الرئيسة \  رؤية  \  أدب وسياسة : لا تؤدلجوا اللغة ... حول مثواه الأخير

أدب وسياسة : لا تؤدلجوا اللغة ... حول مثواه الأخير

12.06.2019
زهير سالم




واللغة كما عرفها ابن جني : أصوات يعبر بها كل قوم عن مقاصدهم .
وألفاظ اللغة محايدة شرعيا في تعبيرها عن مقاصد الإنسان .
والقرآن الكريم وغيره من النصوص الشرعية ينضبط بقواعد لغة العرب وليس العكس.
وما يزال يصلنا يوما بعد يوم تخصيصات وتفسيرات تحكمية للغة العرب تقوم على الوهم وسوء الفهم . وما يزال بعض الناس يحولون مثل هذه الرسائل المفعمة بالتحكم والقصور والجهل على سبيل الاستجادة والاستحسان . ومن ذلك هذا التحويل الذي ما يزال يتردد منذ أشهر وحوله إلي اليوم أخ نجيب أريب في حرمة استعمال تعبير "مثواه الأخير "
والذي يبدأ بعرض كلمة مثوى في القرآن الكريم على أنها لم ترد إلا في حق الكافرين الذين سيكون مثواهم جهنم ويورد الرجل المستقصي عددا من الآيات . ثم يلتفت لكي يستنكر استعمال وصف المثوى بالأخير بالنسبة للقبر لأنه في رأي صاحب الادعاء ليس أخيرا بل سيكون بعده جنة أو نار ..
ويختم صاحب الدعوى العريضة بفتوى عجيبة غريبة منكرة مستنكرة مفعمة بالجهل أو سوء القصد يقول فيها " وما ألقى هذه الكلمة - مثواه الأخير - بين الناس إلا كافر أو ملحد ثم تقلدت بين المسلمين في غفلة شديدة غريبة ((فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)) ويضيف صاحب الفتوى النشاز "لا نجعلها تقف عندك ...".
 وكلمة ثوى بلغة العرب بمعنى : أقام واستقر وحسب لسان العرب تستعمل لمن أطال المقام ..
قال :
آذنتنا ببينها أســماء  .. رب ثاو لا يمل منه الثواء
والمثوى قد يكون بئيسا وقد يكون كريما . ولا أدري لماذا نسي المتتبع للغة القرآن قول الله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)
وقوله تعالى (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)
فكلمة المثوى كلمة محايدة ، والمثوى يوصف بالسوء ويوصف بالحسن . ولا صحة لما زعم الزاعم من أنها موقوفة على جهنم والكافرين بأدلة قرآنية تنقض ما زعمه المدعي هي بين أيديكم واعتمدت على ذاكرتي ولم أستقصِ ..
يقول أبو تمام في رثاء محمد بن حميد
مضـى طاهـر الأثواب لم تبق روضة .. غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى .. ويغمر صرف الدهر نائله الغمر
فالثواء والمثوى كما ترى . ولا حقيقة لما توهم هذا المتوهم ، إن كان من أهل التوهم .
وفي لسان العرب أن العرب تستعمل ثوى بمعنى قتل أو مات يورد عددا من الشواهد على ذلك ومنها قول ثعلب : ثوى الرجلُ : قُبر . لأن ذلك ثواء لا أطول منه
ويذكر صاحب اللسان : فمن للقوافي شانها من يحوكها .. إذا ماثوى كعب وفوز جرول . إذا مات كعب بن زهير ..
ثم في قولنا : مثواه الأخير .
فهذا تعبير اعتباري أي نسبي . هو آخر عهده بعالم الشهادة . وأول عهده بعالم البرزخ واللغة أرحب ورحمة الله أوسع ..
أيها العقلاء لا تسمحوا لأحد أن يتلاعب بعقولكم لا باسم الدين ولا باسم الدنيا .
 
7 / شوال / 1440
11/ 6 / 2019
___________
*مدير مركز الشرق العربي