الرئيسة \  مشاركات  \  أمريكا : البازار العالمي الإلزامي المؤقّت

أمريكا : البازار العالمي الإلزامي المؤقّت

03.02.2018
عبدالله عيسى السلامة




لابدّ من التعامل معها.. لكن كيف !؟
1) أمريكا هي الإمبراطورية العالمية الوحيدة اليوم ، وهي إمبراطورية مؤقّتة ، لها عمر محدّد ، تستهلكه ثم تمضي كما مضى غيرها ، قديماً وحديثاً..!(ولن نتحدث هنا ،عن التقارير والدراسات ، التي تتناول تناقضات أمريكا الداخلية ، وتناقضاتها مع العالم.. ـ التي تزداد خطورة واتساعاً ، يوماً بعد يوم ـ .. وتفاعلِ التناقضات الداخلية والخارجية ، في التعجيل بإنهاء أسطورة الإمبراطورية العملاقة الفريدة ..! فهذا متروك للخبراء والمختصّين ، الأمريكان وغيرهم ..!).. ولكل أجل كتاب .
2) وهي بازار عالمي ضخم ، مفروض على العالم التعامل معه ، مَن أحَبّه ومَن كَرهه، على مستوى الدول والحكومات ( والأحزاب التي تطمح إلى أن تحكم دولاً ، أو تغيّر حكومات بلادها المستبدّة ، في المناطق الخاضعة لهيمنة أمريكا أو نفوذها ، ولاسيّما دول العالم الثالث..). فهي متغلغلة في مفاصل العالم ، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً .. (وعسكرياً في الكثير من دوله الكبرى والصغرى ) في القارّات كلها.. على شكل هيمنة ، أو نفوذ..!
3) السؤال الذي يطرحه ، أو ينبغي أن يطرحه ، على نفسه ، كل راغب بالتعامل مع أمريكا ، أو مضطرّ إلى هذا التعامل ، هو: كيف ؟
4) السؤال ( كيف ؟) ، يجيب عليه كل متعامل ، حسب حاجته ، وقوّته ، وحجمه ، ووزنه في ميزان بلاده ، وفي الميزان الدولي..! وكل ذلك انطلاقاً من طبيعته (طينته) ومبادئه ، وأخلاقه ! وبالطبع ، حسبما يراه محققاً لمصلحته في البيع والشراء؛ بيع البضاعة التي لديه (أو لدَى غيره!) وشراء البضاعة التي يحتاجها!
5) نماذج:
*) بعض الحكام يبيعون (أو يرهنون) قرارات الدول التي يحكمونها ، سياسياً أو اقتصادياً ، مقابل بقائهم في كراسي الحكم !
*) بعض الحكام يقدّمون في بلادهم ، تسهيلات لقواعد عسكرية أمريكية ، أو يُبرمون اتفاقات ، أو معاهدات طويلة الأجل (عسكرية.. اقتصادية ).. أو يعقدون (تحالفات!) أو صفقات ضخمة ، لشراء كميات هائلة من سلع تحتاجها بلادهم، أو (لا تحتاجها!) مع شركات أمريكية عملاقة ، تعطَى امتيازات خاصّة ، في الدولة المعنية!
*) بعض الحكام يقدّمون مناطق واسعة من بلادهم ، لدولة حليفة لأمريكا، في حروب هزلية مفتعلة ، للبقاء في كراسي الحكم ، أو الارتقاء من منصب معيّن ( وزيردفاع ، مثلاً) إلى منصب رئيس جمهورية ! (والطريف أن هؤلاء الحكّام ، هم أكثر الناس شتماً لآمريكا ، وتظاهراً بمعاداتها! ).
 *) بعض الحكّام يحشدون جيوشهم تحت قيادة أمريكا ، لمحاربة دولة يسمّونها (شقيقة!) تخضع مع دولتهم لقيادة حزب قومي واحد! ( وهم ذاتهم، الذين يكثِرون مِن شتم أمريكا ، ويتظاهرون بمعاداتها ، والوقوف في وجه مخططاتها الامبريالية الخبيثة!)
*) بعض الحكام يقدّمون لأمريكا آلاف الملفّات الأمنية ، عن مواطني دولتهم ( ثلاثين ألف ملفّ.. مثلاً !) لتلاحقهم أمريكا ، بتهمة الإرهاب ! وهؤلاء الحكام ، هم أنفسهم ، شتّامو أمريكا ، الصامدون في وجه مخططاتها ، الممانعون لهيمنتها ! وقد سمّوا أنفسهم لهذا : أصحابَ ـ أو أبطال ! ـ (جبهة الممانعة) !
وواضح هنا بالطبع ، أن هذه النماذج المذكورة من الحكام ، تبيع من حساب دولها وشعوبها ، لتقبض لحسابها هي: ( مناصبَ..أموالاً..حِمايات أمنية لها ولكراسيها..!)
*) بعض الحكام يتعاملون مع أمريكا تعامل الندّ مع الندّ ، يبيعون من حساب دولهم، ليقبضوا لحساب دولهم ، بموازين دقيقة ، لا حيفَ فيها ، ولا تفريط ، ولا تساهل، ولا إهمال ، ولا مجاملة أو مسايرة ..على مصالح الدول التي يحكمونها..! كما يتعامل أيّ تاجر وكيل ، حصيف ، حريص على الأمانة التي أوكِل إليه أمرها، أمام شعبه ، وأمام القوى التي تتربّص به ، داخل بلاده ، من وسائل إعلام ، وأحزاب، ومنظمات مجتمع مدني .. هذا إذا لم يكن لديه ضمير حيّ ، يخشى من تأنيبه ، ولا إيمان بإله يخشى أن يحاسبه ..!).
*) بعض الأحزاب المعارضة تقدّم نفسها إلى الأمريكان ، على أنها البديل الأفضل في بلادها ، لأمريكا .. وأن الحكم القائم لا يحقّق المصالح الأمريكية كما ينبغي ، وأنها مستعدّة لخدمة مصالح أمريكا كلها ، في بلادها ..! ( وهذا ما يمكن تسميته : الرهان على النذالة ..! أي : أيّها الأمريكان عيّنوني بدلاً من الحكم القائم في بلادي، فأنا أكثر منه خضوعاً لكم ، وأكثر نذالة !).
*) بعض الأحزاب تراهن على معادلات القوى ، الدولية والإقليمية والمحلية ، وتشابكها، وحساب مصالح الفرقاء ، الكبار والصغار.. وتقدّم نفسها على أنها البدائل الأصلح لبلدانها وللمنطقة ، ولحفظ مصالح الدول الكبرى .. بما لا يناقض مصالح دولها وشعوبها.. ( أي : تنطلق من حفظ مصالح دولها وشعوبها أولاً ، وتأتي مصالح الآخرين بالتبعية ..) وأن النظام القائم بلغ من الفساد حداً سيدمّر معه بلاده وشعبه، ويؤذي المنطقة بأسرها ، ويضرّ بالتالي ، بمصالح الدول الكبرى ، التي لا تتحقّق ولا تستمرّ إلاّ بالاستقرار الفعلي ، للمنطقة ودولها وشعوبها ، عندما تتحقّق مصالح هذه الدول وهذه الشعوب ، التي ملّت الطغيان والفساد ، والفقر والتخلف والاستبداد! (وواضح أن الرهان هنا ، هو رهان على تحقيق مصالح الدول التي ابتليت بحكم الطغاة الفاسدين ، وأن مصالح الدول الأخرى إنّما تتحقّق ، بتحقّق مصالح الدول ، التي تسعى إلى إنقاذ شعوبها من هؤلاء الطغاة ، الذين إذا استمرّوا سيدمّرون بلدانهم بفسادهم ، أو تتحرك ضدّهم شعوبهم ، فتَحدث مجازر قد تؤذي سائر الفرقاء أصحاب المصالح ، في المنطقة وفي العالم !) . وإذا كانت أمريكا ـ شأنها شأن سائر الدول ـ لا تثق بمجرّد الوعود ، بل تنظر إلى أصحابها وإمكاناتهم ، وتمعن النظر في الواقع ومعادلاته وتفاعلاته .. فقد تجد في هذا الكلام واقعية ترجّح ، من خلالها ، أن مصالحها الحاضرة ، والمتوقعة مستقبلاً ، إنّما تكمن هاهنا ..!
/ ونحسب هذا الرهان ، أو ما يدور في إطاره ، هو الرهان الوحيد ، الذي يمكن أن يطرحه سياسي عاقل شريف ، على الساسة الأمريكان ، وغيرهم من أصحاب القوى والنفوذ والمصالح، في بلادنا المبتلاة بحكم الطغيان والفساد !/.
 وتبقى نقطة جديرة بالتأمل والاهتمام ،هي : إذا كانت أمريكا قد تلقّت دروساً قاسية، من احتلالها لأفغانستان والعراق .. وأنها مِن شِبه المستحيل عليها عقلاً، أن تكرر تجربة الاحتلال ، في المدى المنظور ، في دولة أخرى لا تضمن النجاح التامّ فيها بشكل يقيني قاطع .. وإذا كان الحكام الطغاة في بلادنا عرفوا هذه الحقيقة ، واطمأنّوا إلى أن مصيرهم لن يكون كمصير حكام الدولتين المذكورتين ، وفي الوقت ذاته طفقوا يخيفون شعوبهم ، من أن أيّ تغيير لحكمهم ، سيجرّ البلاد إلى مصير مشابه لمصير الدولتين المذكورتين ، لتخنع الشعوب وترضى بحكمهم الأسود..! إذا كان ذلك كذلك ، فإن على قوى المعارضة السياسية الواعية، أن تكون أكثر إدراكاً لهذه الحقيقة ، وأن تبذل ما في وسعها ، للإفادة من المناخ الدولي ، في سعيها لتخليص شعبها ، من براثن الطغيان والفساد ، في أقرب وقت ممكن ..!
ولله درّ القائل : هذا أوان الشَدّ.. فاشتدّي زِيَمْ !