأراضي السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، ودمرت جزءًا كبيرًا من الأصول العسكرية المتبقية للدولة الجديدة، وسعت حتى وقت قريب إلى تأجيج الانقسامات الطائفية في البلاد وتأليب المكون الدرزي ضد الحكومة الجديدة.
على المدى البعيد، تعتمد المخاطر والفرص المحتملة على مسار الحرب الإسرائيلية الإيرانية ونتائجها.
مع ذلك، لا يخلو الوضع الراهن من مخاطر التأثر بتداعيات الحرب على المديين القريب والبعيد. على المدى القريب، لا يزال الاستقرار الداخلي هشًا، والمخاطر الأمنية قائمة. وتوفر هذه البيئة الإقليمية المضطربة فرصًا لبعض الأطراف لمحاولة زعزعة هذا الاستقرار بهدف تقويض السلطة الجديدة.
كذلك، تبرز مخاطر استغلال إيران لهشاشة الوضع الأمني في جنوبي سوريا لإيجاد موطئ قدم جديد لها وتوظيفه في صراعها مع إسرائيل إذا طال أمد الحرب.
ويكشف الهجوم الصاروخي الذي استهدف الجولان السوري المحتل في 3 يونيو/حزيران 2025، والذي حمّلت الحكومة السورية ميليشيات موالية لإيران مسؤوليته، أن الفراغ الأمني في الجنوب يزيد من المخاطر على استقرار سوريا الهش. ولا يقتصر القلق السوري على هذا الفراغ، بل يمتد إلى احتمال استغلال إسرائيل للوضع في الجنوب كذريعة لإطالة احتلالها أو توسيعه في المستقبل، بدعوى التهديدات الأمنية وعجز الحكومة الجديدة عن بسط سيطرتها.
على المدى البعيد، تعتمد المخاطر والفرص المحتملة على مسار الحرب الإسرائيلية الإيرانية ونتائجها. إذا نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها، سواء بإضعاف القدرات العسكرية الإيرانية وتدمير برنامجها النووي أو إسقاط نظامها، فإنها ستعزز دورها كقوة إقليمية قادرة على إعادة صياغة المنطقة وفق رؤيتها.
هذا قد يدفعها لفرض تصوراتها على سوريا الجديدة، رغم تغيير خطابها مؤخرًا تجاه الرئيس أحمد الشرع واستعدادها للتفاوض مع دمشق حول اتفاقية أمنية تلبي مطالبها في الجنوب، استجابةً للنهج الأميركي الجديد في سوريا. غير أن إسرائيل لا تزال تنظر إلى الحكومة الجديدة وعلاقتها بأنقرة وحضور تركيا في سوريا، كتهديد جيوسياسي كبير.
إن فائض القوة الناتج عن تحقيق إسرائيل لأهداف الحرب على إيران قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مفاقمة تهديدها لسوريا. وحتى مع وجود سياسة الرئيس ترامب في سوريا كعقبة أمام طموحات إسرائيل، فإن مخاطر عدم استقرار هذه السياسة على المدى البعيد يبقي التحدي الإسرائيلي لدمشق تهديدًا عالي الخطورة.
في المقابل، قد يقلل فشل إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب من نزعتها التوسعية في المنطقة في حقبة ما بعد حرب السابع من أكتوبر، مما قد يخفف التحدي الإسرائيلي لسوريا من دون القضاء عليه بالضرورة. على الجانب الآخر، لا تزال إيران تشكل تهديدًا لاستقرار سوريا الجديدة. وأي تحول في سياستها الإقليمية، سواء نتيجة لتفاقم ضعفها بعد الحرب، أو انهيار نظامها، أو استعادة بعض نفوذها الإقليمي إذا نجحت في إنهاء الحرب من دون هزيمة ميدانية أو دبلوماسية، سيكون له تداعيات على سوريا بدرجات مُختلفة. لا تقتصر الحرب الإسرائيلية الإيرانية على إعادة تشكيل ديناميكيات الصراع بين الطرفين، بل تمتد إلى إعادة صياغة موازين القوى الإقليمية. والتحول السوري، كنتيجة غير مباشرة لحرب 7 أكتوبر، كان محركًا رئيسيًا لهذا الصراع، وسيتحدد دور سوريا في النظام الإقليمي الجديد بناءً على نتائج هذه الحرب.
إن تداعيات الحرب ونتائجها على إسرائيل وسياستها في المنطقة ستحددان بشكل رئيسي حجم تأثيرها على سوريا في المستقبل.
إن التموضع الجديد لسوريا في علاقاتها الإقليمية والدولية يساعدها جزئيًا في تحصين نفسها من الارتدادات الإقليمية المحتملة للحرب الإسرائيلية الإيرانية، خاصة إذا استمرت لفترة طويلة. وقد يعزز موقفها في النظام الإقليمي الجديد الذي سيتشكل كنتيجة لهذه الحرب. مع ذلك، فإن تداعيات الحرب ونتائجها على إسرائيل وسياستها في المنطقة ستحددان بشكل رئيسي حجم تأثيرها على سوريا في المستقبل. وحتى مع احتمال أن يتمكن النظام الحالي في إيران من استعادة بعض من نفوذه الإقليمي، فإن إسرائيل ستبقى التحدي الإقليمي الأبرز لسوريا الجديدة. وهنا تبرز أهمية استفادة دمشق من الفرص التي جلبها الانفتاح الأميركي عليها من أجل تعزيزها وتحويلها إلى مكسب استراتيجي بالنظر إلى الدور الحاسم الذي تلعبه السياسة الأميركية في تشكيل النهج الإسرائيلي في سوريا وفي التأثير على السياسات الإقليمية والدولية في الملف السوري.
أخيرًا، استحوذت الحرب الراهنة على الاهتمام الإقليمي والدولي، مما قد يدفع سوريا إلى الهامش إذا تصاعدت الحرب وتحولت إلى صراع متعدد الأطراف. ومع ذلك، ينبغي ألا تغيب سوريا عن أجندة السياسات الإقليمية والدولية، لأن أي تراجع في زخم هذه السياسات قد يؤدي إلى انتكاسة الاستقرار الداخلي في البلاد، ويجلب مخاطر كبيرة على المنطقة والمصالح الدولية فيها.