الرئيسة \  دراسات  \  آفاق مواجهة القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني

آفاق مواجهة القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني

27.01.2018
مؤسسة القدس الدولية


تقدير موقف:
آفاق مواجهة القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني
مؤسسة القدس الدولية
أصدرت مؤسسة القدس الدولية تقدير موقف أعده الباحث المتخصص في الشأن المقدسي زياد ابحيص تحت عنوان:" آفاق مواجهة القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني" ضمن خمسة عناوين تبدأ من الخلفيات والأبعاد، ردود الفعل الشعبية على القرار، المواقف الشعبية والرسمية، السيناريوهات المحتملة وكيفية استدامة المواجهة.
وأكدت الدراسة أن قرار الرئيس الأمريكي دونالدو ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني قد شكّل غطاءً دوليًا للاحتلال الصهيوني للقدس من خارج مظلة الأمم المتحدة وهو بذلك يحاول التعويض عن غياب المشروعية الدولية للاحتلال من خلال قوة عظمى، بهدف منح الكيان الصهيوني فائض قوة ليُجري تغيرات أكبر وأسرع وتيرةً، دون أن يخشى الإدانة أو العزلة الدولية، وتُعوّل إدارة ترامب على أن قرارها سيشكل رأسَ قاطرةٍ يجر خلفَه اعترافاً عالمياً وحركةً مستمرةً لنقل سفارات دول العالم من تل أبيب إلى القدس، ولكن القرار المدفوع بأسباب داخلية اتُّخذ في لحظة تراجع أمريكي لاتسمح للولايات المتحدة بأن تفرض توجهاتها على العالم كما كان الحال مطلع القرن، مما أدى إلى إجماعٍ مضادٍ لها في مجلس الأمن، وأغلبيةٍ مطلقةٍ ضدها في الجمعية العمومية.
وأوضحت أن قرار الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني يعبّر عن نظرة أمريكية جديدة للتسوية السياسية مطابقةٍ لنظرة اليمين الصهيوني لها، وهي نظرةٌ مفادُها أن التسوية النهائية يفرضها الطرف القوي من جانبٍ واحدٍ وأن على الفلسطينين والعرب أن يتكيفوا مع ما يُفرض، وأن النقاش التفاوضي ينبغي أن يدور حول شكل التكيف العربي وليس حول جوهر القضايا الخلافية، حيث تعتبر الإدارة الأمريكية أن الوصول إلى تسويةٍ نهائية يتطلب حسمَ مصير قضيتين مركزيتين هما القدس واللاجئين، وقد بدأ هذا القرار بالقدس لكونها الأصعبَ في الحسم إذ تمس العرب والمسلمين والمسيحيين في العالم، والنجاح في حسمها سيمهِّدُ الطريق لحسمٍ ناجحٍ لمصير اللاجئين، التي هي قضيةٌ تمسُّ الفلسطينين بشكل أساس ودول الطوق التي تستضيفهم.
واعتبرت الدراسة أن الولايات المتحدة قد عوَّلت على غضبةٍ عربية وإسلامية مؤقتة، يمكن انتظار مرورها دون أن تترُك أثراً دائماً على علاقات الولايات المتحدة ومصالحها، أو حتى على مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني واستمرار تقدمه.
وفي سياق ردود الفعل الشعبية العربية والإسلامية، ذكرت الدراسة أن رد الفعل الشعبي لم يُكذِّب ظنَّ المتخوفين منه، فخرجت الملايين في العواصم العربية والإسلامية في مشهد وقوفٍ مع القدس لم تشهد مثلَه منذ اندلاع الصراع قبل مئة عام؛ بل إن هذا الغضب اكتَسبَ بُعداً شعبياً دولياً فامتدَّ إلى جنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، ووصل حتى إلى حديقة البيت الأبيض. وأدت العفوية الجماهيرية دورَها، فمَنحَت القدسَ التفافاً جماهيرياً يتناسب مع مكانتها الدينية والقومية والتاريخية، وأثبتت أن بوصلة الشعوب نحو القدس ما تزال صحيحةً كامنةً تنتظر اللحظة المناسبة بعد مئة عامٍ من الصراع، فيما كان الرد الشعبي الفلسطيني أقل من المتوقع، مرتكزًا على اعتصاماتٍ ومظاهراتٍ محدودة، ما اضطرّ حركات المقاومة المحشورة في غزة إلى استدامة المواجهة على السياج الحدودي رغم ثمنه الدموي الباهظ كي لا تسمح بموتٍ سريع للرد الشعبي الفلسطيني، وحاول الحراك الشعبي في القدس أن يبني له نقطة ارتكازٍ في المساحة العامة لا سيما عند باب العامود، لكن الخشية الصهيونية من تكرار مشهد باب الأسباط دفعت إلى قمعها بشكلٍ سريع ومتكرر، وإلى إغلاق ساحة باب العامود بالحواجز الحديدية. وفي الضفة الغربية كانت المواجهات مركزةً عند حاجز بيت إيل وبعض نقاط المواجهة فيالخليل وبيت لحم، وبدا أن السلطة الفلسطينية تسابق لاحتكار المشهد الشعبي وتحديد شكله وحجمه وبوصلته، وهو ما سبَّب عزوفاً جماهيرياً عن المشاركة، فالجماهير أدركت أن السلطة لطالما استخدمت الشارع كأداة مواجهة قصيرة الأمد سرعان ما تقايَض على أقل المكاسب، ضمن مناورات تستديم التفاوض تحت السقف الأمريكي ولاتتبنى فعلاً تحررياً".
وأوضحت الدراسة أن السقف الذي تحركت ضِمنَه السلطة الفلسطينية كان بالضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن القرار حتى تعود وسيطاً تُستأنفُ المفاوضات تحت ظِلّه، مع طرحِ بدائل تمنعُ حشر القيادة الفلسطينية وراء هذا الموقف إذا ما أصرت الإدارة الأمريكية على قرارها، وذلك من خلال الحديث عن وساطةٍ دوليةٍ مكان الوساطة الأمريكية، في مناورةٍ سياسيةٍ شكلية لعلَّها تُقلل من خسائرها الشعبية المترتبة على قرار ترامب، فيما تبنت الدولة الأردنية سياسةَ الاتفاقِ الشعبي والرسمي على رفض القرار لتمتين الساحة الداخلية وتقوية الموقف الأردني، فساهمت الدولة في الدعوة إلى الحراك الشعبي، وأفسحت المجال لاعتصام شعبي مطول أمام السفارة الأمريكية، لكن هذا التوافق الرسمي مع الحراك الشعبي انتهى قبل زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس للقدس، إذ أعلن الناطق باسم الحكومة الأردنية في يوم الخميس 19/9/2018 عن اعتذارٍ إسرائيلي على قتل الشهداء محمد الجواودة ورائد زعيتر، وهو إعلانٌ لم يُعزّز بالوثائق كما لم يُعزز بتصريحٍ إسرائيلي، لكنه اتُّخِذ سبباً لإعادة افتتاح السفارة الإسرائيلية في عمان، ويبدو أن فتح هذه السفارة كان شرطاً للموافقة على استئناف المساعدات الأمريكية للأردن، الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة.
وأكدت الدراسة فشل النظام الرسمي العربي في الالتئام في قمة تستجيب للتهديد الماثل على القدس، إذ بدا أن قوىً عربيةً بعينها تسعى إلى خفضِ سقفِ الموقف الرسمي العربي، ومنع توتير العلاقة مع الولايات المتحدة على خلفية قرارِها من القدس، بل والضغط على السلطة الفلسطينية والأردن لخفض سقوفهم أكثر في قضية القدس، وقد جاءت التسريبات الأمريكية للمواقف العربية لتؤكد أن سقفَ الموقفِ العربي هو قبولُ القرار الأمريكي كأمرٍ واقعٍ مسلّمٍ به، والتركيز على كيفية امتصاص تداعياته الشعبية، فما جاء قرار ترمب في فترةِ خروج العالم من نظامٍ عالمي أحادي القطبية إلى نظامٍ عالمي مختلف، ما زال حتى الآن محكوماً بفراغ القوة الذي خلَّفته الولايات المتحدة، ومحاولةِ القوى الدولية الصاعدة الاستفادة منه، وهو ما يجعل تلك القوى مهتمّةً بتعزيز حالة التراجع الأمريكي لتفسح لنفسها مساحةً للمناورة، وهذا ما قاد إلى عزل الولايات المتحدة في مجلس الأمن بتصويت 14 مقابل صوت واحد واضطرارها لحماية نفسها بالفيتو، رغم وجود عددٍ من حلفائها المقربين سواء كأعضاء دائمين أو مؤقتين، وهو ما قاد إلى الإدانة المطلقة لقرارها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وأكدت الدراسة أن القدس محاطةً ببيئة شعبيةٍ مقدسية وفلسطينية قادرةٍ على اجتراح الحلول رغم تعدُّد أدوات الضغط عليها، لكنها لم تفعل المنتظر منها في مواجهة القرار الأمريكي، وبيئةٍ شعبية عربيةٍ وإسلامية متفاعلة وداعمة، وبيئة رسمية عربية وإسلامية تبدو أقرب لتسهيل المهمة الصهيونية في القدس مع غياب قوىً وتراجع أخرى وبقاء قوى الاعتدال العربي وسعيها لاستعادة اصطفاف ما قبل الثورات من جديد، بمقابل بيئةٍ دوليةٍ تتقاطع في المصالح مع الاتجاه الشعبي العربي والإسلامي في دفع الولايات المتحدة إلى الخلف بسرعةٍ أكبر، والاستفادة من تراجعها.
وختمت الدراسة بقراءة الاتجاهات الممكنة لتطور المشهد ضمن أربعة سيناريوهات، الأول: تجاوز الغضبة المؤقتة: بحيث تستمر العلاقات والمصالح الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي دونما تأثُّرٍ يذكر، مع احتمالية عودةِ مسارِ التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى اتجاهه الذي كان قائماً قبل الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
السيناريو الثاني، التراجع الأمريكي: ويمكن لهذا التراجع أن يأتي بإحدى طريقتين: الأولى أن يأتي بطلبٍ إسرائيلي نتيجة تكبُّدِ الصهاينة خسائرَ حقيقيةٍ على أثر قرار الاعتراف، أو من خلال استدامة العزلة الأمريكية على المستوى الدولي إلى حدٍّ يدفع الإدارات الأمريكية المقبلة للتفكير في سحب القرار لتخفيف الأضرار الناتجة عن العزلة.
السيناريو الثالث، الانتفاضة الشعبية الشاملة: إن خيار كهذا إذا ما استثمَر كما في معادلة باب الأسباط من خلال الحشدٍ الجماهيري والمقاومةٍ الفردية والاستفادة من الخارج المتفاعل أن يوصل الصهاينة إلى البحث عن وسيلة للتراجع أمامه بانسحابٍ غير مشروط، سيتحدد حجمه ومساحته بناء على مساحة المواجهة والاستنزاف.
السيناريو الرابع: المواجهات المتقطعة: لتُراكِمَ في مجموعها خسارةً مشابهة لما يمكن للانتفاضة الشاملة أن تُلحِقه فتفرض على الصهاينة استنزافاً يُلجِئُهم للبحث عن مخرج.
ورجحت الدراسة بناءً على الوقائع المتاحة السيناريو الرابع الذي يبدو الأكثر احتمالًا، مع وجود فرصةٍ للسيناريو الأول إذا ما فشلت الحركات الشعبية العربية في استدامة الغضب وفي تحويله إلى موقف سياسي.
للاطلاع على الدراسة كاملة، أنقر هنا